المواطن القلق إيهود

ايهود باراك

خطاب باراك في مؤتمر هرتسليا كان نادرا وقياديا لكن التطبيق مختلف
 

بن كسبيت

عُقد في هذا الاسبوع مؤتمر هرتسليا السنوي. وكانت فيه خطابات مهمة. الخطاب الأكثر حدة ودقة واقناع كان للمواطن القلق إيهود باراك. فقد تواجد في جميع ايام المؤتمر، جلس في الصف الاول واستمع للخطابات والنقاشات مثل طالب متحمس. وكان ينقصه اخراج مفكرة لتسجيل الخلاصات. وعندما جاء دوره ألقى خطابا قياديا نادرا في نوعه، مع تحليل جيوسياسي وعالمي استراتيجي، فقط هو يستطيع التحدث به. سألت كيف يمكن لهذا الرجل اللامع أن يفقد البوصلة في كل مرة يتسلم فيها المقود؟ متى سيأتي القرصان الذي سيكتشف الجرثومة لدى باراك، أو الدودة التي سيطرت على برنامجه، كي نهنأ منه بشكل عملي وليس بشكل نظري فقط.

اسأل نفسي هل يفهم باراك ما الذي قام به. لقد تحدث قبل رئيس الحكومة نتنياهو بقليل، ولم يقتصد في انتقاد بيبي. فهو يعرف أن التصفية الموضعية التي نفذها في حق غابي اشكنازي قد حرمت الدولة من بديل عقلاني ومقنع في صالح السلطة الأحادية الأبدية لنتنياهو. هل سيندم على ذلك؟ أنا على يقين أنه لن يندم. اشخاص من نوع باراك لا يندمون. ويمكن أنه ما زال يرى نفسه البديل العقلاني الوحيد. فهو لديه القدرة على الاقناع، وتحديدا بأربع عيون. حيث أقنع نفسه وبقي أن يقنعنا.

ما زال نتنياهو مستغربا

بعد باراك جاء دور نتنياهو، كان خطابه ممتازا. بدون تهكم، شاملا، ملفتا، مشتعلا، دقيقا ومقنعا. فقد بدأ باللغة العبرية وانتقل إلى الانجليزية ثم عاد إلى العبرية ومرة اخرى إلى الانجليزية، وكان من الصعب زعزعة استخلاصاته أو تشخيصه. أعتقد أن نتنياهو يرى ويحلل الواقع بطريقة غير سيئة. مشكلته هي أن نظاراته تميز الأنغام وتتجاهل الأضواء. إنه يواظب على رؤية الاشياء السوداوية ولديه أفضلية: في منطقتنا، وخلال فترتنا يوجد الكثير من الاشياء السوداء لرؤيتها.
أعتقد أن نتنياهو على حق فيما يتعلق بخشيته من الاتفاق مع الفلسطينيين في فترة يشتعل فيها الشرق الاوسط ويتفكك. وأعتقد أنه على حق بخشيته من الاتفاق بين اسرائيل والقوى العظمى برئاسة الولايات المتحدة. مشكلتي مع بيبي هي عند الانتقال من الكلام إلى الافعال، لأنه حسب رأيه فانه يحرم نفسه من أي امكانية لتحقيق الانجازات. وهذه هي السياسة الخالصة.
حول الموضوع الإيراني قلنا كل شيء. لو أراد نتنياهو التأثير لكان فعل ذلك من الداخل وليس من الخارج. وقد فضل اعلان الحرب على الرجل الأقوى في العالم بدلا من أن يكون صديقه ويتقرب منه، وآمن أن شلدون أدلسون هام لمستقبلنا (ولمستقبله) أكثر من براك اوباما. استدعى نفسه إلى الكونغرس وحاول التفريق بين الديمقراطيين والجمهوريين وخلق شرخا بينهم وبين الرئيس ـ هذه المحاولة التي لا يمكن أن تنجح. وهو لن ينجح في وقف السباق على الاتفاق (اذا تحقق) في الكونغرس، لقد نجح في التسبب بالضرر الاستراتيجي في علاقاتنا مع الولايات المتحدة.

الموضوع الفلسطيني أكثر تعقيدا. العالم شبع من الخطابات. وهو يقوم بامتحان نتنياهو بناءً على الافعال. مشكلة بيبي أنه لا يوجد شخص في الكرة الارضية يثق بأي كلمة يقولها. وقد أضاع الفرص على أمور تافهة. وأخل بجميع وعوده وتصريحاته خلال الحملة الانتخابية فقط من اجل الحصول على مقعدين اضافيين، والآن هو يستغرب لماذا لا يثق به أحد عندما يعود إلى حل الدولتين.

