من يسلح إسرائيل؟

الحرب

هآرتس 

بقلم: غيلي كوهين

بعد أن تم وقف الشحنة المرسلة من صواريخ هيل فاير الامريكية الى اسرائيل، وأعلنت بريطانيا واسبانيا الفحص مجددا عن بيع اسرائيل سلاحا، كان يبدو في الاسابيع الثلاثة الاخيرة أنه بدأ مسار قد يعرض للخطر استيراد السلاح الى اسرائيل من دول اجنبية. ويبين فحص صحيفة «هآرتس» أنه الى جانب الاهمية الكبيرة لصفقات السلاح مع الولايات المتحدة وبضع دول مفردة اخرى، لا تكثر اسرائيل من شراء سلاح من دول العالم ولا سيما ذاك الذي يستعمل في العمليات. فما الذي يوجد في قائمة المشتريات الاسرائيلية في السنوات الاخيرة؟ مئات صواريخ الكتف من صنع روسي ومنظومة لاطلاق القذائف الصاروخية من اوكرانيا.
على حسب معطيات وزارة الدفاع يخصص نحو من ربع الصناعة الامنية الاسرائيلية كلها لاستعمال قوات الجيش الاسرائيلي ويصدر ما بقي الى دول العالم. لكن اسرائيل ووزارة الدفاع المسؤولة عن الاستيراد والتصدير الامنيين لا تنشران معطيات عما يجري في الاتجاه المعاكس – أي من دول اجنبية الى اسرائيل، ويُعلم مع ذلك أن معظم السلاح الذي تستعمله قوات الجيش الاسرائيلي هو من صنع اسرائيلي أو سلاح يشترى باموال مساعدة امريكية، ولهذا يتناول خبراء بالامن وبالسلاح في جدية الخطوة الامريكية وهي وقف شحنة الصواريخ المرسلة ويصنفونها على أنها اشارة تحذير لاسرائيل.
برغم أنهم قالوا في اسرائيل في الايام الاخيرة أنه يبدو أن الحواجز التي أفضت الى وقف شحنة السلاح – التي شملت ايضا وسائل قتالية اخرى عدا صواريخ هيل فاير – قد أزيلت، فليس من الواضح الى الآن متى سترسل هذه الشحنة الى اسرائيل. وفي واقع الامر تبذل الولايات المتحدة في السنوات الاخيرة لاسرائيل مساعدة سنوية ثابتة، 3.1 مليار دولار. ويمكن أن يشير التقرير الصحفي الذي نشر في صحيفة «وول ستريت جورنال» قبل اسبوعين وجاء فيه أن ادارة اوباما أوقفت شحنة صواريخ هيل فاير الى اسرائيل بسبب ازمة العلاقات بين الدولتين، يمكن أن يشير الى اتجاه في هذا المجال برغم أنهم في اسرائيل متفائلون بشأن خروج شحنة السلاح مجددا.
يقول العميد (احتياط) أساف أغمون، رئيس معهد فيشر للبحث الاستراتيجي في الجو والفضاء الخارجي، يقول إن تأخير شحنة الصواريخ المرسلة لا يؤثر في الحقيقة في قدرات اسرائيل في مواجهة حماس، «لكن هذه اشارة جد جد واضحة لكل من يُبلبل هنا ويصرح تصريحات مختلفة عن أننا نقدر من غير الولايات المتحدة». وقال: «يحسن أن يحافظ الناس على التناسب وأن يدركوا أننا نكون في مكان مختلف تماما من غير مساعدة الولايات المتحدة».
ويذكر العميد أغمون أن اكثر السلاح الدقيق الذي يستعمله الجيش الاسرائيلي ولا سيما وقت القتال في غزة، هو امريكي. وتستثمر الولايات المتحدة سوى الـ 3.1 مليار دولار السنوية، في منظومات الدفاع الفعالة مثل «القبة الحديدية» والعصا السحرية وحيتس. وبحسب معطيات عرضت على مجلس النواب الامريكي، يقدر الدعم الامريكي لهذه المنظومات في السنة الحالية بأكثر من نصف مليار دولار ينفق نصفها على القبة الحديدية.
برغم الغموض الذي تحتفظ به اسرائيل بشأن صفقات سلاحها، يمكن أن نستدل من تقارير دول في العالم على نظام تسجيل الامم المتحدة بشيء قليل عن السلاح الذي تشتريه اسرائيل، فعلى سبيل المثال يظهر في تقارير اوكرانيا الرسمية أنها باعت اسرائيل قبل سنتين 193 صاروخ كتف روسي من طراز إغلا (اس.إي 16)، و32 قاعدة اطلاق ايضا. وفي 2010 ايضا باعت اوكرانيا اسرائيل بحسب تقاريرها اسلحة روسية وهي: 4 صواريخ ستريلا (اس.إي7)، وقاعدتا اطلاق ونحو من 75 صاروخ إغلا من طرز مختلفة و10 قواعد اطلاق لهذه الصواريخ.
