الدرس التركي

أوجلان

ينبغي أن نفهم أن الأكراد بالنسبة لأنقرة هم كالفلسطينيين لنا
 

بقلم: كوبي نيف

إحدى المزايا المثيرة للعجب لدى الانسان هي قدرتنا العجيبة على ألا ننظر إلى الواقع وألا نراه على نحو سليم عندما لا يكون مناسبا لنا. فالاخطاء في توقع نتائج الانتخابات الاخيرة تثبت ذلك.

حتى عندما ينهض انسان، مثلما فعل مؤخرا رئيس الدولة رؤوبين ريفلين ويدعو بصوت جريء وقوي للنظر إلى الواقع على نحو سليم، فانه هو ايضا ينظر اليه بعين مغمضة، مثلما يريحه. فحين قسم الرئيس المجتمع الإسرائيلي إلى اربعة قبائل، قريبا ستكون برأيه متساوية في حجمها ـ العلمانيين، المتدينين ـ الوطنيين، الاصوليين والعرب ـ فقد «نسي» أي امتنع عن النظر والرؤية، «قبيلة» واحدة اخرى، ليست صغيرة على الاطلاق، الا وهي القبيلة الفلسطينية.
فالقبيلة الفلسطينية غير المرئية للعينين الرئيسيتين، والاكبر من كل القبائل المرئية، لا تعيش في حدود الديمقراطية الإسرائيلية، ولكنها توجد بالتأكيد تحت حكمها العسكري. وحقيقة اننا أقمنا بيننا وبينهم صورة فصل لا تجعلهم يختفون عن الواقع، وليس مهما كم عاليا هو السور أو بأية قوة نحن نغمض عيوننا.
ولكن مع ذلك، لنأخذ بجدية التحليل الاجتماعي مغمض العين للرئيس. فبقدر كبير جدا، حتى وان لم يكن بالمطلق، فان مصير القبيلة الفلسطينية، ومعه مصيرنا، متعلقان بنا ايضا، بالقبائل الاربعة لريفلين.
حسب ريفلين فان احصاء القبائل في هذه اللحظة هو ـ 28 في المئة علمانيين، 15 في المئة متدينين وطنيين، نحو ربع اصوليين ونحو ربع عرب. جميل. والان يُسأل إذن السؤال ـ اذا كان العلمانيون يريدون أن تواصل إسرائيل لتكون دولة علمانية ـ ديمقراطية ـ ليبرالية، ولا تتحول، مثلما تفعل منذ سنوات، إلى دولة دينية ـ ديكتاتورية ـ فاشية، فماذا عليهم ان يفعلوا؟
ما فعله العلمانيون حتى الان، أي عصبتهم السلطوية، بهذا الشكل او ذاك، للقبيلتين اليهوديتين الاخريين ـ المتدينين الوطنيين و/أو الاصوليين ـ يؤدي بإسرائيل لان تكون، وليس في المستقبل البعيد، دولة يهودية فاشية تماما، ولن تجدي المحكمة ولا حتى العليا.

هكذا، بحيث انه امام العلمانيين المحبين لان يعيشوا في دولة علمانية ديمقراطية ليبرالية توجد الان في واقع الامر واحدة من امكانيتين فقط: الانتقال للعيش في بلاد كهذه، او الارتباط هنا ليس باي قبيلة يهودية دينية بل بالذات بالقبيلة العربية، التي حتى لو كانت فيها نفسها اجزاء دينية وطنية واصولية خاصة بها، فانها يقودها الان حزب وشخص، ايمن عوده سمه، تمد اليد، ان لم نقل تستجدي، التعاون، الاخوة، المساواة والسلام.

وهذا ليس فقط عادلا وصحيحا بل ممكنا ايضا. وهاكم نموذج حي من بلاد غير بعيدة ـ تركيا. إذ ان ما منع في الانتخابات التي وقعت هناك لتوها الدولة التركية من أن تتحول نهائيا إلى دكتاتورية دينية فاشية كان ارتباط الاتراك العلمانيين بالحزب الكردي الذي هو ايضا من جهته فتح صفوفه، ودخول هذا الحزب إلى البرلمان رغم نسبة الحسم العالية. هكذا صفي حاليا جنون العظمة لدى رجب طيب اردوغان وعصبته.

ينبغي أن نفهم ـ الاكراد بالنسبة للاتراك هم كالفلسطينيين بالنسبة لنا. عدو مقموع، إرهابي، مهدد، ولكن هم وفقط هم وليس أي حزب وسط او «يسار» تركي منعوا تركيا من السقوط في هوة الدكتاتورية الدينية. هكذا يمكن أن يحصل وهكذا يجب أن يحصل عندنا ايضا.

وبالتالي فان كل علماني صوت وبالتأكيد سيصوت لحزب صهيوني وليس لحزب عربي يهودي مشترك، لا يجب أن يبكي بعد ذلك على الكعكة الفاشية اليهودية التي خرجت له. إذ مثلما يقال بالكردي العالمي، لا يبكي العجان على عجينته.

هآرتس 

حرره: 
م.م