معبر رفح.. بوابّة الفلسطينيين للألم والمعاناة!

معبر رفح

قاسم الآغا

زمن برس، فلسطين: أظهر فتح معبر رفح البريّ من قبل السلطات المصرية استثنائياً الخميس الماضي ولمدة يومين فقط واقعاً إنسانياً مريراً لمن هم بأمس الحاجة للسفر للخارج من أصحاب الإقامات والحالات الإنسانية الصعبة؛ بعد إغلاق دام قرابة الـ 103 أيام  متواصلة منذ بدء عام الجاري (2015).

وفي كل مرة تفتح فيها مصر معبر رفح تتجدّد معاناة وويلات الغزيين من المرضى والشيوخ والأطفال، بل وتتفاقم في ظل المناكفات السياسية بين سلطتي "فتح" برام الله،  و"حماس" بغزة، وسط مطالبات شعبية وفصائلية بضرورة تنحيته عن أي خلاف سياسي؛ وذلك تخفيفاً من معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة المُحاصر منذ أكثر من ثماني سنوات .

وفتحت السلطات المصرية صباح الخميس الماضي ، معبر رفح البري مع قطاع غزة، في كلا الاتجاهين لمدة يومين بشكل استثنائي، وذلك بعد إغلاق طويل استمر لأكثر من 3 شهور متواصلة؛ الأمر الذي أدى إلى تكّدس أعداد من هم بحاجة ضرورية للسفر، حيث وصلت  أعداد المسجلين للسفر لدى وزارة الداخلية إلى نحو 25 ألف مواطن.
جَنِّبوه الخلافات

المسنّة المريضة "أم مهند عزيز" (63 عاماً)، والتي افترشت الأرض منذ ساعات الفجر الأولى من اليوم الأول لفتح المعبر بالقرب من الصالة الخارجية، أوضحت أنها بأمس الحاجة للسفر للعلاج في الخارج نظراً لسوء وضعها الصحيّ بسبب إصابتها بمرض السرطان الخبيث، مُتمتمة بعبارات: "حسبنا الله ونعم الوكيل في كل واحد تسبّب بمعاناة الناس والمرضى".    

وتضيف لـ"الاستقلال" وبيدها حقيبة صغيرة مليئة بالعقاقير والأدوية "منذ 8 أشهر وأنا أنتظر فتح المعبر للسفر عبر مصر للخارج بعد منعي من قبل الاحتلال للسفر عبر معبر إيرز"، موضحةً بأنه يوماً بعد آخر يتفشى بها المرض وتزداد حالتها الصحيّة سوءاً نتيجة تفشي الورم السرطاني. 

وتساءلت: "لماذا نُحرم من التنقل دون ذل لتلقي العلاج ؟" ولماذا دائماً يُعامل الفلسطيني بكل قسوة من قِبل مصر ؟، مُطالبةً السلطات المصرية بفتح معبر رفح بأسرع وقت أمام من هم بحاجة ماسة للسفر كالطلبة والمرضى، وأن تجنب حركتا "فتح" و"حماس" المعبر عن خلافتهما السياسية، والعمل على التخفيف من معاناة الغزيين المحاصرين.

وفي ظل أجواء البرد القارص، وعلى بعد أمتار قليلة من المُسنّة عزيز، تجلس الطالبة "رانيا قاعود" (24 عاماً) على حقيبتها المُلقاة على الأرض، إذ تقول: "جئت منذ الصباح الباكر لعلّي أتمكن من السفر إلى مصر لإكمال دراستي الجامعية".

ولم تُخفِ طالبة طب الأسنان دموعها الناتجة عن خوفها من عدم تمكنها من السفر لإكمال دراستها الجامعية، مضيفةً "جئت إلى أهلي هنا في القطاع منتصف العام الجاري لقضاء إجازة نهاية العام الجامعي، ومنذ ذلك الوقت لم تفتح مصر المعبر سوى  مرات معدودة، وبالتالي عدم تمكني من السفر هذه المرة يهدّد مستقبلي الدراسي، حيث أوشك أن ينتهي الفصل الأول من العام الدراسي الجديد ".

وتابعت: "على مصر أن تفتح معبر رفح أمامنا دون أي عوائق، فنحن طلبة ومنّا المرضى وأصحاب الإقامات، لا علاقة لنا بالسياسة"، داعيةً حركة "حماس" التي تسيطر فعلياً على المعبر إلى تسليمه للحكومة من أجل قطع الطريق على مصر التي تتذرع بذات السبب لفتح المعبر، حسب قولها.
مطالبات بتسليمه

وشنّ نشطاء وصحفيون وسياسيون فلسطينيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة تغريد كبيرة عبر هاشتاج (#سلموا_المعبر)، يطالبون فيها حركة "حماس" المسؤولة على معبر رفح بتسليمه للسلطة والحكومة الفلسطينيتين، كونه شرطاً مصرياً لفتح المعبر بشكل منتظم، كما احتوت تغريدات هؤلاء على صور لمسنين ومرضى وطلبة ينتظرون على بوابات المعبر المُوصدة.

وكان الرئيس المصري عبد الفتَّاح السيسي جدّد تأكيده مؤخراً خلال لقائه بالرئيس محمود عباس، على هامش مشاركتهما في مؤتمر باريس الخاص بقضايا المناخ، أن عودة السلطة لقطاع غزة، وتوليها الإشراف على المعابر سيؤدي إلى نتائج إيجابية على انتظام فتح معبر رفح.

ورَّد عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" د. موسى أبو مرزوق على هاشتاج (#سلموا_المعبر) بالقول:"إن حماس عرضت عودة حرس الرئاسة للعمل على معبر رفح، ومن كان يعمل فيه سابقاً، إضافة إلى القائمين عليه الآن، وتحت إشراف السلطة، ولكن ذلك قوبل بالرفض.

وأضاف أبو مرزوق في تصريح له عبر صفحته على "فيس بوك" "أي معبر تريدون استلامه، معبر بيت حانون أم معبر الكرامة أم أي معبر تقصدون ؟، لقد نسيتم أن من يدير معبر رفح هم فلسطينيون، وليسوا قوة احتلال، وأن معركتكم مع المحتلين الذين يسلبون سيادتكم على أرضنا.

وتابع: "نحن نعلم أنكم جزء من الحصار، رغم أنكم لا سيادة لكم، وشعبنا يعلم من المسؤول عن إغلاق المعبر كل هذه السنين، قد تجيدون لغة الكلام والتبرير والتنصل من المسؤوليات". في إشارة منه إلى السلطة الفلسطينية.
الكُل مسؤول

من جهته، عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ذوالفقّار سويرجو،  حملَّ كافة الأطراف الفلسطينية مسؤولية ما يجري على الساحة الفلسطينية من أزمات، وليس على صعيد أزمة معبر رفح فحسب، لافتاً في ذات الوقت إلى أن أزمة المعبر ناجمة بالأساس عن قضية الخلاف والانقسام الداخلي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني منذ سنوات طويلة.

وقال سويرجو لـ"الاستقلال": "ما زالت حالة الاستقطاب والخلاف الداخلي تنعكس سلباً على كافة القضايا بما فيها أزمة معبر رفح"، داعياً الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية للانعقاد من أجل وضع خطة شاملة لحل كلّ الأزمات التي تعصف بالفلسطينيين وقضيتهم بما فيها أزمة معبر رفح والموظفون وما إلى ذلك".

وأضاف أن "الوضع في قطاع غزة لم يعد يحتمل، والمخرج الوحيد الآن هو تطبيق ما تم الاتفاق عليه في "اتفاق الشاطئ" الذي ينص على تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها بشكل  كامل عبر تسليمها كافّة المعابر والوزارات وحل قضايا الموظفين جميعاً حلاً عادلاً، وتلبية مطالب الشعب الحياتية"، مطالباً حركة "حماس" بالالتزام بما نَصَّ عليه اتفاق الشاطئ.

وأشار إلى أن "الرئيس محمود عباس يتحمل جزء من مسؤولية أزمة المعبر؛ لأنه لم يدعُ الإطار القيادي المؤقت للمنظمة للانعقاد لوضع خطة شاملة لكافَّة القضايا، وبدء تطبيق اتفاق المصالحة بشكل عملي على الأرض حتى نخرج من هذه المرحلة الصعبة"، لا سيما في ظل مرحلة "انتفاضة القدس" الجارية "التي استطاعت أن تحقق شيئاً نوعيا على الأرض، وأن تعيد البوصلة الفلسطينية إلى وضعها الصحيح"

وتابع عضو اللجنة المركزية للجبهة: "للأسف هناك حالة من "عدم الثقة" بين طرفي الانقسام وصلت لأعلى مستوياتها، وحالة عدم الشعور بالمسؤولية الكاملة تجاه المأساة التي يعيشها الشعب"، مشيراً إلى استمرار الوضع على ما هو عليه الآن قد ينتج عنه حالة من الانفجار ليس فقط في وجه الاحتلال، بل في كافة الاتجاهات؛ نتيجة عدم الانصياع لإرادة الشعب.

وبحسب وزارة الداخلية فإنه تمكّن من مغادرة قطاع غزة (1526) مسافراً خلال يومين من فتحه استثنائياً، مناشدةً السلطات المصرية بتمديد فتح المعبر، وتقدير حجم المعاناة الإنسانية التي يعيشها شعبنا.

في حين أوضحت هيئة المعابر والحدود أن السلطات المصرية أرجعت (87) مسافراً دون إبداء الأسباب، إضافة إلى وصول (18) شاحنة مُحمَّلة بالمساعدات والحقائب المدرسية والطرود الغذائية والأغطية.

حرره: 
س.ع