العودة إلى طريق رابين

آري شبيط

بعد أسابيع قليلة سنعود إلى الميدان في ذكرى مرور 20 سنة على الليلة التي قسمت سيرة إسرائيل إلى اثنتين، وسيكون المتحدثون رفيعي المستوى أكثر من أي وقت مضى، وستكون الخطابات مُلهبة أكثر من أي وقت مضى، وسيكون الجمهور أمام مبنى البلدية في تل ابيب متألم ومنفعل.
في كل عام يا اسحق، الفراغ اكثر عمقا. وفي كل عام اليأس أكثر سوادا، والزمن الذي يمر لا يقضي على الشعور بالفقدان بل يزيده.
السلام تبخر وانطفأ الأمل، والنور الذي ملأ إسرائيل في بداية التسعينيات اختفى ولم يعد موجودا. ومن الواضح جدا أن الزعيم الإسرائيلي الذي أطلق عليه يغئال عمير الرصاص من الظهر لم يُستبدل بزعيم إسرائيلي آخر يشبهه. وبين وقفة ذكرى واخرى يتبين أن القتل لم يكن فقط مجرد قتل، بل كارثة قومية تاريخية لم ننهض منها.
لكن اسحق رابين لم يُقتل فقط بل اختُطف ايضا، حيث تم تشويه صورته، وهناك من حول قائد كتيبة هرئيل ورئيس الاركان في حرب الايام الستة ورئيس الحكومة الامني إلى شيء لم يكن عليه: يساري، مسيح السلام. لكن الحقيقة هي أن سحر رابين ومصدر قوته نبعا من أنه لم يكن أبدا مسيحاني، بل كان واقعيا ومتشككا ومتشائما.
لقد عرف رابين في أعماقه أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غير قابل للحل. ولم يفقد شكه العميق بجيراننا لحظة. ولم ينس لحظة المكان الصعب الذي نعيش فيه. وبالتحديد في داخل هذا العالم العنيف، آمن أن من واجب إسرائيل العمل على تقسيم البلاد وتهدئة الصراع وتحويل حرب المئة سنة إلى سلسلة متواصلة من الاتفاقات المرحلية لانقاذنا من سرطان الاحتلال.
تقول الاسطورة إنه لو لم يُقتل رابين لكان هناك سلام. هذا كلام فارغ. فالحركة الفلسطينية لم تتنازل عن حق العودة للاجئين وأبناءهم الذين طردهم رابين من بيوتهم في 1948.
وهي لم تتنازل عن القدس، التي صمم رابين على بقائها موحدة. لهذا لم تكن فرصة لأن يوقع رابين وعرفات على اتفاق دائم وشامل في 1997 أو 1999.
لا توجد فرصة، لكن لو بقي رابين رئيسا للحكومة عند فشل اتفاق اوسلو، لكان يمكن الافتراض أنه كان سيوقع اتفاق مرحلي بعيد المدى في الضفة والقطاع.
ويمكن أنه كان سيتصرف حسب نصيحة معلمه هنري كيسنجر: خطوة تلو خطوة نحو قمة السلام انطلاقا من ادراك حقيقة أنه لا يمكن الوصول إلى قمة السلام. رابين ما كان ليحاول الوصول إلى انهاء الصراع بل العمل في اطار قيود الصراع من اجل جعل إسرائيل قوية واخلاقية ولها حدود.
في الذكرى السنوية العشرين لرابين، ما زال رابين أكثر الحاحا من أي وقت آخر، في مواجهة الاصولية الإسلامية والفوضى العربية والتطرف الفلسطيني ـ فقط زعيم مثله يمكنه تبديد المخاوف الإسرائيلية واعادة المكانة للحكم. وفي مواجهة التطرف اليهودي، فقط زعيم واقعي ومجرب يمكنه اعادة الاستقرار للبنية الإسرائيلية.
اذا كانت توجد فرصة للوسط ـ يسار فانها توجد فقط في العودة إلى طريق رابين. واذا كان لإسرائيل أمل فهو موجود فقط في تبني إرث رابين مجددا. لكن من اجل تحقيق ذلك واعادة الأمل فيجب على معسكر رابين أن يبتعد عن رابين الخيالي ويعود إلى رابين الحقيقي المستقيم. في ميدان 2015 محظور النظر إلى الخلف بحزن وبكاء، ويجب اعادة الروح التي ستنتصر في الحرب الكبرى على مستقبل إسرائيل.

هآرتس

حرره: 
م . ع
كلمات دلالية: