ما ببن البحر والسجن..عامٌ على اختفاء "عائلة بكر"

غموض

عز الدين أبو عيشة – خاص زمن برس

زمن برس، فلسطين: "اركب معنا ولا تكن من الخالفين"، بهذه العبارة نادى نبي الله نوح عليه السّلام ابنه -لكن في غزة- نادى يوسف زوجته، أخرجي معنا ولا تبقِ هنا، فكلاهما لا يعرف نهاية الإبحار في المتوسط.

خرج يوسف بكر(28 عامًا) وزوجته هبة (22 عامًا) وطفلاه اللذان لم يبلغا من العمر نيفًا، قبل سنة من غزة إلى إيطاليا عبر مدينة العريس المصرية بهجرة غير شرعية هربًا من الحروب وبحثًا عن ملاذ آمن وعمل انعدم وجوده في القطاع، لعله هناك يجد اهتمامًا بالإنسان وفرصةً تضمن له حياة كريمة.

ومن المعروف عن آل بكرٍ أنّهم من رواد البحر ويعرفون ركوبه جيدًا فهم أبناء منطقة ساحلية ومشهورون بصيدِ الأسماك والسّباحة حتى من داخل أعماق الأبيض المتوسط إلا الغريبُ في الأمر أنّ المركب الذي كانوا على متنه خدعهم أو رسم القراصنة له خط نهاية.

فبعد أن جابت السّفينة شواطئ مصر في طريقها إلى أوروبا حدثت الفاجعة في منتصف البحر وغرقت المركبة ومات بعضهم و سجن الآخر، لكن الضّحايا فقدت جثثهم ولم تظهر إلى يومنا هذا.

أجرى مراسل زمن برس مقابلة مع والدة يوسف لمعرفة كيف قضت عام على فقدان ابنها  والجديد في ذلك الملف.

وقالت الخمسينية أم يوسف وتجاعيد وجهها جعلتها أكبر من عمرها "إنّهم خرجوا من غزة إلى العريش لتحسين مصيرهم وعيشتهم، ومنهم من كان ذاهبٌ لاستكمال تعليمه في الخارج"، مؤكدةً أنّه ليس لديهم انتماء سياسي.

وأضافت في تفاصيل مأساوية جديدة: "إنّا لا نعرف مصير أبنائنا، ولكن لدينا معلومات تُفيد أنّهم اعتقلوا وهم على متن السّفينة في مصر، وسُربَت لنا بعض الأخبار تُدلِل على أنّهم مسجونين وليس مفقودين". 

وتابعت بكر: " إنّ المعلومات تتضارب يومًا بعد أخر حول تلك القضية، فمنهم من يزعُم أنّهم أحياء ويؤكد ذلك برسالات ودلالات واضحة، وغيرهم من يَدعِي الموت ولكن يفتقر للدليل فجثثِهم لا تزال مفقودة.

وعلى حسبِ زعم أم يوسف التي تكالبت عليها الهموم فإنّ المخطوفين في مصر معتقلون لأسباب أمنية، حيث وصلتهم أخبار بإطلاق أمن الدولة عليهم النار بعد تحرك السفينة من شواطئ العريش، فأصابت ولدها الذي سقط في البحر هو وزجته الحامل وبقي الطفلين على متن المركب.

وطالبت العجوز والدموع تسيل على خدها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والفلسطيني أبو مازن وكل من له ضمير حي بضرورة التّصريح عن مصير المفقودين وإدلاء معلومات عنهم.

وكشفت بكر بعبارات تمتمت بها عن وجود حالة ولادة لزوجة ابنها المختطف، وتُفيد المعلومات لديها بأنّ الله رزقها بمولدٍ ذكر وسُرِب هذا الخبر من داخل السجون، راجيةً من القيادة الفلسطينية مساعدتهم للتأكد من هذه المعلومة ومدى صدقها.

وتجتمع أم يوسف وذوو المفقودين كل أسبوع، ويجلسن في حلقات يدعون الله فيها أن يرُدّ عليهم الضّالين سالمين فلا أحد يفقد ضناه ويستطيع العيش في خضم الحياة بهناء دون انشغال البال، فكل أيامهم سوداء لجهلِهم الحقيقة.

ورجت الطاعنة في السن بدموعها رئيس السلطة الوطنية محمود عباس على أساس أنّه الراعي للشعب الفلسطيني، مطالبةً اللواء مازن فرج المسؤول عن هذا الملف بأن يقول الحقيقة حتى لو كانت مُرة.

ورسمت أم يوسف ابتسامة عريضة على وجهها حملت معنى التفاؤل والعودة للجميع بعد رؤيتها لهم في منامها وإنّ الأمل لازال موجودًا في وجه الله لتحقيق هذه الأمنية.

ويذكر أنّه بلغ عدد المفقودين من عائلة بكر قرابة الـ 29 شخصًا خرجوا بحثًا عن العلم والعمل وهربًا من الحروب والدمار.

من جهته، دعا المتحدث باسم أهالي المفقودين كامل المصري في مقابلة مع زمن برس مسؤولي القوى والوطنية والإسلامية بضرورة الوقوف مع الأهالي للضغط على الرئيس للتدخل بشكل واضح في ملفهم مشدّدًا على أنّ القضية أخذت أكثر من مجراها فلهم اليوم عام كامل بدون أي خبر رسمي.

وناشد المصري العالم كله والأمة العربية وعلى رأسها الجمهورية المصرية برحمة أمهات المفقودين وزوجاتهم وأبنائهم والبحث عنهم أو الإدلاء إليهم بالمعلومات التي يمتلكونها فهم خرجوا بعيدًا عن الحروب والعيش البغيض في غزة.

ومن الجدير ذكره أنّه بلغ عدد ركاب هذه السفينة 500 فلسطيني من ساعين إلى الهجرة لأوروبا بحثًا عن مكان آمن أو فرصة عمل انعدمت في موطنهم الأصلي.

بدوره، أكد عضو المجلس الثوري في حركة فتح محمد النّحال لـ زمن برس أنّ هذه القضية بها الكثير من الغموض فهناك رسالات بُعِثت إلى الرئيس ومنظمة التحرير وحركة فتح طالبوا فيها تدخلهم بشكل واضح لإيجاد حلٍ سريعٍ لهذه القضية مضيفًا أنّه يوجد احتمال كبير على أنّهم أحياء او اعتقلوا في الدول الأوروبية.

وحمّل النّحال السفراء الفلسطينيين في أوروبا المسؤولية الكاملة عن عدم التّصريح بأي معلومة عن مصير هذه الفئة، مبينًا أنه لا زال الاتصال بينهم قائمًا ولكن هناك بعض التقصير من البعثات الفلسطينية.

وحول تحليلهم لاختفاء الجثث استرسل النّحال: "نحن نعرف البحر جيدًا، فالمتوسط لا يحتفظ بالجثث وهذا دليل قوي على أنّهم أحياء، متابعًا: "نحن لا نراهن على صبر الأهالي ونتقبل قضاء الله إذا كانوا أمواتًا، وإذا مفقودين علينا كشف المصير".

وتجدر الإشارة إلى أنّ المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أجزم وفق الإفادات المختلفة وملابسات الحادث أنّ معظم المهاجرين بالقارب فقدوا حياتهم داخل البحر.
 

حرره: 
م.م