ساعة النووي لا تتكتك

البرنامج النووي

بقلم: تسفي بارئيل

«توجد ميزة واحدة لامتداد المحادثات بين إيران والقوى العظمى. فطالما كان الرفاق يجلسون في الفندق في لوزان، فان أجهزة الطرد المركزي لا تنتج اليورانيوم المخصب»، كتب صحافي إيراني في رسالة الكترونية لـ «هآرتس». «ولكن طالما استمرت المحادثات، فان حساب نفقاتي في السوبرماركت يتضخم. الارز يكلف 2 دولار للكيلو منذ الان، الكولا تكلف نصف دولار للقنينة وعلى خدمات الكهرباء والماء أدفع أكثر من 50 دولار في الشهر». ولحظه فانه يسكن في بيت يملكه ولا يدفع ايجار شقة، قد يصل في القسم الغالي من طهران  إلى أكثر من 1.500 دولار في الشهر.
وحسب تقديرات مؤسسات مالية في إيران، ففي السنة الاخيرة ارتفع غلاء المعيشة باكثر من 30 في المئة والتضخم المالي يبلغ نحو 17 في المئة. وكتب الصحافي يقول ان «استطالة المحادثات زائدة. فنحن نشعر بان الخلاف بين النظام والقوى العظمى لم يعد على عدد أجهزة الطرد المركزي او كمية اليورانيوم المخصب، بل على المكانة.
هذا وضع خطير تقرر فيه قيادتنا عنا ما هي الكرامة الوطنية وماذا سيعتبر انتصارا وطنيا في المفاوضات، ولكن باليورانيوم لا نشتري في البقالة». وبالفعل، عندما شرح وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، أول أمس في لحظة غضب بان «على الامريكيين ان يتخذوا قرارا سياسيا وان إيران قدمت التنازلات السياسية اللازمة وحان الان دور الطرف الاخر». وقد أوضحت نبرته الضغط الذي يتعرض له من خصومه في طهران.
وعلى نحو مفعم بالمفارقة، فان وضع ظريف يشبه وضع جون كيري. بانتظارهما الاثنين مواجهة عنيدة مع برلمان وكونغرس كديين يلوحان بالعصي من فوق الرؤوس. في واشنطن قد يحطم الكونغرس بوابات ساحة المصارعة ليفلتوا ثور العقوبات، بينما في طهران ينتظر الحرس الثوري والشيوخ المتطرفون كي يلطخوا الرئيس حسن روحاني بالزفت والريش.
ان الخطاب العام في إيران يشبه الخطاب العام الذي يدور في اسرائيل: هل الاتفاق جيد أم سيء؟ هل نوقع على الاتفاق الذي هو اقل جودة لإيران ام نترك طاولة المباحثات؟ ولكن هذا بالاساس خطاب النخب الذي يتبادل فيه الحرس الثوري الضربات مع النظام الذي لا يخشى او يتردد من رد الحرب بالمثل. وبالتوازي، تسمع اصوات من البرلمان الإيراني تطالب، مثلما في مجلس النواب الامريكي بان يؤتى بالاتفاق لاقرار البرلمان. ومن هنا القلق المزدوج لظريف وكيري حين يكون كل منهما مطالبا بان يحقق نتاجا يمكنه ليس فقط أن يقف فيه امام برلمانه هو بل وايضا امام خصمه، مثلما تقف امام اوباما وكيري جبهة جمهورية، فان روحاني يكافح ضد جبهة الحرس.
قبل نحو عشرة اشهر وصف روحاني الحرس الثوري دون أن يذكر اسمه كـ «اخواننا المهربين» و «الابطال الفاسدين». في نيسان الماضي شدد روحاني على أن «الجيش الإيراني هو المخول بالدفاع عن حدود الدولة» ـ الجيش الإيراني وليس الحرس الثوري. وعلى ذلك رد عليه محمد فكفور، مندوب خامينئي في الحرس الثوري بان «يوجد من يتلقون أوامرهم من جهات أجنبية.
هذه تهمة توجه كثيرا لروحاني، الذي يصفه خصومه كمن يخدم مصالح الولايات المتحدة. وعندما اشتعل الانتقاد ضد المفاوضات فقد روحاني صبره واعلن لخصومه «يمكنكم أن تذهبوا إلى الجحيم، حيث ستجدون مكانا دافئا ومريحا. الله خلقكم جبناء». ما يخفى في هذه الادعاءات هو أن الانتقاد على روحاني في الموضوع النووي هو ايضا انتقاد ضد خامينئي الذي منح حتى الان اسنادا كاملا للفريق المفاوض. وهنا يكمن الفخ الذي يوجد فيه الزعيم الاعلى: فقد اتخذ القرار ببدء المفاوضات على النووي مباشرة مع الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت عليه أن يعرض انتصارا يحافظ على شرعيته امام المحافل الراديكالية ولا يحدث شرخا مع الحرس الثوري. وبالتالي، على خامينئي أن يسير بحذر بين مصالح الحرس، ولا سيما تلك الاقتصادية، وبين ما يصفه كـ «مصالح إيران» ـ الحفاظ على طريقة النظام التي يمكن للاتفاق أن يضمنها.
