بيان الاعتزال رسالة للأسرة الدولية

بقلم: جاكي خوري

تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) أول أمس بأنه لا ينوي التنافس في أي انتخابات مستقبلية، سواء في حركة فتح أو في مؤسسات م.ت.ف، تعتبر في دوائر عديدة في السلطة الفلسطينية، بما في ذلك في فتح كتصريحات سابقة. ولكن مقربي عباس ممن تحدثت «هآرتس» معهم في الأيام الأخيرة لا يزالون غير ملتزمين بتاريخ وموعد الاعتزال. بل أنهم يشددون على ان القرار لا ينبع من أزمة داخلية ومن ضغط يمارسه عليه خصومه السياسيون، بل هو رسالة للأسرة الدولية وبموجبها فانه في غياب مسيرة سياسية حقيقية وإنهاء الاحتلال، فان دور الرئيس في السلطة الفلسطينية لم يعد ذا صلة.

وكان عباس أعلن أول أمس في جلسة اللجنة المركزية لفتح بانه غير معني بالتنافس مرة اخرى لمؤسسات م.ت.ف. ومع ذلك، قال مسؤولون كبار في اللجنة لـ «هآرتس» إن التقارير عن اعتزال عباس الساحة السياسية الداخلية والخارجية كانت قبل أوانها وانه لا يبدو أن الخطوة ستتم في المستقبل القريب.

وشرح عضو اللجنة المركزية لفتح، محمد المدني، الذي حضر الجلسة أول أمس ويعتبر أحد مقربي عباس بأنه يقف خلف تصريحه، ولكنه سيفعل ذلك حسب جدول زمني وحسب المصلحة الوطنية الفلسطينية. وعلى حد قوله، فان الرساسة الأساس للخطوة غير موجهة إلى الداخل بل إلى الخارج. وقال المدني إن «ابو مازن يفهم بان المسيرة السياسية عالقة وانه لا يوجد أي أفق سياسي في المستقبل المنظور للعيان، بسبب الرفض الإسرائيلي. لا يبدو أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منضغطون من هذا، وعليه فانه جاء ليقول بشكل واضح لا اريد البقاء في المنصب الذي أصبح مثابة حامي حمى الامن لإسرائيل، ومن يريد أن يأخذ المسؤولية فليتفضل».

وحسب المدني، فان أقوالا بهذه الروح قيلت لعبدالله ملك الأردن في لقائه مع عباس في عمان، في بداية الأسبوع. وعلى حد قوله، فان هذا ما سيقال أيضا قريبا للرئيس المصري عبدالفتاح السياسي وأغلب الظن من على منصة الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نهاية أيلول. وقال المدني: «سيقول للعالم بشكل واضح بأنه غير معني بان يقف على رأس سلطة فلسطينية بلا سيادة».

قبل نحو أسبوعين أعلن عباس عن استقالته من رئاسة اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف. ليست هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها عباس عن نيته اعتزال الحياة السياسية. ولكن الاستقالة لن تدخل حيز التنفيذ طالما لم تبحث في المجلس الوطني الفلسطيني.

وفي هذه الأثناء يواصل عباس عمله كرئيس للسلطة ورئيس لـ م.ت.ف. في هذا السياق يدعي مسؤولون كبار في فتح بان في نية عباس احداث تغييرات داخلية في فتح وفي م.ت.ف ولكن لا توجد إمكانية للتعهد في هذه المرحلة بالإطار الزمني.

ولا ينفي المسؤولون في فتح بان الزمن والعمر يفعلان فعلهما وان عباس، ابن 81 سيضطر في مرحلة ما إلى الاعتزال. وعلى حد قولهم فانه معني بان يقود خطوة لضخ دم جديد للساحة وللمؤسسات، التي شاخ بعضها وهناك حاجة لانعاشها. وقال بعض المسؤولين: «ليس جديدا ان في الساحة الفلسطينية يتحدثون منذ بضعة أشهر عمن سيأتي بعد عباس، وهذا ليس سرا. في اسرائيل وفي العالم يجب أن يفهموا بان في م.ت.ف وفي فتح يوجد جهاز وتوجد مؤسسات وفي نهاية المطاف هذه هي التي تختار القيادة. هذا ما حصل عندما توفي الرئيس ياسر عرفات، الذي كان زعيما كاريزماتيا بلا منافس. وعليه فان ابو مازن لا يريد ان يتخذ صورة من خلف أرضا محروقة. وهو يحاول أن يقود المسيرة وان يرتب البيت، ولا سيما في فتح».

في الساحة السياسية الفلسطينية، ولا سيما في أوساط أولئك الذين لا يؤيدون عباس، يرون في الخطوات الأخيرة وفي البيانات الأخيرة محاولة لتهيئة التربة لإبعاد بعض الشخصيات القديمة والخصوم السياسيين. وذلك انطلاقا من الفهم بأنه لا يوجد في هذه المرحلة من يتنافس مع عباس.

وصرح أمين عام المجلس الثوري لفتح أمين مقبول أمس لوكالة «معا» للأنباء إن فتح تطالب عباس بان يبقى في منصبه، بل وشرح احد مقربيه بأنه حتى لو لم يتنافس في مؤسسات فتح، قد يتخذ قرار بتعيينه في اللجنة التنفيذية بدعوى أن هذه هي إرادة المنظمة. وستتضح الأمور في جلسة المجلس الوطني الفلسطيني التي ستنعقد في رام الله هذا الشهر.

المجلس الوطني هو الهيئة العليا التي تنتخب أجهزة م.ت.ف بما في ذلك اللجنة التنفيذية. ويضم المجلس نحو 740 عضوا، ولكن لما كان الكثيرون منهم يسكنون في الدول العربية ولا يمكن لهم جميعا ان يصلوا إلى رام الله فليس واضحا بعد في أي تركيبة سينعقد المجلس وكيف سينتخب ممثلين جدد عندما يكون فصيلين مركزيين في الساحة الفلسطينية، حماس والجهاد الإسلامي، غير ممثلين فيه. 

حرره: 
د.ز