سوريا وتحولات المعركة

معارك سوريا

بقلم: تسفي برئيل

 

في هذا الاسبوع تكون قد انقضت اربع سنوات على الحرب في سوريا. مثلما في الحرب العالمية الاولى فان عد الجثث بدأ يُظهر نقاط تشابه مشتركة. نحو 300 ألف قتيل، أكثر أو أقل قليلا، ونحو 4 ملايين لاجيء، مليارات الدولارات مفقودة تحت الانقاض، لكن من سيعد ومن يهمه طالما أن هذه الحرب يُنظر اليها على اعتبارها حربا مستعصية وليس لها حل. من المشكوك فيه اذا كان الرقم الذي نُشر من قبل وكالة غوث اللاجئين التابعة للامم المتحدة والذي حسبه فان متوسط العمر في سوريا انخفض بحوالي 25 بالمئة، من 75.9 سنة إلى 55.7 سنة، مشكوك فيه أن هذا الرقم سيحظى بأكثر من الثرثرة.

من يريد رسم خريطة السيطرة في سوريا سيجد نفسه متعبا ازاء عدد المليشيات والعصابات وقوات النظام والمقاتلين الاجانب والمحليين الذين يسيطرون على مناطق مختلفة من الدولة. في هذا الاسبوع تفاخر مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين همذاني، بأن «القادة الإيرانيون حرروا أكثر من 85 بالمئة من المساحة التي كانت تحت سيطرة المتمردين». قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة تقول في المقابل في تقاريرها أنها نجحت في المس بالبنية الاقتصادية لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، الاكراد يتحدثون عن سيطرتهم من جديد على عشرات القرى التي تم احتلالها من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، لكن المتمردين «الجيدين» مثل الجيش السوري الحر، على وشك التفكك، المعارضة السورية تحتج على غياب مساعدة الغرب، ولا يستطيع أحد أن يعرف متى ستبدأ عملية سياسية تقود إلى الحل. من عملية محلية صغيرة بدأت في آذار 2011 إلى قمع وحشي للمظاهرات في محافظة درعا على الحدود مع الاردن، اندلعت حرب حولت سوريا إلى ساحة حرب استراتيجية تحارب فيها دول عظمى غربية وعربية ليس فقط على استمرار وجود نظام الاسد أو على تنحيته، بل على السيطرة والتأثير أمام إيران وروسيا. شبكة علاقات مثل الموجودة بين تركيا والولايات المتحدة وبين الدول العربية والولايات المتحدة والسعودية، مرت بهزة كبيرة، حيث أن تنظيم الدولة الإسلامية أزاح القاعدة عن المنصة، والنزاع الاسرائيلي الفلسطيني أصبح في المؤخرة.
قبل نحو اسبوع نشرت الصحيفة السعودية «الشرق الاوسط، التي يملكها فيصل ابن الملك سلمان، تقريرا عن سيطرة حزب الله على مركز دمشق. «دمشق القديمة تحولت إلى معقل لحزب الله». هذا عنوان التقرير الذي وصف كيف وضع مقاتلو حزب الله الحواجز في الطرق ونصبوا البوابات الحديدية في مداخل الشوارع التي يسكن فيها العلويون. رجال حزب الله يقومون بفحص الداخلين والخارجين ويسمحون أو يمنعون دخولهم، يمنعون السيارات والدراجات من الدخول إلى هذه الشوارع، واضافة إلى ذلك يشرفون على الشوارع التي يسكن فيها مسيحيون ومسلمون سنيون. حسب التقرير تحول مركز دمشق إلى ما يشبه حي الضاحية في جنوب بيروت الذي يعتبر معقل حزب الله.
تصرفات حزب الله لا تختلف عن تصرفات تنظيم جبهة النصرة الذي يعتبر فرعا عن القاعدة، في المناطق التي يسيطر عليها. هنا ايضا المليشيات الراديكالية تدير الخدمات البلدية، المحاكم والمدارس بواسطة مواطنين محليين، تماما كما يدير الجيش السوري الحر الحياة المدنية في مناطقه، أو كما تدير المليشيا الشيشانية، التي تعتبر فرعا من تنظيم الإرهاب الشيشاني، مناطق قرب مدينة اللاذقية في شمال غرب سوريا. تنظيم الدولة الإسلامية ما زال يسيطر على أجزاء كبيرة من المناطق الشمالية الشرقية لسوريا، حيث توجد المنطقة الكردية السورية التي أعلنت عن حكم ذاتي فيها وتتصرف وكأنها دولة مستقلة مع قوة عسكرية خاصة بها، والنصرة ما زالت موجودة في قائمة المنظمات الإرهابية لدى الولايات المتحدة.