المفارقة الاخرى هي أن للحرس الثوري مصلحة في رفع العقوبات وذلك لانه رغم أنهم يسيطرون على اكثر من نصف الاقتصاد الإيراني من خلال مشاريع مدنية تحت سيطرتهم ـ مثل المطار وقسم من منصات النفط ـ فان العقوبات تعرقلهم جدا في تحقيق الطاقة الاقتصادية الكامنة لهذه المشاريع. وبالمقابل، فان مالهم الكبير نجحوا في جمعه بالذات في فترة العقوبات تحت رئاسة احمدي نجاد، حين نجحوا في تسويق النفط بوسائل تلتف على العقوبات وجني الارباح المباشرة إلى جيوبهم.
ان رفع العقوبات سيفتح مسارات التجارة الحرة للنفط وغيره من البضائع، قنوات الدفع والربح ستصبح علنية وستكون تحت رقابة حكومية، استيراد البضائع قد يسلم إلى جهات تجارية خاصة لا ترتبط بالحرس الثوري، وكل هذا حين يكون على رأس الدولة روحاني، خصمهم السياسي. من هنا ايضا الاهمية الكبرى التي توليها إيران للجدول الزمني لرفع العقوبات.
وحسب جدول المواعيد، فمخطط التوقيع على الاتفاق النهائي حتى نهاية شهر حزيران. بعد سبعة اشهر من ذلك ستجرى الانتخابات للبرلمان وبعد سنة الانتخابات للرئاسة. اذا ما نفذ هذا الجدول الزمني، ستبقى لروحاني فترة زمنية طويلة ما يكفي حتى الانتخابات للبرلمان كي يثبت بان المسار الدبلوماسي الذي اختاره يحقق منفعة اقتصادية كبيرة للدولة. صحيح أن مبنى النظام في إيران يسمح للجنة حفظة الدستور ترتيب المواعيد وتحديد تشكيلة البرلمان بالتالي، ولكن في الصراع السياسي المرتقب فان الاتفاق النووي والتحسن الكبير في الوضع الاقتصادي سيخدم حركات الاصلاح جيدا.
امام المرابح السياسية التي سيحققها الاتفاق لروحاني يسعى الان الحرس الثوري إلى تعزيز مكانته في الجبهة العسكرية في الساحة العربية. وفي الاشهر الاخيرة تمتلىء وسائل الإعلام المقربة من الحرس بالتقارير من العراق، سوريا واليمن. وفيها جميعها يوصف عمل قائد قوة القدس قاسم سليماني. صورته وهو يتحدث، يتعانق او يوجه المقاتلين العراقيين والسوريين تزين الصفحات الاولى في الجرائد، وكل يوم ينشر نبأ عن انتصارات الحرس في الحرب ضد داعش.
المثير للاهتمام هو أن حرب الحرس ضد داعش بالذات تجعلهم ظاهرا حلفاء الولايات المتحدة والتحالف العربي، ذات التحالف الذي يحظى بالشتائم حين يقاتل ضد الحوثيين في اليمن. ورغم التناقضات، فان الدور العسكري للحرس في الساحة العربية يحفظ مكانة إيران كصاحبة القوة الوحيدة في المنطقة التي يمكنها أن تحل النزاعات بشكل لا يسمح للقوى العظمى العربية بتجاهلها. وهكذا، حتى لو وقع الاتفاق النووي، فان إيران لن تنزل عن جدول الاعمال الدولي والاقليمي. ولكن كي تتمكن من ان تحتفظ بهذه المكانة فانها تحتاج إلى مصادر تمويل جديدة. خط الائتمان غير المحدود لسوريا، تمويل الحوثيين في اليمن، صيانة حزب الله والاستثمارات في الباكستان وافغانستان، تستنزف دم الصندوق القومي الذي يعيش على أي حال في أزمة عميقة.
وبالتالي فان رفع العقوبات لن يعيد بناء الاقتصاد الإيراني فقط، بل وسيضع تحت تصرف الدولة الرافعة المالية اللازمة لها كي تنفس السعودية ودول الخليج في ساحات النزاع المختلفة. هذه الاعتبارات تدعم هي الاخرى الاسراع في الوصول إلى الاتفاق، ومن هنا التنازلات التي اقترحتها إيران والتي دفعت حتى فرنسا إلى الاعتراف بانه تبقت «أمتار قليلة» حتى الاتفاق.

هآرتس

 

حرره: 
م.م