ضربة خفيفة لـ«داعش»

خليفة

طور التنظيم في العام 2015 قدراته فهل سيتمكن العالم من التغلب عليه في السنة الجديدة؟

جاكي خوجي

وزارة الدفاع الروسية تستعد لهذا المؤتمر الصحافي بجدية كبيرة. فقد ارسل إلى الجبهة نائب وزير الدفاع، أناتولي انطونوف، ومعه ملف معطيات عن انجازات المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في الجبهة السورية. وكانت الارقام مشوقة. فقد قال بوغدانوف ان الالف شاحنة التي نقل فيها داعش النفط للبيع الاسود دمرها سلاح الجو الروسي.32 منشأة تكرير وتخزين للنفط دمرت. تجارة النفط تدخل ملياري دولار في السنة لصندوق داعش، كما ادعى المسؤول الروسي.

الخطة الروسية لتدمير تجارة النفط لدى داعش قلصت بشكل كبير دخل التنظيم من هذا الفرع المدر للربح جدا. معظم هذه التجارة، كما تدعي موسكو، يديرها داعش مع تركيا، بعلم اردوغان وبتشجيعه. وفي المؤتمر الصحافي ذاته، الذي عقد في بداية كانون الاول، ادعى انطونوف بان هجمات الجيش الروسي نجحت جدا. من 3 مليون دولار في اليوم، على حد قوله، تقلصت أرباح التنظيم من السائل الاسود إلى نصف مليون.
الضربات التي وجهتها طائرات التحالف لداعش في الجبهة الاخرى، العراق، بقيادة الولايات المتحدة والمقاتلين الاكراد ـ اضافت وزنا إلى اليد الثقيلة التي تنزل هذه الايام على عنق تنظيم الدولة الإسلامية. عمليا، على حافة 2016، يوجد داعش، من ناحية عملياتية في احدى ساعاته القاسية. فحركة الكماشة الروسة ـ الأمريكية تستمد تشجيعا من انجازها ضده، ومشكوك أن تضعف قريبا.
صحيح أن داعش هو وحش طموح، ولكن العالم كله القى إلى المعركة بافضل اسلحته كي يدمره. إذا استمرت ضده الحملة العسكرية بمواظبة وبتصميم، عالية احتمالات اضعافه بشكل كبير.
الانتصار قريب؟ لحظة
في الاسابيع الاخيرة فقط تكبد مقاتلو داعش سلسلة من الهزائم. يوم الاثنين من هذا الاسبوع رفرف مرة اخرى العلم العراقي فوق مبنى الحكم في مدينة الرمادي السنة، عاصمة محافظة الانبار في وسط العراق.
واسترد الجيش العراقي إلى يديه المدينة بعد نصف سنة من سقوطها في ايدي داعش. وقد أنهى العراقيون المهامة بمساعدة جنود الجيش الأمريكي، الذين نصبوا لهم الجسور الهندسية على ضفاف الفرات.
قبل بضعة اسابيع من ذلك نجح الاكراد في أن يحرروا من قبضة داعش مدينة سينجار، حيث تسكن اغلبية يزيدية، وارتكب فيها مقاتلو داعش سلسلة من الجرائم ضد الانسانية بحق رجال ونساء الاهالي فيها.
على مدى السنة طرد مقاتلو داعش من مدينة تكريت، بعد عشرة اشهر من احتلالها من ايدي الجيش العراقي. والهدف التالي في العراق هو الموصل في الشمال. وكان داعش احتلها في حزيران 2014 وأعلن عنها عاصمة خلافته في العراق. وهكذا سجل التنظيم انجازا كبيرا أشعل تخوفا حتى وان كان مبالغا فيه في أن هدفهم التالي سيكون بغداد. سوريا هي الاخرى تشكل له مصدر قلق. في كانون الثاني تراجع مقاتلو داعش عن مدينة كوباني السورية امام القوات الكردية بعد أن كانت سقطت في ايديهم قبل اربعة اشهر من ذلك. وقريبا سيستأنف الصراع على معقلهم وعاصمتهم في سوريا، مدينة الرقة.
دليل على الوضع الصعب للتنظيم جاء مؤخرا على لسان زعيمه. ففي منتهى السبت نشر في مواع الانترنت المتماثلة مع داعش شريط خطاب قائد التنظيم، أبو بكر البغدادي. وكانت هذه هي المرة الاولى التي يحظى فيها المقاتلون بسماع صوته بعد سنة من الصمت. واستغرق الخطاب 24 دقيقة، وفي إسرائيل ركزوا على الدقيقة الوحيدة التي هدد فيها بالعمل ضد الصهاينة في فلسطين، وجعلها مقبرة لليهود. ولكن الاساس في اقواله لم يكن يكمن هنا، في فلسطين، بل هناك، في العراق وفي سوريا. وتبل البغدادي خطابه بجملة من الايات من القرآن، غير أنه بين السطور دانت بوضوح ضائقة كبرى. فتكاد تكون في كل حجة او صورة تبرز الحاجة العاجلة لتشجيع المقاتلين وتحفيزهم. وهدأ البغدادي روع رجاله وعزز ايمانهم بالنصر رغم هجمات الأمم عليهم.
وفي توجهه إلى المسلمين في كل ارجاء العالم وعد بانه رغم شدة المواجهة إلا ان نهايتها قريبة. فخلف الزاوية، كما زعم، ينتظر النصر.
نظام إسلامي نقي
