هل يخرج الإسمنت من وادي الشعير؟

وادي الشعير

مجاهد بني مفلح

(خاص) زمن برس، فلسطين: ما إن أعلنت شركة استثماريّة فلسطينية نيتها استملاك أراضٍ في منطقة "وادي الشعير" الواقعة بين نابلس وطولكرم بالضفة، لتقيم عليها مشروع مصنع إسمنت؛ حتى هبّ أصحاب الأراضي وأهالي المنطقة رفضًا للمشروع، متعهدين أنّه "لن يمرّ إلا على أجسادهم" وسيتصدون لها مهما كلّفهم الثمن.

شركة "سند الشمال" للصناعات الإنشائية التي تتبع صندوق الاستثمار الفلسطيني قالت في بيان لها، إنها رصدت 310 مليون دولار، كاستثمار أوليّ للمشروع الذي يخدم المصلحة العامة، وأعلنت أنها باشرت اتباع إجراءات لاستملاك أراضٍ خاصة بمساحة ألفي دونم، معتبرةً أن المصنع يعتبر "مشروعًا وطنيًا سياديًا واستراتيجًا".

مشروع مصنع الاسمنت، ووفق المخططات التي تم إعدادها، من المقرر أن يصادر أراضٍ تتبع لستِّ قرى، وهي: عنبتا، بزاريّا، رامين، برقة، بيت ليد، وكفر رمان، وبمساحة كليّة تصل ألفي دونم، منها 1300 ستخصص لإنشاء محاجر ومقالع لاستخراج الحجر الجيري والحصى و700 دونم سيُقام عليها مصنع الإسمنت.

الاحتجاجات بدأت يوم الجمعة الفائت بمشاركة نحو ألفيّ شخص ورُفع خلالها لافتات تحمل عبارات مثل "لا للسرطان القادم"، "لا لمصنع الموت"، "سنموت تحت جنازير الجرافات.. ولن تمروا".

تحاول "زمن برس" في هذا التقرير أن تسلّط الضوء على أبعاد القضية. وفي هذا الصدد نشير إلى أننا حاولنا على مدار أيام الحصول على تعقيب من الشركة المعنية، إلّا أنهم رفضوا الحديث.

قانون الاستملاك.. وماهيّة المنفعة العامة؟

يقول عصام العاروري، مدير مركز القدس للمساعدة القانونية إن القانون المعمول به في فلسطين هو قانون الاستملاك الأردني لعام 1953، وهو يحصر الاستملاك لأغراض تحقيق المصلحة العامة ولا يسمح بالتملّك للشركات الخاصة.

ويعتقد العاروري ولو بنسبة ضئيلة أنّه قد يتم فعلًا الاستيلاء على الأرض، بذريعة أن مشروع الاسمنت استراتيجي، وباعتبار أن الشركة تتبع صندوق الاستثمار الذي يعدُّ ذراعًا اقتصاديًا لمنظمة التحرير. وهو الأمر الذي قد يتفق مع ما يقوله أستاذ الاقتصاد بجامعة النجاح الوطنية، طارق الحاج، والذي يرى أن بإمكان الدولة الاستيلاء على أملاكٍ خاصة في حال كانت الشركة مملوكة للدولة، أو لها حصة فيها بنسبة لا تقل عن 51%. شرط أن يتم تعويض المالكين.

ويرى النائب في المجلس التشريعي عن محافظة طولكرم، حسن خريشة، أن استملاك أراضٍ خاصة يكون عادة للصالح العام، أمّا أن يكون لصندوق استثمار ويهدف لتربّح أشخاص معينين فهذا لا يجوز، معتبرًا في الوقت ذاته أن مشروع الإسمنت هام بلا شك، لكّن الأهم بحسبه أن تُراعي المشاريع الاقتصادية مصلحة المواطن الفلسطيني، بحيث يتم إقامتها في مناطق نائية وأن لا تكون سببًا في قتل ووقف امتداد المدن والقرى المحيطة، وأن لا تسهم في خلق مشاكل بيئية وصحيّة وقتل القطاع الزراعي الذي تم إحياء نحو 500 دونم من أراضي المنطقة ضمن مشاريع استصلاح دولية بتكلفة ملايين الدولارات.

ويضيف خريشة في حديثه لـ زمن برس أن هناك حالة غضب شديدة في صفوف المواطنين، ولن تستطيع أيُّ قوة إجبارهم على إقامة المشروع. وإذا كانوا معنيين فعلًا (يقصد المستثمرين) بإقامة مشروع وطني، فليذهبوا لإقامة مشروع يواجه الاستيطان ويوقف زحفه. 

الأرض مقبرة لمن يقترب .. ودعوات للتروي

أمين سر حركة فتح في بلدة عنبتا الواقعة قضاء طولكرم، ناصر حنّون، يقول لزمن برس إن بلدته لم يتبقَ أمامها مجال للامتداد العمرانيّ إلا من الجهة الشرقيّة وهي الأراضي التي يحاول المشروع المقترح مصادرتها علمًا أنها لا تبعد عن المخطط الهيكلي للبلدية أكثر من مئة متر.

ويشير حنون إلى أنه لا يعارض قضية استملاك الأراضي بحد ذاتها "فليقيموا مشافي، متنزهات، ملاعب، مدارس.. لا مشكلة"، لكنّ المشكلة كما يقول في أن تُصادر أراضي الناس لصالح مشاريع تُدرُّ أرباحًا في جيوب أشخاصٍ معينين، وتسبب أضرارًا بيئية قاتلة.. "هذا ما نرفضه، وسنجابه هذا المشروع كما نجابه الاستيطان الإسرائيلي"، مضيفًا" إذا كان المشروع وطنيًا كما يقولون، لماذا لا يقيمونه في مناطق مهددة بالمصادرة كالأغوار، أو قريبة من المستوطنات".

قرية برقة هي الأخرى، يتهدد أراضيها مصادرة ما لا يقل عن 80 دونمًا مزروعة بأشجار الزيتون واللوزيات، وفق ما يقول عضو مجلسها القرويّ سامي دغلس، الذي يرى أن المشكلة لا تنحصر في الأراضي التي قد تُصادر، وإنما تمتد للمناطق المحيطة هي الأخرى، والغيمة السوداء التي يشكلها مصنع الاسمنت تصل حتى مدينة نابلس، إضافة إلى الهواء الملوّث، وكذلك التربة، الأمر الذي يمتد للمياه الجوفية في باطن الأرض، ناهيك عن الأضرار على صحة الإنسان.

ويبيّن دغلس أن المجالس المحليّة الست قدّمت مناشدة للرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء رامي الحمد الله، للنظر في المشروع، وما يمكن أن يسببه من دمار لأهالي تجمع وادي الشعير. لافتًا إلى أن الأهالي لا يفترضون سوء النيّة، وسيعطون المجال للحوار، لكنّ القرار الأول والأخير: "لن يمر المشروع إلّا على جثثنا"، وكل السيناريوهات مفتوحة، من الدعوة للاعتصام والإضراب، والتظاهر أمام مجلس الوزراء، وقطع الشوارع، وتعطيل الحركة، وتحدي العمل في المشروع، في حال تم إقرار مصادرة الأراضي لصالح شركة "سند".

المحامي الجنائي إسحق البرقاوي والذي كلّفته المجالس المحلية في منطقة "وادي الشعير" بإعداد عريضة اعتراض قانونيّ على المشروع الذي وصفته بـ "الكارثيّ" قال إنه لا أساس قانوني يستند عليه أصحاب الشركة، وقانون الاستملاك يعطي الصلاحية لأجل المنفعة العامة، وشركة "سند" مملوكة لعدة أشخاص، وهي شركة مساهمة محدودة. وبالتالي لا يجوز استغلال قانون الأملاك.

وفي هذا الجانب يرى حقوقيون أن "هناك متسع من الوقت" وفيما لو صدر قرار حكومي بالموافقة على المشروع، فبالإمكان تقديم الاعتراضات للقضاء من قبل المجالس البلدية أو من قبل أصحاب الأراضي كلٌ على حدة.

وبعد طول انتظار من قبل الصحفيين للحصول على رد شركة سند، فيما يتعلق بالاحتجاجات القائمة من قبل أهالي المنطقة، اكتفت الشركة ببيان صحفي صدر أمس، قالت فيه إن المشروع سيكون ذو جدوى اقتصادية كبيرة، مؤكدة على أنه لن يؤدي إلى مخاطر على صحة المواطنين أو البيئة. 

وبالعودة إلى الاقتصادي طارق الحاج، فيقول إن دراسات الجدوى في هذا السياق هامّة جدًا، وليست مقتصرة على الصعيد المالي والربحي، وإنما هناك جانب بيئي وهو يشكلّ أثارًا سلبية على الأشجار والبيئة المحيطة، وكذلك على السكّان، وما يحدثه من تلوّث في الهواء والماء، وضجيج، ودراسات الجدوى كهذه يجب الإشارة إليها.

وبين مؤيدٍ للمشروع يرى فيه يسهم بتحقيق نمو اقتصاديّ، وبين أهالي المنطقة الذين يرونه "وبالًا عليهم"، وكارثة قد تحيق بهم، تبقى الأنظار باتجاه ما تقرّه طاولة مجلس الوزراء خلال الأيّام القليلة المقبلة، فهل سيخرج الاسمنت من مناطق "وادي الشعير" أم لا؟.

حرره: 
م.م