لكن الصورة الشاملة هذه هي فقط في بداية الصراع السياسي والاستراتيجي بين الدول المحيطة بسوريا. حيث أنه لكل مليشيا هناك دولة حماية تقوم بتمويلها وتسليحها وبواسطتها تصبح ذات شأن وقوة في الساحة الدولية. إيران على سبيل المثال لا تكتفي بفتح خط اعتماد غير محدود للنظام السوري أو بتجنيد حزب الله في خدمة الاسد. جنود وضباط الحرس الثوري يشاركون بصورة فعلية في ادارة المعارك. صور القائد الاعلى لإيران، علي خامنئي، والقائد الاعلى السابق، الخميني، تحولت إلى بوسترات ضخمة مرفوعة في شوارع المدن والقرى التي يسيطر عليها حزب الله. كما أن تخطيط عمليات الجيش السوري يتم بالتنسيق الكامل مع الضباط الإيرانيين الذين يوافقون على أو يرفضون العمليات.
في الآونة الاخيرة تم نشر تقارير تقول إن قطر تحاول تشجيع جبهة النصرة على الانفصال عن القاعدة والعودة لتصبح مليشيا مستقلة حتى تستطيع الانضمام إلى المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة ودول الغرب. السعودية تدعم الجيش السوري الحر لكنها تدعم ايضا مليشيات دينية معارضة للاخوان المسلمين.
في الدائرة الابعد، توجد روسيا والولايات المتحدة اللتان تبدو الفجوة بين مواقفهما تجاه الاسد غير قابلة للجسر. روسيا تحاول تحريك عملية سياسية تشارك فيها المعارضة السورية وممثلو النظام، في حين أن الولايات المتحدة ما زالت تتمسك بموقفها القائل إنه طالما أن الاسد في الحكم فليس هناك مكان للحوار مع النظام. لكن هذا الموقف لا يقف على ارض صلبة. عدد من منظمات المعارضة مستعدة لاجراء الحوار مع ممثلي النظام بدون تنحية الاسد كشرط مسبق. في السعودية ينشغل المحللون في موضوع هل سنزيل تنحية الاسد عن الاجندة من اجل ايجاد حل للازمة أو نستمر في السياسة السابقة للملك عبد الله، الذي وقف إلى جانب التنظيمات التي تطالب بازاحة الرئيس.
هذا الاسبوع كتب روبرت فورد، سفير الولايات المتحدة السابق في سوريا ومن الداعمين لازاحة الاسد، مقال في «فورين بوليسي» اقترح فيه التوقف عن المطالبة بازاحة الاسد كشرط مسبق. في سوريا كان هناك من حللوا المقال كارهاص للتغيير في موقف الولايات المتحدة تجاه الاسد. هذا التحليل غير صحيح بالضرورة.
يؤيد هذا الموقف خالد خوجا، زعيم المعارضة السورية الذي قال إن «تدريب 15 ألف مقاتل سوري خلال ثلاث سنوات لا يكفي وغير ذي مغزى». صحيح أن قوات التحالف نفذت نحو 1200 هجوم جوي في الاراضي السورية، وحسب تقدير البنتاغون فان أكثر من 8500 مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية قتلوا نتيجة ذلك، لكن هنا ايضا يكمن أحد نواحي الفشل في السياسة. الحرب ضد الجهاديين تقوي المليشيات الاخرى وهي لا تتضمن برنامجا لانهاء الحرب في سوريا. النتيجة هي أن المليشيات تقرر الوقائع في سوريا وهي التي تملي الخطوات الدولية. هكذا في أحسن الاحوال ستتم هزيمة الجهاديين، وستعود سوريا إلى الواقع الذي كان سائدا فيها قبل عام، وفي اسوأ الاحوال سيتعب التحالف الدولي من الحرب وسيستمر الوضع الراهن النازف ويتم قبول الدولة الإسلامية كجزء من الخريطة السياسية في المنطقة.

 

حرره: 
م.م