وليس واضحا لماذا اشترت اسرائيل هذا العدد الكبير جدا من صواريخ الكتف المضادة للطائرات من صنع روسي. ومن المنطق أن نفرض أن ذلك لم يتم لغايات عملياتية بل من اجل تطوير منظومات مضادة مثل منظومات حماية للطائرات. في شهر شباط الاخير فقط اعلنت وزارة الدفاع وشركة إلبت أنهما أتمتا بنجاح سلسلة تجارب لمنظومة «ذرع السماء»، التي تحمي وسائل طيران مدنية من صواريخ الكتف. وقدر خبراء سلاح أنه قد تكون تلك الصواريخ من صنع روسي قد استعملت لتجريب المنظومة، ومع ذلك فان عدد الصواريخ التي أدت اوكرانيا تقارير عنها كبير نسبيا حتى لهذه الغايات. ورفضوا في وزارة الدفاع التطرق الى هذا الموضوع.
تبين تقارير سجل الامم المتحدة التي فحص عنها في السنوات الاخيرة عن بضع صفقات شراء اخرى تثير الاهتمام اكثرها لسلاح من صنع روسي لا يعتبر من التقنية المتقدمة، فقد ابلغت اوكرانيا في 2008 مثلا أنها باعت لاسرائيل قاعدة اطلاق قذائف صاروخية من طراز «بي.إم 21» – وهو سلاح استعمله الجيش الاسرائيلي آخر مرة في حرب لبنان الاولى بعد أن أُخذ غنيمة في حرب يوم الغفران. ويستعمل حزب الله اليوم هذا السلاح لاطلاق صواريخ غراد. وعلى حسب تقرير آخر باعت جمهورية التشيك اسرائيل في 2006 منظومة صواريخ تكتيكية تسمى «توشكا»، لم تستعمل في العمليات هي ايضا. وقبل ذلك بسنتين باعت بلغاريا اسرائيل 6 منظومات مدفعية عيار 130 ملم، لم تؤدَ عنها تفاصيل اخرى.
إن شراء هذه الاسلحة واكثرها بأعداد صغيرة – اذا استثنينا صفقة الصواريخ مع اوكرانيا في 2012 – لا يلائم من جهة المقدار المُبلغ عنه تزويد قوات الجيش الاسرائيلي بالوسائل القتالية، ولهذا فمن الأصوب أن نفرض أن الحديث عن شراء وسائل ترمي الى أن تستعمل لتطوير منظومات تقنية اسرائيلية أو في اطار شراء سلاح لاستعمال استخباري. وليست هذه الظاهرة غريبة في العالم، وقد فتحت على مر السنين سوق بيع اسلحة مستعملة – أي منظومات سلاح غير متقدمة للدول الغربية – لهذه الغايات بالضبط.
على خلفية الانباء في بريطانيا واسبانيا عن الحد من بيع اسرائيل سلاحا، عرف خبير بالسلاح تحدث الى صحيفة «هآرتس» استيراد السلاح الى اسرائيل من دول اجنبية ليست الولايات المتحدة بأنه «غير ذي بال». وقال إن اسرائيل تطور تقنيات واسلحة كثيرة وتعتبر واحدة من الدول المتقدمة في هذا المجال بحيث لا تحتاج الى شراء كثيف لاكثر الاسلحة من الخارج.
بل تفضل اسرائيل احيانا أن تنفق هي نفسها على تطوير منظومات تقنية في داخل اسلحة كي لا تفرض عليها قيود اذا ارادت أن تبيعها في المستقبل حتى لو كانت النفقة المالية اكبر من نفقة شراء المنظومات من دول اخرى. ويمكن أن تصبح القيود من هذا القبيل ذات موضوع على نحو خاص حينما يكون الحديث عن سلاح امريكي لأن واشنطن تريد الفحص عن كل نقل تقنية حساسة أو سلاح يُشترى منها الى دولة ثالثة.
أثارت تصريحات اسبانيا وبريطانيا في الاسابيع الاخيرة الخوف من أن تخضع اسرائيل في المستقبل لقيود سلاح من الدول الاوروبية، وبريطانيا كما جاء في صحيفة «الغارديان» ستفحص مجددا عن ترخيص بيع اسرائيل سلاحا وتقنية عسكرية تشمل في الاساس تقنيات تشفير ومعدات اتصال. بل قالت بريطانيا هذا الشهر أنها تصدر الى اسرائيل اجزاء طائرات بلا طيارين من طراز هيرمز ولدبابات المركباه.
وباعت اسبانيا، التي اعلنت هي ايضا تجميدا مؤقتا لبيع اسرائيل السلاح، باعت اسرائيل في السنة الماضية معدات عسكرية بلغت قيمتها 5 ملايين يورو. ونشر في صحيفة «هآرتس» في مطلع الشهر أن مدريد تصدر الى اسرائيل اجزاءا للصواريخ، وفتائل للقنابل اليدوية واجزاءا لقذائف الهاون ومعدات الكترو – بصرية ومنظومات رقابة نارية. بيد أن يفتاح شبير – رئيس مشروع التوازن العسكري في الشرق الاوسط في معهد بحوث الامن القومي – يقول إن الدول الاوروبية التي تبيع اسرائيل اسلحة حقا معدودة. إن اسرائيل تشتري في الحقيقة مركبات لمنظومات سلاح من دول في اوروبا لكنها تشترى اكثر من مرة من اتحادات شركات دولية لها مصانع في انحاء اوروبا.
