الأكاذيب ونتائج الانتخابات

رامي كمحي

ان احد الافكار المثمرة التي أُسمعت في سياق نقاش نتائج الانتخابات، نادى بالفصل بين تحليل نمط التصويت للشرائح المختلفة في إسرائيل، وبين الشرخ الطائفي، ومشاهدته من وراء التحصيل العلمي والدخل للناخبين (كارلو شتراني، «هآرتس» 4-3). هذه الرؤية تكشف عن حقيقة انه كلما كان الناخبين متعلمين أقل وفقراء أكثر، بغض النظر عن اصلهم، فانهم يميلون إلى التصويت لليمين، ويمكن تفسير ذلك على خلفية ان اليهودية هي جزء لا يتجزأ من هوية الفئات الشعبية.
الحركة الصهيونية لم تسعى يوما إلى اقامة دولة يهودية، هرتسل: يهودي استرالي متمثل – لم يتلهف على احياء الشعب اليهودي في أرضه، وانما بحث عن حل فعال للاسامية في زمانه. بل وحتى ميخا يوسف برديشفسكي القومي اليهودي وأحد المفكرين الاكثر تأثيرا على الصهيونية في بداية عهدها وفكر بفكرة دولة كل مواطنيها لهرتسل ونادى بدولة قومية لليهود، اعتقد أن الشعب اليهودي يجب أن يتنازل عن تميزه الثقافي والسعي لان يكون شعب كباقي الشعوب – أي: امة اوروبية تؤسس روايتها القومية على الرواية الالمانية.
على ضوء خيبة الامل للجيل اليهودي المتعلم من امكانية أن يتحولوا إلى مواطنين اوروبيين كما غيرهم، فان فكرة الامة اليهودية الاوروبية التي اقترحتها الصهيونية كبديل للاندماج اليهودي في اوروبا بدت غير سيئة. ولمَ لا تتبنى اوروبا دولة يهودية تعيش بعيدا عن القارة الاوروبية والتي تسكنها أمة يهودية – اوروبية بالذات كون هذه الدولة سترفع علم اوروبا في الاراضي المقدسة التي طرد منها الاوروبيين في العصور الوسطى.
إذن، الفكرة الصهيونية للدولة اليهودية الاوروبية كحل بديل للاندماج اليهودي في اوروبا المسيحية نجحت نجاحا كبيرا. حقيقة: هي ان إسرائيل اليوم هي الدولة الوحيدة الغير اوروبية في قائمة المنظمات الاوروبية المهمة، مثل مسابقة الاوروفزيون وكأس اوروبا لكرة السلة، ومكانة إسرائيل في الشرق الاوسط من وجهة نظر اوروبا هي دولة كولونيالية، ومثل الامم الاوروبية الجديدة في استراليا أو جنوب افريقيا. وبشكل اكثر حميمية من دول جنوب امريكا.
الا انه ومن أجل الاندماج القاطع للصهيونية باوروبا المسيحية كان هناك ضرورة لمحو يهودية الامة، وفصل اليهود عن يهوديتهم، وتحويل اليهود الإسرائيليين إلى اوروبيين، والذين يشبهون قدر الامكان سكان اوروبا المسيحيين، لذلك شددت الصهيونية منذ البداية وتحت سيطرة احزاب اليسار على محو الملامح اليهودية للامة اليهودية الاوروبية التي انبثقت في إسرائيل، واخضاعها لملامح اوروبية ومن ضمنها يمكن ذكر: العلمانية، طريقة سياسية اوروبية، ايديولوجيا اشتراكية، روك انجليزي، جنس، تطور تكنولوجي.
اذن كيف وصلنا من هنا لوضع يحتاج إلى الموافقة على الهوية اليهودية والذي هو يحدد نتائج الانتخابات؟ الامة اليهودية الاوروبية التي وضعتها الصهيونية كانت بحاجة إلى مواطنين، على اساس الجوهر الحقيقي للحركة الصهيونية – الاندماج بالشعوب الاوروبية، كان من الصعب دفع الجماهير الغفيرة الوصول لإسرائيل. لذلك قدمت الصهيونية نفسها على انها حركة يهودية، وهكذا ايضا قامت بتسويق الدولة ليهود العالم. وعندما وصل المهاجرين اليهود إلى شواطئها تملأهم الغبطة والانفعال والامل بتحقيق حلم الانبياء واقامة البيت الثالث، فان تهميش اليهودية برز بوضوح، وطلب منهم التنازل عن الملامح اليهودية الخاصة بهم، وحتى اليوم هذا ما يطلبه اليسار الصهيوني من الشعب الجالس في صهيون، والذي يتألف بمعظمه من احفاد اولئك المهاجرين الذين وصولوا إلى هنا بالذات من أجل الاحتفال بيهوديتهم.
هذا الكذب الصهيوني المقدس يظهر اليوم ايضا التوتر بين الطريقة التي تسوق فيها إسرائيل نفسها ليهود العالم، كدولة يهودية، وبين الطريقة التي تتصرف فيها فعليا من قبل الطليعة الصهيونية، هذه الطليعة التي فقدت رسميا السلطة الا انها تعطي الاهمية لموضوع الثقافة والاقتصاد والتعليم – تسوق إسرائيل على انها دولة اوروبية، وتقبل قدر بسيط ومفروض عليها ثقافة يهودية – وهذا يجد تعبيره بالفصل بين الثقافة العبرية والثقافية اليهودية ـ هذا ما يبعد الشعب عن المعسكر الصهيوني الذي يمثله.
لقد كان مناحيم بيغن الذي أعلن عام 1977 «كلنا يهود» في الوقت الذي طالب يتسحاق بن اهارون بتغيير الشعب. وكان المؤرخ والبروفيسور بن تسيون نتنياهو أبو بنيامين نتنياهو هو الذي سخر حياته للبحث في تاريخ يهود اسبانيا.
وهذا الاهتمام النابع من القلب أثر على ابنه وعلى الحركة التي يتزعمها بالقدر الذي تبدى بتحذيرات اندفاع العرب إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الاخيرة.

هآرتس

حرره: 
م . ع
كلمات دلالية: