الاتفاق وخطوطنا الحمراء

الاتفاق النووي

تغيرت السياسة الأمريكية نحو اعتراف بإيران نووية وعلى إسرائيل الاستعداد لذلك

بقلم: يعقوب عميدرور

الاتفاق بين إيران والخمسة + واحد وصف بالتاريخي من قبل الرئيس الأمريكي اوباما. وكسيء من قبل رئيس حكومة اسرائيل نتنياهو. استنتاجي هو أن كلاهما محق: هذا اتفاق يغير مكانة إيران مقابل تبطيء مؤقت للبرنامج النووي ـ ومن هذه الناحية هو تاريخي. الاتفاق يعطي إيران مكانة رسمية كدولة عظمى اقليمية، ويعطيها موافقة كدولة حافة نووية بحيث تكون هي فقط من تقرر متى تحقق ذلك ـ ومن هذه الناحية هو سيء.

الولايات المتحدة غيرت سياستها خلال المفاوضات. لقد انتقلت من المطالبة بتجريد إيران من قدراتها لانتاج السلاح النووي إلى تفاوض حول تقييد القدرات واسلوب الاشراف عليها وعلى الفترة الزمنية للرقابة والقيود التي ستفرض على إيران. الاتفاق يشير بصورة واضحة إلى أن الولايات المتحدة سلمت فعليا بكون إيران في المستقبل ستكون دولة ذات قدرات نووية عسكرية، وأنه في نهاية فترة الاتفاق لن يكون هناك أي سبيل لوقف إيران عن تحقيق هذه الامكانية.
اوباما نفسه، وقبل أن يوضح المتحدثون باسمه أنه أُسيء فهمه، قال ذلك للاذاعة الرسمية في الولايات المتحدة. ايضا لو لم يكن هذا قصده منذ البداية فان أقواله تُظهر قبل التعديل، الوقائع التي خلقها الاتفاق، اذا تم الاتفاق والتوقيع عليه. هناك ثلاثة احتمالات في المستقبل بخصوص الاتفاق وتطبيقه. الاول، أن ييأس الإيرانيون أو يتنازلوا بارادتهم عن الخيار المعطى لهم في نهاية الاتفاق ولا يقوموا بانتاج السلاح النووي. هناك في الادارة من يفكرون بأن هذا هو الخيار الحقيقي، وأن تعزيز المعتدلين في اوساط النظام الإيراني بمجرد التوصل إلى اتفاق ـ سيؤدي إلى تغيير داخلي في إيران، وهي ستعتدل في مواقفها بشكل عام وفي الموضوع النووي بشكل خاص.
الاحتمال الثاني، سيُكمل الإيرانيون باخلاص وبحرص فترة الاتفاق ويبنون اقتصادهم ويحسنون مكانتهم الاقليمية ويعززون حلفاءهم في حزب الله وآخرين ويعمقون خبرتهم النووية. وبعد نهاية الاتفاق وعندما يقررون ذلك يعودون إلى البرنامج النووي العسكري بقوة أكبر.
خلال المفاوضات حاولت الولايات المتحدة اطالة فترة التأجيل لتحقيق القدرات الإيرانية. وحسب ادعائها على فرض أن إيران تحرص على الاتفاق فانه بالفعل يعطي فترة زمنية، نحو عقد على الاقل. مبرر الادارة الأمريكية لاكتفائها بالتأجيل المؤقت هو أن بديل الاتفاق عملية عسكرية لن تحقق (حتى) تأجيلا مشابها في الوقت ـ ولهذا فان الاتفاق أفضل.
الاحتمال الثالث، أن ينتظر الإيرانيون الساعة المناسبة ويخرقوا الاتفاق. من شبه المؤكد أن يقوموا بذلك فقط بعد رفع العقوبات وبعد أن تستثمر دول كثيرة في إيران وتكون لها مصلحة في عدم المس بشريكها الاقتصادي المهم. يؤكد الأمريكيون أن الاتفاق سيعطي لهم سنة من اجل تعقب الخرق والرد عليه، ولهذا فانهم سيستخدمون نظام رقابة مشدد وفعال جدا.

شرق أوسط جديد وعنيف

هل هذا الاتفاق يضمن ولو بدرجة ما أن تغير إيران سياستها وتبتعد عن أحلامها النووية؟ يبدو أن العكس هو الصحيح. الاتفاق سيؤدي في المدى المتوسط إلى تعزيز رغبة إيران في تحقيق الامكانية التي أعطاها الاتفاق شرعية. الأمل أنه بسبب الاتفاق ستحدث تطورات ايجابية في إيران ـ ليس له ما يستند اليه. بقدر فهمنا فان الرئيس حسن روحاني ايضا يرغب في القنبلة النووية. بالفعل، النقاش الدائر في اوساط القيادة الإيرانية هو حول الاسلوب فقط وليس حول الهدف النهائي. فقط عدم فهم عميق للنظام الإيراني يمكن أن يؤدي إلى الاستنتاج بأن الاتفاق سيقلل الرغبة في الوصول إلى القنبلة، التي ستغير قواعد اللعب.
هل حقا لا يوجد بديل عسكري يؤدي إلى تأجيل أطول من الاتفاق؟ إنه في اعتراف اوباما نفسه فان الولايات المتحدة طورت السلاح الذي يستطيع أن يضر كثيرا بالمنشآت النووية الإيرانية. الادعاء بأن أي قصف يؤدي إلى تأجيل قصير جدا، هو ادعاء خاطيء، والخطأ ينبع من أن الحساب الأمريكي الذي يبدو أنه مهنيا، هو حساب تقني فقط.
هو لا يأخذ في الحسبان تأثير الهجوم الناجح على استعداد النظام لاعادة الاستثمار في المشروع، الذي تبين أن بالامكان تدميره في بضع ليالٍ (هذا هو الوقت اللازم للولايات المتحدة لتدمير المنشآت النووية). حسب تقديري فان إيران الواقعة تحت عقوبات تزداد شدة، لم تكن لترجع حالا إلى المشروع النووي، لو كان قد دمر في القصف الأمريكي.
اضافة إلى ذلك، في الواقع كان سيتضح أن قدرتها على الرد على عملية كهذه باستثناء استخدامها لحزب الله، محدودة جدا، وايضا هذا المعطى كان سيؤثر على حساباتها. إن عملية أمريكية كانت ستعطي تأجيلا أطول بكثير من سنوات معدودة، ولكن بامكاننا تفهم لماذا الولايات المتحدة غير مستعدة لأن تتحمل المخاطرة الموجودة في عملية عسكرية. على كل الاحوال، الحقيقة يجب أن تقال ـ الولايات المتحدة تستطيع أن توقف بالقوة المشروع النووي الإيراني، وهي لا تريد. ايضا الادعاء بأنه استنادا للاتفاق يكون هناك ما يكفي من الوقت لتعقب الخروقات الإيرانية والرد عليها، لا يستند إلى أساس قوي. الإيرانيون ليسوا أغبياء. هم لن يكسروا بصورة واضحة وفظة ما تم الاتفاق عليه. سوف «يزحفون» بصورة تُمكن من تقدمهم نحو القنبلة، ولكن هذا لن يكون واضحا تماما. المعلومات الاستخبارية التي ستتوفر بعد الاتفاق ستكون أقل جودة، لأن الولايات المتحدة ستفرض على نفسها قيودا بخصوص العمليات الاستخبارية النابعة من أن إيران لم تعد عدوة بعد الاتفاق لكنها دولة توجد معها علاقات وأمل بتحسينها.
عندما تبدأ المعلومات غير الواضحة في الوصول فلن يسارع أحد إلى الاعلان أن الاتفاق فشل، بل بالعكس. إلى حين أن يتضح الامر وتقوم الولايات المتحدة بالاستعداد للرد، سيمر معظم السنة التي ظاهريا مضمونة في الاتفاق، وايضا حينذاك لن يكون بالامكان اعادة العقوبات الدولية، وكل اسباب عدم الهجوم ستكون أقوى.
الهدف الذي وضعته الولايات المتحدة لنفسها خلال تلك السنة هو: تعقب الخروقات، وفهم ماذا يفعل الإيرانيون والرد بعقوبات اقتصادية أو بعملية عسكرية، الهدف لن يصمد أمام امتحان الوقائع لقضم الاتفاق. الإيرانيون أذكى من أن يخطئوا خطأ كبيرا في هذا المجال. إنهم يقومون بذلك منذ عشرين سنة. بعد الاتفاق سيكون من الأسهل عليهم «خداعنا» لأنه سيكون من الأسهل شراء اكاذيبهم بدلا من الاعتراف بخطأ تاريخي والقيام بعملية عسكرية.
اضافة إلى ذلك، سيكون للاتفاق تأثير كبير على المجال. من المعقول أن الاتفاق سيؤدي في المدى المتوسط (خلال بضع سنوات) إلى سباق تسلح نووي في كل الشرق الاوسط السني. وفي المدى القريب سيؤدي إلى سلوك عدائي أعنف لإيران وحلفائها (حزب الله والحوثيون وبشار الاسد وحماس على سبيل المثال). وفي المدى البعيد من شأن نتائج الاتفاق أن تؤدي إلى انهيار ما بقي من الاستقرار في المنطقة. الصراع الشيعي ـ السني سيأخذ أبعادا جديدة ومروعة، وستكون المنطقة عنيفة ونووية أكثر (المرشحة لعملية شراء قدرة نووية هي السعودية، مصر وتركيا). وعندما تحين الساعة المناسبة ستحاول إيران تحقيق تفوقها الاقليمي الذي وضعته الولايات المتحدة في يدها بمعرفتها المؤكدة بأن الاقوال الأمريكية بأن كل الخيارات موضوعة على الطاولة ـ هي اقوال جوفاء.

