ليس بسبب عباس بل بسبب إضعافه

عباس

تراجعت مكانة عباس في أوساط الرأي العام الفلسطيني بشكل غير مسبوق

عميره هاس

الصمت «الصاخب» لمحمود عباس بعد مقتل الزوجين هنكن لا يعني تأييد العمليات. بل هو يعني أن الرئيس الفلسطيني يعرف أن عليه مراعاة الرأي العام لديه. والرأي العام غير مستعد لاعتبار أن المستوطنين هم مواطنون أبرياء. الفلسطينيون يعتبرون أنفسهم ضحايا على المستوى الشخصي والعام للمستوطنين ـ كأشخاص وجماعات. بالنسبة للفلسطينيين، العمليات ضد الإسرائيليين، بالتحديد في الضفة الغربية (بما في ذلك شرقي القدس) هي رد فقط على العنف الإسرائيلي، رد لن يكون أبدا بقدر الضرر الذي يلحق بهم.

هذا لا يعني أن جميع الفلسطينيين يؤيدون القتل تلقائيا. وسائل الإعلام الفلسطينية تحدثت عن ماضي ايتام هنكن العسكري وأكدت معلومات غير صحيحة ـ منصبه الرفيع في الاستخبارات العسكرية. أي أنهم ألمحوا إلى أنه لا يجب التعامل معه كمواطن. التقارير في وسائل الإعلام الفلسطينية اقتبست فرضيات إسرائيلية بأن منفذي العملية امتنعوا عن قصد عن الحاق الضرر بالاطفال. بعد مقتل عائلة فوغل في ايتمار ازدادت الاصوات التي تعارض الحاق الضرر بأطفال المستوطنين.
حكومة إسرائيل تحاكم عباس حسب تصريحاته العلنية وصمته، لكن جمهوره يحاكم اعماله، أو بشكل أدق، عدم عمل شيء أمام السلطات الإسرائيلية. ويرى الجمهور الفلسطيني زعيم غير قادر على حمايته وحماية مصالحه: حمايته من الاقتحامات الإسرائيلية العسكرية اليومية للاحياء والمنازل، وحمايته من اطلاق النار من الجنود. وهو غير قادر على صيانة حقهم في الصلاة في الاقصى. لا يحميهم من التدهور الاقتصادي ومن هجوم المستوطنين واستمرار سيطرة الادارة المدنية على اراضيهم.
عباس يتحفظ بشكل حقيقي من استخدام السلاح والحاق الضرر بالمواطنين: ليس فقط المواطنين الفلسطينيين بل الإسرائيليين ايضا بما في ذلك المستوطنين. ولولا ذلك لما حافظ خلال سنوات على التنسيق الامني مع إسرائيل وتمسك بطريقه الدبلوماسية التي أثبتت أنها لا تستطيع وقف سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية وشرقي القدس. سيطرته على مصادر الاموال في المنظمة، فتح والسلطة الفلسطينية، ونشوء شريحة اقتصادية مستفيدة مكّنته هو ورؤساء اجهزته الأمنية من التمسك بالتنسيق الامني. صمته «الصارخ»، كما قال بنيامين نتنياهو، عن مقتل الزوجين هنكن، والقاء القنبلة الغير موجودة في الأمم المتحدة، لم يرافقهما وقف التنسيق الامني ـ كما قالت مصادر امنية لنائلة خليل، مراسلة «العربي الجديد». مصادر في حماس تتحدث ايضا عن اعتقال لنشطائها ـ رغم أنه يبدو أن الاعتقالات لم تتم على خلفية العملية. خاف عباس ويخاف من العسكرة ومن ازدياد قوة حماس في حال حدث تصعيد عسكري، ومن الكوارث التي قد تسببها للفلسطينيين. لكن لأن حكومة إسرائيل اجابت وتُجيب، ليس فقط بما يعتبره الفلسطينيون تعميق القمع والاذلال، بل إن الرئيس الفلسطيني الضعيف لا يقنع جمهوره بالمنطق الذي يقف من وراء مخاوفه. وما يراه جمهوره هو فشل وهزيمة لطريقته في أحسن الحالات، أو تعاون رسمي مع إسرائيل في اسوأ الحالات. إن عباس نفسه، المنفصل عن جمهوره أكثر من أي زعيم آخر، لا يمكنه تجاهل الاستخفاف به وتراجع مكانته بطريقة غير مسبوقة.
وكما هو متوقع، سارع بينيت إلى القاء اللوم على عباس والسلطة الفلسطينية ايضا فيما يتعلق بعملية القتل في البلدة القديمة أمس. حسب رأي الجمهور الفلسطيني فان تحميل المسؤولية هذا يؤكد على دور عباس. فهو لا يصل إلى القدس والى الاقصى، وهو لا يستطيع الخروج إلى شوارع المناطق ج بدون إذن وتنسيق مع إسرائيل. ومع ذلك إسرائيل تلقي عليه مسؤولية ما يحدث في مناطق سيطرتها الامنية. الطريقة التي تضع فيها إسرائيل عباس محط سخرية في نظر الفلسطينيين، تُضعف ادعاءاته حول استخدام السلاح أكثر فأكثر.
في استطلاع للرأي العام تم في ذروة التصعيد في القدس بين 17 ـ 19 ايلول، أجاب 42 بالمئة من المستطلعين أن الأداة الاكثر نجاعة للتوصل إلى حل الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل هي العمل العسكري (مقابل 36 بالمئة اعتقدوا ذلك قبل ثلاثة اشهر). وفي المقابل كشف الاستطلاع تراجع آخر في مكانة عباس والمنظمة وازدياد التشاؤم حول الحل السياسي، وازدياد الشعور بالاهمال من الدول العربية. خليل الشقاقي، مدير المركز الفلسطيني لبحث السياسات، قال قبل عشرة ايام: «في بداية 2000 أظهرت الاستطلاعات أنه لا يوجد تأييد كبير للعنف. وفي حزيران 2000 كان تأييد. نحن نرى الآن ازدياد التأييد للعنف. يمكن القول إننا على أبواب تطورات جديدة. التأييد يعكس وضعا واضحا من الاحباط والتشاؤم. واذا كانت هناك شرارة فان الوضع قابل للانفجار الكبير».

هآرتس

عميره هاس

حرره: 
م.م