داعش أصبح هنا

تنظيم داعش

رغم الرعب في الغرب إلا أنه  لن تكون هناك عملية برية أمريكية ضد التنظيم
 

عاموس هرئيل

بعد الهجمة الإرهابية في باريس باسبوع بدأت المعركة أخيرا ضد تنظيم الدولة الاسلامية التي تبدومثل حملة عالمية، إلا أن المسألة ما زالت صعبة وفي بدايتها، مع الكثير من المشاركين وقلة التنسيق والتفكير. مع ذلك، المعركة ليست مجرد تصريحات لزعماء الدول. ففي شمال شرق سوريا قصفت الطائرات الروسية والفرنسية مدينة الرقة التي تم الاعلان عنها كعاصمة للخلافة الاسلامية. في الوقت الذي كانت فيه عمليات القصف الأمريكية انتقائية وحذرة من اجل تقليص الضرر في اوساط المدنيين، فان موسكووباريس لا تراعيان هذا الامر. وحسب تقارير غير رسمية فان القصف الاخير اضطر قيادات داعش إلى الهرب من الرقة.

اوروبا أصيبت بالرعب: في ضواحي باريس حدث تبادل لاطلاق النار مع خلية انتحارية ارهابية، في المانيا تم الغاء مباراة لكرة القدم خشية من وضع عبوة ناسفة، في أرجاء القارة كانت تحذيرات كاذبة حول عمليات ارهابية. الشرطة الفرنسية أصبحت مبادرة وهجومية أكثر في الضواحي التي يتركز فيها المتطرفون الاسلاميون وما زالت المطاردة مستمرة بمشاركة بلجيكا في محاولة لاعتقال جميع المتورطين في العملية.
الخوف والمطالبة باتخاذ جميع الاجراءات المطلوبة يُذكران بالولايات المتحدة بعد هجمات 11 ايلول، رغم أن عدد الضحايا يختلف تماما (132 شخص مقابل 3 آلاف)، وحتى الآن يبدوأن الامور تسير باتجاه العمل بشدة حتى لوكان الثمن تجاوز وتجاهل بعض المباديء الديمقراطية الفرنسية. لكن على المدى البعيد سيكون الامتحان هوالعمل بطول نفس من قبل السلطات الفرنسية القضائية والاستخبارية، وليس بالاقوال فقط.
إسرائيل تتصرف بحكمة ولا تحاول أن تكون في الواجهة، بل هي تكتفي بتقديم المعلومات الاستخبارية والاستشارة حول موضوع الحماية. لكن هناك تأثيرات للمعركة الدائرة والتي بدأت تتسع الآن: لقد عادت وأبعدت الصراع مع الفلسطينيين عن سلم الاهتمام اليومي، حيث أن المجتمع الدولي لا يهتم بهذا الامر الآن. وهي تعزز مكانة إيران في معسكر «الأخيار» لأن داعش عدوالايرانيين، ولأن التركيز على داعش يقلل من الضغط لاسقاط نظام الاسد الذي هوحليف لايران. يمكن أن أهداف داعش الحالية قد تعني استهدافه لاهداف إسرائيلية في المستقبل على الحدود في سيناء وجنوب الجولان حيث يعمل ويسيطر داعش في هذه المناطق.
رغم الزعزعة التي أحدثتها عمليات باريس إلا أنه من المشكوك فيه حدوث عملية برية أمريكية ضد داعش في سوريا والعراق. ادارة اوباما تستمر في البحث عن حروب رخيصة تسمح بالحاق الضرر بداعش من بعيد، من الجو، دون ضحايا من الجنود الأمريكيين. خلافا لادعاء المخربين الذين أطلقوا النار في القاعات في باريس، فان باريس تدفع ثمن التدخل المتردد للغرب في سوريا. إبقاء الساحة للاسد وشركائه من جهة، وأصوليي داعش وجبهة النصرة من جهة اخرى، يأخذ سوريا إلى جهنم، حيث انفجر الامر في نهاية المطاف في اوروبا. لوكانت هناك طريق ثالثة، فرصة لمساعدة القوى السنية المعتدلة أكثر في الحرب ضد الاسد، يبدوأنه تم تفويتها. حينما جاء كبار قادة الجيش السوري الحر الذين هم براغماتيين نسبيا إلى واشنطن من اجل طلب المساعدة في حربهم ضد نظام الاسد، رفضت الادارة الأمريكية الالتزام بذلك.
الخطوة الاساسية التي تثمر الآن هي المساعدة الجوية التي تقدمها الولايات المتحدة للقوات والمليشيات الكردية في حربها ضد داعش في الشمال. لكن هذه الجهود هي جهود موضعية تعتمد على مليشيا عرقية واحدة، الامر الذي لن يغير الصورة بالكامل في سوريا. الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند يتعرض لانتقادات شديدة بسبب الفشل الاستخباري الذي ساهم في نجاح المخربين في باريس، لكن اوباما ايضا اختار الوقت الغير صحيح، عشية الهجوم في باريس، للاعلان أن الصراع الدولي ضد داعش نجح في احتواء هذا التنظيم.
صعوبة التحالف المتردد ضد داعش تتعلق بكون هذا التنظيم هوفي نفس الوقت، كيان يسيطر على مناطق ويملك قدرات اقتصادية وفكره يدخل الفوضى إلى قلوب الكثيرين في اوروبا، مثل مشاهد الحرب الفظيعة في العالم العربي، يخدمانه في تجنيد متطوعين جدد من بين المواطنين والمهاجرين المسلمين في اوروبا.
حينما تم انتخاب اريئيل شارون لرئاسة الحكومة في 2001، طلب رؤية الآلية التي فرضتها الحكومة الإسرائيلية على الجيش الإسرائيلي في مواجهته للانتفاضة الثانية التي اندلعت قبل ذلك بنصف عام. رئيس الاركان الحالي غادي آيزنكوت الذي كان في حينه السكرتير العسكري لشارون وسلفه اهود باراك، قال إن الوثيقة اشتملت على سبعة بنود. شارون مر عليها باهتمام وصحح بقلمه كلمة واحدة فقط. فبدل كلمة «تقليص العنف» كتب «وقفه». ايضا المجتمع الدولي يحتاج الآن إلى عدم استيعاب تهديد داعش، رغم أن التحدي أصعب كثيرا من التحدي الذي واجهته إسرائيل قبل أكثر من عقد.
هل يمكن العودة إلى العصور الوسطى حيث يعلن داعش أن هذه هي الفترة التي يريد العودة اليها؟ أحد المحللين البريطانيين قال في هذا الاسبوع إن التوصيات حول كيفية محاربة داعش تبدومثل النقاش حول كيفية محاربة الضباب.
تحت الأنف
الخطر الذي يكمن في داعش على إسرائيل يتعلق بما يحدث عند العرب في إسرائيل. «الشباك» تحدث حتى الآن عن 40 عربي إسرائيلي خرجوا إلى سوريا من اجل المحاربة إلى جانب التنظيمات المتمردة. بعضهم تم اعتقالهم عند عودتهم، وبعضهم يستعد للسفر، وما زال هذا الرقم صغيرا مقارنة مع اوروبا خصوصا اذا أخذنا في الحسبان أن الحرب تدور قرب حدودنا.
أعلن «الشباك» أول أمس عن حل اللغز الذي بدأ في تاريخ 24 تشرين الاول، بعد أن استطاع نضال صلاح، من جلجولية، اجتياز الحدود في الجولان بواسطة منطاد لينضم إلى تنظيم شهداء اليرموك التابع لداعش. الكشف عن هويته أدى إلى اعتقال ستة اشخاص من تلك البلدة للاشتباه بأنهم خططوا للانضمام إلى داعش. وقد تبين في التحقيق ان رئيس الخلية، جهاد حجلة، قد حارب في سوريا مع داعش قبل عامين، وبعدها عاد إلى إسرائيل واعتقل لفترة قصيرة، وتم تشكيل خلية من ستة نشطاء أرادوا اللحاق به إلى سوريا. حجلة أراد ايضا استخدام المظلة للهبوط من اجل تجاوز مطار بن غوريون، ومنع اعتقاله عند خروجه من البلاد. أما باقي اعضاء الخلية فقد أرادوا السفر في الطائرة من إسرائيل إلى تركيا ومن هناك الدخول مشيا على الاقدام إلى شمال سوريا.
هذه قضية مقلقة، ليس فقط لأن حجلة خرج في المرة الاولى بعقوبة بسيطة، بل لأن الامر الاول الذي فعله عند خروجه من السجن كان اقامة خلية ارهابية جديدة. هكذا عمل تحت أنف الشباك شخص كان يفترض أن يكون ضمن قائمة المراقبة. ولولا أنه اتضح أن صلاح عبر الحدود، لاستطاع باقي اعضاء الخلية في العبور إلى سوريا. المشكلة الاساسية ليست أن السبعة ارادوا الذهاب إلى سوريا، بل المسار ذي الاتجاهين بين سوريا وإسرائيل. عندما تتغير الاولويات عند داعش – هل نفعل ما يكفي من اجل منع خلية كهذه من العودة إلى إسرائيل وتنفيذ العمليات كما حدث في باريس قبل اسبوع؟ إسرائيل التي تقدم النصائح للفرنسيين في مواجهة الإرهاب الاسلامي المتطرف ليست محصنة أمام هذا الارهاب.
مشاكل نصر الله
لم تكن باريس المكان الوحيد الذي ضرب فيه داعش مؤخرا. فقد سبق ذلك تفجير طائرة الركاب الروسية في سماء سيناء والعملية الانتحارية المزدوجة في 12 تشرين الثاني في جنوب بيروت حيث قتل أكثر من 40 شخصا. قوات الأمن اللبنانية اعتقلت تسعة مشبوهين يحملون الجنسيات السورية واللبنانية وبعض المتورطين من أصل فلسطيني. في لبنان يعتقدون أن المخربين ارادوا تفجير مستشفيات يديرها حزب الله في الضاحية الجنوبية، حيث يوجد ايضا مصابون سوريون. يبدوأنهم لم يستطيعوا تجاوز الحماية الأمنية، لذلك نفذوا العملية في الشارع.
لكن الهجوم يثبت أن بيروت وأحياء حزب الله غير محصنة من آفات الحرب في سوريا. ففي الشهر الماضي قتل في إدلب في شمال سوريا قائد رفيع المستوى في التنظيم حيث كان قبل ذلك في مستوى قائد كتيبة في حزب الله في جنوب لبنان.
تحدث في القرى الشيعية في جنوب لبنان جنازات اسبوعية لشهداء الحرب في سوريا، وكان بعض القتلى في الآونة الاخيرة شباب اعمارهم 17 سنة، وهذا برهان على اضطرار حزب الله لزيادة عدد مجنديه بسبب خسائره. حزب الله لا يستطيع اخفاء الثمن الذي يدفعه في الحرب، لكنه لا ينشر قوائم القتلى. وحسب تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية فان عدد القتلى يتراوح بين 1200 – 1500 من بين نشطاء حزب الله في سوريا.
نصر الله قال في الصيف الماضي إنه لم يكن له خيار سوى المشاركة في الحرب السورية. لأن هذه ليست حربا على حدود سوريا بل هي حرب من اجل مستقبل الشرق الاوسط. لكن النتائج متداخلة بالنسبة لحزب الله: اضافة إلى التجربة التي راكمها فان قواته تتراجع تحت الضغط. حيث تستنزف الحرب معظم مصادر التنظيم على حساب محاربة إسرائيل.
إسرائيل تستغل هذا الوقت لتعزيز قدرتها الدفاعية في الشمال، حيث تمت هناك اعمال هندسية واسعة على الحدود وتُقام في هذه الاثناء سدود عائقة أمام عبور حزب الله في المناطق التي تقع على الخط الازرق في الحدود الدولية بين إسرائيل ولبنان مما سيسمح بالسيطرة والرقابة أكثر على المناطق والثغرات في الحدود.
في 2002 أرسل حزب الله مخربون فلسطينيون لتنفيذ عملية في الشارع بقرب كيبوتس متسوبا في الجليل الغربي. المخربان عبرا الجدار بواسطة سلم في منطقة لا تخضع للرقابة الإسرائيلية وقاما بقتل خمسة مواطنين وجندي إسرائيلي. وبعد اربع سنوات بالقرب من زرعيت خطف حزب الله جثتي جنديين وقتل ثمانية جنود، وبدأت حرب لبنان الثانية. لوحظ هذا الاسبوع أن الجيش لم يعد إلى الجمود الذي ميزه منذ الانسحاب من لبنان في 2000 وحتى الحرب في 2006. وحتى لوكان حزب الله منشغل، فهذا لا يعني اعفاء الجيش الإسرائيلي من الاستعداد لسيناريوهات بديلة.

هآرتس 
 

حرره: 
م.م