قرار صعب

الانجاز الأمريكي المهم في المفاوضات هو كما يبدو موافقة إيرانية لاخراج كل المادة المخصبة الموجودة الآن لديها (أو التي ستكون في المستقبل) من حدود إيران (باستثناء كمية رمزية تقدر بـ 300 كغم). من المهم التأكد من أنه بالفعل يوجد لدى الولايات المتحدة تعهدا كهذا، وأنه سيتم تنفيذه. الفجوة بين القدرات الكبيرة على التخصيب التي بقيت في يد إيران (نحو نصف اجهزة الطرد المركزي العاملة لها، أكثر من 5 آلاف) وبين كمية المادة المخصبة التي ستكون لديها بالفعل، هي مفتاح الاتفاق، حسب وجهة النظر الأمريكية.
ولكن بالنسبة للمدى البعيد فان اجهزة الطرد المركزي أكثر اهمية من المادة التي ستخرج من إيران، لأن الاتفاق مقيد بزمن، واجهزة الطرد المركزي ستُمكن من العودة إلى تخصيب سريع في اللحظة التي تريد فيها إيران ذلك. في المقابل، الموافقة الإيرانية على التنازل عن مفاعل البلوتونيوم هي هامشية. المفاعل ليس جاهزا، ومنشأة الفصل لانتاج البلوتونيوم ما زالت في طور التخطيط فقط، وهكذا كان من السهل على الإيرانيين التنازل عم لم يكن لديهم.
بين الولايات المتحدة واسرائيل ودول المنطقة توجد فجوة أساسية تتعلق بمغزى الزمن. بالنسبة لقادة منتخبين لفترة ولاية محددة فان عشر سنوات من التأجيل هي فترة طويلة جدا. مقابل ذلك، بمشاعر الأمم بخصوص الأمن القومي أو لزعماء ذوي نظرة استراتيجية فان عشر سنوات هي وقت قليل. الاتفاق الذي يتبلور سيُمكن إيران من البدء في العمل بسهولة أكثر لشراء قدرة لاعداد سلاح نووي لما بعد العشر سنوات، وهذا زمن قصير جدا. بالفعل وقبل أن يوضح الإيرانيون بأنهم يفهمون الاتفاق بصورة مختلفة، فان الحديث بصورة فعلية يدور حول اتفاق هدفه كسب الوقت، بحيث يكون الثمن هو الاعتراف بإيران نووية في المستقبل. هذا ثمن غير ممكن من جهة اسرائيل ودول اخرى في المنطقة.
اذاً ما البديل؟ حسب رأيي المتواضع، كان من الواجب مواصلة نظام العقوبات وزيادة شدتها، وفي نفس الوقت التوضيح بصورة جلية أن هناك خطوط حمراء في عملية بناء القدرات الإيرانية، اذا تم اجتيازها ـ فان الولايات المتحدة ستستخدم قوتها. الإيرانيون الذين كانوا متعبين من العقوبات كانوا سيكونون حذرين جدا من اجتياز تلك الخطوط. فقط بهذا كان بالامكان جعل إيران تتنازل عن البرنامج النووي، وفي الاساس لو كان التهديد العسكري مستندا إلى أساس. ولكن على ضوء الوضع الذي نشأ بعد أن الولايات المتحدة، وخلافا للسياسة التي أعلنت عنها في بداية المفاوضات، وصلت إلى اتفاق لا يجرد إيران من قدراتها، يجب التفكير بمفاهيم اخرى. اذا تم توقيع اتفاق مفصل على اساس المباديء التي نشرت ـ فان القرار الاسرائيلي يجب أن يكون في مجال آخر. البدائل ستكون مقلصة جدا: هل سنتعايش مع الاتفاق ـ أي الاستعداد لفترة تكون فيها إيران نووية ومحاولة ردعها. أو خلافا لموافقة العالم، محاولة أن نوقف بالقوة الإيرانيين. البدائل ليست جيدة والقرار صعب.

إسرائيل اليوم 

 

حرره: 
م.م