ومع ذلك يذكر العميد أغمون، وكان في الماضي ملحقا للجيش الاسرائيلي ومندوب وزارة الدفاع في اليابان وكوريا الجنوبية، يذكر أن كل تعاون مع دول العالم مهم لاسرائيل من اجل تبادل المعلومات والتقنية ومن اجل الاستمرار على التصدير الامني الواسع النطاق. ويقول رئيس معهد فيشر إنه في احاديث مع ملحقين عسكريين من عدة دول في العالم مؤخرا عبر هؤلاء عن اهتمام كبير بنشاط اسرائيل العسكري وقت الحرب، سواء كان ذلك في منظومتي الاعتراض القبة الحديدية ومعطف الريح أم كان في صورة استعمال مطار بن غوريون تحت تهديد القذائف الصاروخية.
لكن الولايات المتحدة ما زالت هي الدولة وأبرز دولة في صفقات السلاح مع اسرائيل، وتخصص اموال المساعدة الممنوحة لاسرائيل لشراء منظومات سلاح ومعدات امنية كالصفقة التي تمت في الشهر الماضي لبيع صواريخ جو – جو للطائرات الحربية (إم.إي.آي – 9 سايد وندر) بقيمة تقدر بـ 544 مليون دولار وتشمل صفقة الشراء 600 صاروخ جو – جو من هذا الطراز مع نحو من 50 صاروخ تدريب وقطع غيار ودعم تقني. وهناك صفقة اخرى وردت تقارير عنها في 2013 وهي بيع 6 وحدات من المروحية – الطائرة في 22 تزيد قيمتها على 1.1 مليار دولار. وفي اطار التقرير عن الصفقة طلبت اسرائيل أن تشتري ايضا محركات ومنظومات رادار ومنظومات اخرى من صنع الولايات المتحدة.
وتشتري اسرائيل ايضا من الولايات المتحدة باموال المساعدة الامريكية وقود طائراتها ووقودا لمركبات عسكرية، ففي 2013 مثلا باعت الولايات المتحدة اسرائيل وقودا بـ 2.67 مليار دولار – 864 مليون غالون من وقود الطائرات والديزل. وقبل ذلك بسنة أدت الوكالة الامريكية للتعاون الامني تقريرا عن صفقة لشراء 6900 قنبلة ذكية من طراز «جدام» تستعملها الطائرات الحربية الاسرائيلية بقيمة 647 مليون دولار. وهناك مشترى امريكي آخر سيصل اسرائيل في نهاية 2016 وهو الطائرة الحربية المتقدمة إف35 (الشبح). فقد اشتريت 19 طائرة كهذه تقدر قيمة كل طائرة منها بـ 145 مليون دولار.
ووقعت اسرائيل الى ذلك على عدد من صفقات شراء كبيرة نسبيا مع دول اجنبية في السنوات الاخيرة. فعلى سبيل المثال تزود المانيا اسرائيل بغواصات من الاحواض الالمانية (اتش.دي. دبليو) الموجودة في كيل، وقد اشتريت 6 غواصات الى الآن ويستعمل سلاح البحرية اليوم 3 منها في عملياته. ونقلت غواصتان: تنين و راهف الى عهدة الجيش الاسرائيلي وهما في طور الاستيعاب. وقد تنضم الغواصة الرابعة، تنين، الى عمليات سلاح البحرية في خلال هذه السنة، أما الغواصة الخامسة، راهف، فستصل في 2015 فقط، وسيكون موعد استيعاب الغواصة السادسة في 2019 فقط.
هناك دولة اخرى تمد اسرائيل بالوسائل القتالية وهي ايطاليا التي باعت الجيش الاسرائيلي في السنة الماضية طائرات التدريب إم346، التي حصلت على الاسم العبري «لافي» (ولا صلة لها ألبتة بمشروع لافي الذي ألغي في ثمانينيات القرن الماضي). وستصل الى سلاح الجو الاسرائيلي في الحاصل العام 30 طائرة تدريب من هذا الطراز، وقد هبطت الاوائل منها في اسرائيل وتنفذ الآن طلعات جوية أولى. وفي اطار هذه الصفقة التي تقدر قيمتها بملياري دولار، باعت اسرائيل ايطاليا عددا من الوسائل الامنية منها قمر صناعي من صنع اسرائيلي وطائرة استخبارية من انتاج الصناعات الجوية.
في الشهر الماضي فقط اصدرت وزارة الدفاع مناقصة دولية لشراء 4 «سفن دفاعية» لحماية طوافات التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط بقيمة 100 مليون دولار لكل سفينة. وأثيرت في الماضي اسماء عدة احواض بناء سفن اجنبية – من المانيا وايطاليا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، باعتبارها منتجة ممكنة للسفن التي ستحمي مخزونات الغاز، وقد انطلقت المناقصة في طريقها حقا، لكن لا خوف في هذا الوقت من أن تشوش عليها احداث الاسابيع الاخيرة.

 

حرره: 
م.م