حمامات المدارس في غزة..هل باتت مصدراً للأمراض؟

حمامات المدارس

خاص زمن برس – عزالدين أبو عيشة

غادرت أريج السوسي المدرسة وبدأ جلدها بالتقشر حتى أضحى لونه أحمر غامق، ما دفع والدها إلى اصطحابها للمستشفى للكشف عنها وأخذ الاستشارة الطبية، وهناك تفاجأ الأب بأنّ ابنته مصابه بمرض الطفح الجلدي، ما أثار غضبه.

وباتت أريج بنت الصف الأول الإعدادي في المستشفى ليلة كاملة وتغيّبت عن مدرستها بسبب ذلك المرض، وقال والدها إن سبب المرض هو تلوث حمامات المدرسة وعدم رعاية الإدارة لتلك المرافق الصحية.

زار مراسل زمن برس أريج والدكتور المشرف عليها في المستشفى وأجرى معهما مقابلة للبحث في هذا الملف وخفاياه.

وفي مقابلتنا مع الطبيب المختص والخبير في مجال الصّحة والبيئة فؤاد الجماصي أشار إلى أنّ هذا المرض يكون نتيجة تلوث الحمامات وأساسه من القاذورات في المراحيض وعدم الاشراف عليها وتنظيفها.

ما قاله الطبيب دفعنا إلى زيارة منزل أريج للتأكد من نظافة وسلامة المرافق الصحية، وكانت النّتائج إيجابية وسليمة، فكل يوم تنظف مرتين أو أكثر حسب ما أكدته والدتها.

وحاولنا التّواصل مع وزارة التربية والتعليم، لكن نائب مدير العلاقات الدولية والإعلام معتصم الميناوي رفض إعطاءنا ورقة تسهيل مهام لعقد مقابلةٍ مع رئيس عام الصّحة المدرسيّة تيسير الشّرفا بذريعة عدم رغبة الوزارة الحديث في هذا الموضوع واصفًا إياه بِغَيْرِ المهمّ مقارنة بالموضوعات أخرى منها (ازدحام الطلاب في الصفوف، وعدم تقاضي المعلّمون الرواتب، البيئة التعلّيمية)، وأنّ الوزارة لا ترى في هذا العمل أيّة فائدة، على حد قوله، وهو ما دفعنا إلى الاتصال بمديريات التعليم للتعليق على الموضوع.

المراحيض غير نظيفة.

وتحدثت أريج ساخطةً: " حمامات المدارس بعيدة عن الفصول ومقرفة ولا ينظفوها إلا مرةً واحدةً في الشهر، حسب مزاج الآذِنْ وهذا يجعلني أكره الذّهاب إليها، ناهيك عن الرّائحة التي ولا في الخيال، كما يمسحون الحائط والباب ويتركون المرحاض، ولا يوجد رشاش أو ورق فاين، ولو مسكت المسؤول سأعطيه محاضرة في النظافة بسبب إهماله"؛ على حد وصفها".

وعن الاتهام الموجّه إليهم حول التقصير في النظافة، أوضح آذِنْ المدرسة ناهض السويركي أنّهم ينظفونها ثلاث مرات يوميًا أولها عند بدء الدوام، وبعد الفسحة، وقبل مغادرة الطلاب المدرسة، على الرّغم من عدم وجود كميات كافية من المنظفات؛ على حد قوله.

وجزمت مديرة المدرسة سوسن كريم على أنّهُ لا يوجد تساهل مع أحد في هَذه القضيّة؛ حيث تخضع لجنة الصّحّة المدرسيّة لمراقبة المديريّة، وتتمّ كتابة تقارير إدارية عند كل زيارة لهم، مضيفًة" أنّ التّقصير من الآذن وذلك لقرفه من التّنظيف؛ إذْ أنّ سوء الأوضاع المعيشية في قطاع غزة هو ما أَجْبَرَهُ على قبول هَذهِ المهنة".

وبين مدير الصحة المدرسية في مديرية تعليم رفح أيمن أبو هلال أنّه يتم اتخاذ قراراتٍ صعبة في حق الآذن إذا ثبت تقصيره في عمله منها الفصل الكامل أو النّقل، موضحًا أنّ المديرية تزور كل مدرسة مرتين في الفصل الدراسي، بالإضافة إلى وجود مرشد مدرسي يتابع هذا الملف.

وحول دور وزارة الصحة، ركّز أبو هلال على وجود فريقٍ مختص ينسق مع التربية والتعليم للإشراف على الحمامات والبيئة المدرسية بكاملها والتأكد من سلامة المرافق الصّحية وله الأحقية في اتخاذ القرار المناسب في حال وجود مخالفات ويمكن أن يشمل ذلك الفصل الكامل.