في خطابه في مؤتمر هرتسليا تطرق نتنياهو بتوسع إلى العملية السياسية مع الفلسطينيين. بعد أن دفنها مثل دفن الحمار، وأعلن أن الدولة الفلسطينية لن تقوم في عهده. من سيثق به اذا؟ يستطيع نتنياهو ترميم مصداقيته من خلال قرار واحد: تجميد البناء في المستوطنات خارج الكتل الكبيرة وراء جدار الفصل. خطوة كهذه ستثبت صدق نواياه وطهارة يديه. وسيفهم العالم أنه لا يقول فقط، بل ينوي أيضا. خطوة كهذه مهمة لاسرائيل وصورتها وشرعيتها، وهي تستطيع اخراج الهواء من بالونات المقاطعة التي تنتفخ أمامنا. لا تستغربوا من زحف مدير عام «اورانج». وقد تم إهدار دم اسرائيل منذ زمن، والمقاطعة الرمادية موجودة هنا، والعالم ضاق ذرعا بنا من رفضنا، من استمرار سياسة المستوطنات المتسارعة، وهو يريد أن ندفع الثمن.

من اجل منع هذا يجب المبادرة. لا أحد يتوقع من نتنياهو اعادة اراضي، وتجميد البناء في البؤر الاستيطانية النائية أمر شرعي ويمكن تحمله وهو لا يكلف ثمنا كبيرا، وسيكون مردوده كبيرا جدا. لكن بيبي ليس هناك. لماذا؟ لأن المستوطنين هم الذين انتصروا من اجله في الانتخابات، وهو لا يستطيع الانفصال عنهم. هل المصلحة الوطنية تصطدم مع المصلحة السياسية؟ ماذا اذا؟.

يمكن أن يتغير كل هذا قريبا. لقد بدأوا يتحدثون في البنية السياسية عن «اعادة التشغيل» في الخريف القادم. وحسب خطته سيضم نتنياهو هرتسوغ إلى حكومته في تشرين الاول، وهو سيقوم بفعل ذلك من خلال «خطاب بار ايلان 2» مع التشديد على المبادرة العربية، والاعلان عن تجميد البناء خارج الكتل الاستيطانية. هرتسوغ لن يستطيع الرفض، وقد قلنا إن هرتسوغ يتصعب الرفض. بيبي سينزل الأمريكيين والاوروبيين، وتهديدات الائتلاف، واورين حزان عن ظهره. هرتسوغ سيحصل على وزارة الخارجية وينسحب البيت اليهودي أو يتم اخراجه، وسيحصل هرتسوغ ايضا على وزارة العدل اضافة إلى 4 ـ 5 وزارات اخرى. الحكومة ستتوسع في حينه لأنه لا مناص، الوحدة مطلوبة، وسيجلس هرتسوع على الكرسي ويتنفس الصعداء، ويقوم باصلاح علاقات اسرائيل الخارجية.
لا تقطعوا الأنفاس. فلن يخرج من كل هذا اتفاق سلام. موقف نتنياهو من هذا الامر لن يتغير، لكنه نجح في ابتزاز ست سنوات من خطاب بار ايلان، وليس هناك سبب يمنعه من كسب 18 شهرا من خطوة كهذه. كل ما يحتاجه هو تجاوز فترة اوباما الذي بقي له عام ونصف. بعدها يكون هرتسوغ في الداخل والائتلاف مستقرا وكل شيء على ما يرام. في المرة القادمة التي يريد فيها تجنيد المستوطنين سيضطر إلى العمل بشكل مضاعف، لكن بيبي لا يخاف أبدا من العمل الصعب.
هذه هي الخطة. ولا أحد يعرف اذا كانت ستحدث. فهرتسوغ ليس هناك بعد، ونتنياهو ايضا. الدبلوماسية الدولية تهتم بالتفاصيل. الأمريكيون يأملون حدوث ذلك ويتوقع أن يضغطوا على هرتسوغ، وهم يريدون ايضا نهاية جيدة مع نتنياهو. اوباما يريد الاتفاق مع إيران وأقل ضررا وازعاجا من بيبي. جميع عناصر هذه الطبخة جاهزة. والسؤال هو هل ستجد الوعاء الملائم.
معاريف

 

حرره: 
م.م