البغدادي هو اللقب الذي اتخذه ابراهيم عوض البدري، من مواليد سامراء، احدى مدن «المثلث السُني» في وسط العراق. قبل نحو 13 سنة عمل البغدادي كداعية ديني شاب في مدينته، حين اسقط الأمريكيون صدام حسين وأنهوا حكم الاقلية السنية في بلاد النهرين. وارتبط العديد من ضباط صدام ومقاتليه برجال دين مثله واقاموا القاعدة. التنظيم الذي جاء للانتقام من الأمريكيين وحلفائهم الشيعة وافشاله جهودهم لاقامة دولة جديدة. وكان البغدادي من تلاميذ قائد القاعدة في العراق، الاردني ابو مصعب الزرقاوي.
ومنذئذ، في تلك السنوات الاولى من الكفاح، اتخذ التنظيم اساليب شيطانية في الاعدام، وعلى رأسها قطع رأس الضحية الرهينة امام الكاميرا. وكان للبغدادي من يتعلم منه. فبعد سقوط سيده في المعركة، انسحب البغدادي من القاعدة وانضم إلى جناح سني متطرف نشأ عنه لاحقا «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا الكبرى»، وباحرفه الاولى ـ داعش. ومع مرور الايام اعاد التنظيم صياغة سامه وهو يسمى اليوم «الدولة الإسلامي» فقط. ويرى البغدادي نفسه أمير المؤمنين، زعيم ابناء الامة الإسلامية.
المشكلة هي أن داعش لم يعد منذ زمن بعيد مجرد تنظيم مقاتل. فهو فكرة. اسألوا ضباط جهاز الأمن العام، الذين بعضهم يلاحقون هذه الايام تماما شبانا من مواطني دولة إسرائيل العرب، الذين يعتزمون السفر إلى تركيا في طريقهم للانضمام إلى صفوف التنظيم. اسألوا ايضا عبدالفتاح السيسي، الرئيس المصري، الذي اضطر إلى مواجهة ميليشيا وحشية اقسمت الولاء للبغدادي قبل سنتين، وتنغص حياة جنوده في سيناء. واسألوا مواطني باريس، الذين استيقظوا في تشرين الثاني على سبت كابوس، وعائلات مسافري الطائرة الروسية التي تحطمت فوق سيناء. بعضهم عملوا بأوامر من مسؤوليهم من داعش في سوريا أو العراق وبتمويلهم، ولكن للكثيرين منهم لا حاجة إلى التحفيز من هناك. فقد قتلوا وسيقتلون باسم الداعشية فقط.
مشكوك فيه ان تكون هذه الداعشية، قد صيغت بوضوح وبلغة جلية في أي مرة من المرات. ولكن مبادئها مفهومة لكل شاب مسلم ذي مزاج حار. حين ترى شخصا لا يطيع قوانين الشريعة الإسلامية ببساطتها، ففريضة عليك أن تقتله. هكذا يصنف الكفار، وهكذا يقوم بها نظام إسلامي نقي. على مذبح هذا المعتقد الاشوه قتل بمنهاجية شيعة، يزيديون، مسيحيون، وفوق الكل مسلمون.
لقد أخذ رجال البغدادي عن القاعدة اساليب القتل الوحشية، ولكنهم طوروا فيها عنصر فرض الرعب كوسيلة لتعميق الانجازات في ميدان المعركة. ففرض الخوف على العدو، قبل وصولهم إلى منطقة جديدة يريدون احتلالها، يفترض به أن يشله ويجعل المهامة سهلة.
كانت هذه السنة أيضا سنة ابداعية جدا في تاريخ داعش. في اثنائها صوروا افلاما عن اعدام بالحرق للطيار الاردني معاذ الكساسبة، الذي سقط مع طائرته في سماء الرقة. اغرقوا حتى الموت في قفص حديدي عملاء سوريين، فجروا آخرين في سيارة بعد أن ربطوهم جيدا بالكراسي وجندوا طفلا كي يطلق النار على أسير في رأسه وهو مقيد ينتظر موته. وهذا الاسبوع علم انهم قتلوا امرأة لانها تجرأة على كشف ثديها على الملأ لارضاع طفلها. في 2014 يتبين، انها كانت مجرد مقدمة لتلك التي ستأتي بعدها. 2015 كانت سنة الذابح محمد الاموازي (الجهادي جون) وقتلة اللوطيين من رجال داعش، والذين القوا بضحاياهم من على الاسطح.
رغم ذلك، حتى قبل أن يعمل حسب أمر الله، يعمل مقاتلو داعش كعبيد لدين المال. مشكوك أن يكون في زوايا اخرى في العالم تنظيم مجرم يعمل جنوده بمصادر دخل غير شرعية. ففضلا عن سلب النفط، يرتزق رجال داعش جيدا من سرقة الاثار، اعمال الاختطاف لاغراض الفدية، بالاغتصاب، الابتزاز، جباية ضريبة الرأس من السكان العاديين، من السطو على البنوك والتجارة بالعبيد. ومؤخرا نشر في الصحف البريطانية بانهم يتاجرون بالاعضاء.
هبوطهم الاخلاقي كبير، ولكن ليس هذا هو ما جلب عليهم اعداء الداء. فاسلحة الجو الاكبر في العالم جرت إلى سوريا والعراق بدوافع ساخرة. الخوف من مجيء الإرهاب إلى بلادهم وضعضعة فرع النفط العالمي في اعقاب سيطرة الإرهابيين على الحقول في العراق.
ستسألون، اين الرب في هذا التلوث؟ دوما سيوجد الحكيم الذي يعطي فتوى يسوغ فيها الفعلة الاكثر دناءة، وان كانت الغالبية الساحقة من المفتين سيستنكرونها. داعش، كسابقيه في التاريخ ممن استغلوا الدين لصالحهم، لا يطيعون الفقه الإسلامي. بل يستغلونه. ولهذا السبب فانهم في الاساس ظاهرة سياسية، واقل من هذا بكثير ـ حركة جهاد.

معاريف
 

حرره: 
م.م