وأردفت مديرة المدرسة سوسن أنّه اتُّخذ بحق الآذن أكثر من مرة لفت نظر بسبب تقصيره في أعماله، ولأنّه لم يبلِّغ عن سيلانٍ في أحد المغاسل وكسرٍ في إحدى" الشّطافات".

ويشار إلى أنّ وزارة التربية والتعليم تشرف على سبع مديريات موزعة حسب المناطق الجغرافية في قطاع غزة وهي (شمال غزة، وشرق غزة، وغرب غزة، والمديرية الوسطى، ومديرية خانيونس، وشرق خانيونس، ومديرية رفح التعليمية).

طالبة وليس آذنة

"وتابعت أريج وعلامات الاشمئزاز ترتسم على ملامحها: "يفرضون علينا كنس السّاحة والصّفوف وغرفة المدرسين، وهذا مخالف لقوانين التعليم فأنا أدرس ولا أعمل آذِنة".

وحول إمكانية إجبار الطلاب على تنظيف الحمامات، نفت المتحدثة باسم الهيئة التعليمية اكتمال خضر حدوث ذلك وأنّه لا يمكن تقبُّل هذا على الإطلاق وإنّما يقتصر ذلك على عاملة التنظيف.

وقال الآذن ناهض إنه يرفض السماح للطلبات بتنظيف الحمامات، وأنّ ذلك منافٍ لقِيَم المدرسة وانّه لم يسجل حالة واحدة عن تنظيف تلميذة لأي حمام.

ومِن الجدير ذِكْرُهُ أنّ التّعليم في قطاع غزّة يعاني مِن قصورٍ في البنية التّحتيّة؛ يتمثّل فِي عجْز الحكومة عن تغطية احتياجات المدارس مِن الخدمات اللّازمة.

مهام الآذن

وادعت أريج أنّ آذن المدرسة يظل جالسًا طوال اليوم دون القيام بمهامه الموكلة إليه، وغالبًا ما يكون في غرفة المعلمين يشرب الشاي، وهذا ما يفاقم من تلوث البيئة المدرسية، في ظل غياب الرقابة عليه

وأوضحت مديرة المدرسة سوسن" أنّ وظيفة الآذن تقتصر على كنس الصفوف، ونظافة ساحة المدرسة، وتنظيف المرافق الصّحية، إلّا أنّ القذارة التي تكون في الحمامات هي نتيجة تقصيرٍ من العامل المختص، ويتحمل ذلك مدير المدرسة".

 

وحول أداء العاملين في تنظيف الحمامات، شرحت المدرسة اكتمال ذلك بالمراحل التالية، أولها الفترة الصّباحيّة قبل الدوام، وثانيها بعد الفسحة، والأخيرة قبل انتهاء اليوم الدراسي.

وعن مراقبة المديرةِ لنظافة الحمامات، حمّلت المتحدثة باسم الهيئة التعليمية اكتمال، المديرة المسؤولية الكاملة في الإشراف وعدم التهاون مع هذه القضية، مؤكدةً أنّه "خلال النّهار تتابع عمل الآذن باستمرار وترسل معلمات للإشراف عليها خوفًا من تقصريها في ذلك".

وقال الخبير في مجال الصّحة والبيئة الجماصي: "إنّ لتلوث الحمامات آثارًا سلبيةً جدًا ومخيفة على صحة الطلاب، ما يؤدي إلى تَفشّي الأوبئة والحساسية ومِن بينها الأمراض الطفيليّة والجلديّة والجرب وتقشّع الجلد".

ويُشار إلى أنّ عدد عاملي النظافة في وزارة التربية والتعليم بلغ 1800 موظّف موزّعين على مختلف المديريّات والمدارس.

سر الرائحة الكريهة.

وفي معرض رد المعلمة اكتمال على سؤال مراسلنا حول استمرار وجود الرّائحة الكريهة، أظهرت أنّها ناتجة عن الاستخدام المتكرر للحمامات وعدم قدرة الآذن على التنظيف بعد كل طالبة لأنّ ذلك صعب ومرهق ويحتاج إلى شخص متخصص.

وقد وافقها الرّأي آذن المدرسة ناهض؛ إذ أَرْجَعَ التّقصير إلى عدد الطلاب الكبير في المدرسة، وعدم قدرتهم على التنظيف وراء كل طالب.

وأضاف الدكتور الجماصي أنّ الاستهتار في التغسيل بعد دخول الحمامات، وعدم وجود مواد تنظيف وحاويات قمامة من أكثر العوامل المساعدة على انتشار الأمراض، وأنّ الاحتكاك المباشر بالجلد وملامسة الشّعر خطيرٌ جدًا وسريع في تفشي الأوبئة.

ويقدر عدد الطّلّاب في قطاع غزة بحوالي 465 ألف تلميذ، أما المدرسين قرابة 18226 معلمًا، حسب إحصائيات الوزارة الأخيرة.

مواد التنظيف معدومة

وأرجعت أريج سبب التقصير في التّنظيف لعدم وجود مواد خام تستخدم بل يعتمدون على الماء والصابون، ولا يقتصر الإهمال على الحمامات بل على الأوراق ومخلفات المأكولات على غرار إهمال البنات للنظافة".

وحول مواد التّنظيف التي تقدمها المديرية إلى المدارس، أكّد أبو هلال أنّها غير كافية ويعود النّقص في هذه المواد إلى محدوديّة إمكانيّات الوزارة في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع.

واستطردت مديرة مدرسة سوسن: "إنّ الوزارة هي التي تقرر حجم مواد التّنظيف وعدد الأَذَنة، وذلك حسب عدد الفصول، وتكون هناك موازنة تقديرية سنوية للمستلزمات كلها التي نحتاجها وتحاول المديرية توفير معظم الاحتياجات ".

وموّهت الأستاذة اكتمال أنّ التّعليم يوفر مواد التّنظيف ولكن بكمياتٍ غير كافية مع بداية كل فصل تشمل الكلور وصابون ومواد معطرة) وفي حال نقصها يتم تعويض ذلك من ميزانية المدرسة، ولا يتم تنظيف حمامات الهيئة التدريسية باستخدام المنظفات على حساب المرافق الصحية الخاصة بالطلاب.

وأكّد الآذن ناهض أنّ المواد التي توفرها المديرية غير كافية لطوال الفصل وإنّما تكفي فقط لفترة قليلة من الفصل، مبينًا أنّهم يقومون بشراء النّاقص من موازنة المدرسة أو من أموالهم الخاصة.

"وادعت أريج أنّ الآذن يقوم بتنظيف حمامات المدرسين على حساب المراحيض الخاصة بالطلاب، واستغلال مواد التنظيف كلها إن وجدت لصالح تلك المراحيض".

وأرجعت المعلمة اكتمال سبب نظافة الحمام الخاص بالمدرسات لقلة عددهم مقارنةً بالطلاب، فالمعلمات لا يتجاوزن الـ 50 مدرسةً، وحوالي 500 طالبةٍ ترتدن قرابة 10 حمامات، مضيفةً أنّ الآذن في المدرسة يمر على الحمامات مرتين أو ثلاثة في اليوم وهذا غير كافٍ ليبقى نظيفًا.

وأباح ناهض أنّ وجود مرحلتين تعليميتين في المدرسة الواحدة يفاقم تلوث المراحيض وغياب الوعي عند الطلاب حول أهمية النّظافة، داعيًا إلى عمل حمامين منفصلين لكل مرحلة للسيطرة على النّظافة وضمان عدم انتشار الأمراض.

ودعا الآذن ناهض إلى توعية الطلاب حول أهمية النظافة وعمل حمامين منفصلين لكل مرحلة تعليمية في المدرسة من أجل المحافظة على النظافة وضمان عدم انتشار الأمراض.

أنشطة توعوية

وقال مصدر مسؤول في وزارة التربية : "إنّ لدى وزارة التربية والتعليم العديد من الأنشطة في ذلك الموضوع منها دائرة التثقيف، وندوات وورشات عمل، وموظف الصحة الميداني، ومنسق الصحة المدرسية، وأنديةٍ بيئية على غرار اللجان صحية، مؤكّدًا أنّ تلوث الحمامات سببه تقصيرٌ من الآذن، خاصة أنّ موضوع النّظافة يجب أن يكون مستمرًا.

وشرح: "إنّ الوزارة تعمل على غرس النّظافة في الطلاب منذ نعومة أظافرهم حيث لا يخلو كتاب من الدروس التي تحث على الرعاية الصحية وتنظيف المرافق المدرسية.

وناشد الآذن ناهض، المدرسة بعقد ندواتٍ وورشات عمل للطلاب وأهاليهم لزيادة الوعي لديهم لأنّ وجود الأوساخ هو نتيجة غياب الوعي.

وبيّن الخبير الصّحي الجماصي أنّ تغسيل اليدين بالماء والصّابون بعد استخدام التواليت أهم خطوة، ويليها التوعية المستمرة للطلاب وإقامة العديد من الجلسات الحوارية مع التّلاميذ والأهالي حول الموضوع.

وكانت قد تبرعت وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية بمبلغ 2.1 مليون دولارٍ أميركي للمساعدة في تحسين مرافق الصّرف الصّحي لتصل للمستوى الملائم في مختلف أنحاء غزة وتهدف هذه المبادرة إلى تعزيز ممارسات النّظافة لدى الطلبة.

حرره: 
م.م