المعجزة ... أن يتم العبور المصري بسلام ..!

حتى ساعة كتابة هذا المقال لم يعرف بعد من هو سيكون سيد قصر العروبة بمصر، ولكن ما هو واضح منذ أول أمس الجمعة أن مصر تحبس أنفاسها وتجلس على فوهة بركان على وشك الانفجار في حالة إعلان أحمد شفيق رئيساً لها، ومن الواضح أن الأمور بدأت تسير بهذا الاتجاه، وهذا احتمال وارد، وكنت كتبت في مقال سابق أن هناك قوتين كبيرتين بمصر دفعت كل منهما بمرشح للرئاسة، ومن الواضح أن أياً منهما لن تتنازل للأخرى، ما يعني أن بركان التحريض المنفلت بلا حدود والذي لعب الإعلام المصري الدور الأبرز في إشعاله يجعل مصر الدولة على وشك الانفجار لحظة إعلان النتيجة. تقارب النسب بين المرشحين ربما يبرز حدة الانقسام في الشارع المصري، التعادل هو الحقيقة القائمة مع فوز بسيط لأحد المرشحين، ومن الواضح أن جماعة الأخوان المسلمين التي بدأت بالتحشيد فوراً بعد انتهاء عملية الانتخابات معززة حشدها بإعلان فوز مرشحها وتوزيع كتيب يحمل أرقاما ونتائج، لم تترك مجالا للشك بعدم تسليمها بفوز المرشح المنافس، بل وأعلنت حتى قبل الانتخابات أنها لن تسلم بفوز شفيق.

على الجانب المقابل، من الواضح أن الجيش الذي يشعر بفائض قوة ويعتبر نفسه وريثا للجمهورية منذ ستة عقود ولصراعه التاريخي مع حركة الأخوان المسلمين ربما يجعل من الشك تسليمه بقبول تتويج مرشح حركة الأخوان على رأس السلطة، ما جعل الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد يعتقد بعد أن أعلن الدكتور مرسي مرشح حركة الأخوان عن فوزه أن مصر تسير على الطريقة الجزائرية حين فاز الإسلاميون هناك بالسلطة قبل أكثر من عقدين ورفض الجيش ذلك لتدخل الجزائر في حمام دم راح ضحيته مئات الآلاف. وبالمقابل هل ستسلم حركة الأخوان المسلمين بفوز الفريق شفيق الذي أعلن مناصروه وحملته أنه الفائز وأعلنت قناة "سي إن إن" أمس أنه الفائز بنسبة 50.7% أيضا، فإن ذلك يعتبر انكسار الحلم لحركة تأسست مع نهاية عشرينات القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت تطمح بتسلم السلطة وأمضت معظم تاريخها في الملاحقات والسجون وتأخرت بالوصول للحكم لعقود طويلة، ولم تيأس بالرغم من الثمن الكبير الذي دفعته، ثم أتت لحظة التاريخ التي انتظرتها مطولاً، حيث انفتحت السماء دفعة واحدة لتجد نفسها تقف على بوابة قصر العروبة تتوج نفسها قائدة لمصر، وهي على العتبة الآن وليست مستعدة للتراجع، فالتراجع يعني ضياع الفرصة الوحيدة التي وفرها القدر والتاريخ والعودة ربما لذلك التاريخ الصعب والمظلم وربما للسجون والملاحقة بعد أن كشفت كل أوراقها، وهذا سيكون لعقود طويلة قادمة ولن تتوفر لها الفرصة مرة أخرى، وها هي تمسك بأسنانها بالميدان والشارع ويعلن مرشحها قبل النتيجة بيوم واحد أن الحركة تتخلى عن رئاسة الحكومة التي قدر الجميع في حال فوز مرسي أن مهندس الحركة خيرت الشاطر هو من سيكون رئيس الحكومة القادم ويعلن عن مجلس رئاسة، وهذه لم يقدمها أثناء الدعاية الانتخابية، فلماذا يسارع بتقديم كل هذه التنازلات دفعة واحدة بعد أن أغلق الصندوق ؟؟

من الواضح أن لدى الدكتور مرسي شعورا بأن لجنة الانتخابات ستعلن منافسه الفريق رئيسا لمصر، فما قدمه مرشح حركة الأخوان من تنازلات هو يهدف لكسب تعاطف الشارع المصري والقوى والأحزاب لتقوية موقف رفض إعلان لجنة الانتخابات، وهذا السيناريو خطير بدرجة تهدد استقرار الدولة المصرية إذا ما رفضت الحركة ومعها مجموعة كبيرة من القوى المصرية إعلان ذلك، وقد يأخذ الرفض من قبل الحركة شكلا من أشكال الصدام والذي أيضا ربما يفتح حماما من الدم. خيارات مصر كلها تبدو أشبه بالكوابيس ومصر تحتاج إلى معجزة وعناية إلهية كبيرة لتجتاز الساعات والأيام القادمة بسلام، ويبدو أن العنف هو الصورة الوحيدة التي يمكن توقعها بتشاؤم كبير، فالطرفان متحفزان لمعركة مهدت وسائل الإعلام لها ودلت مسبقا على شراستها، وإمكانيات الطرفين تشي بصعوبة ما هو قادم والاتهامات المتبادلة لا تترك مجالا للشك بغير ذلك، واللغة الصادرة عن حركة الأخوان المسلمين في حال عدم فوزها تعكس الأزمة، ولديها شعور قوي بمنعها من تسلم الحكم، وقد تعزز هذا الشعور بعد حل مجلس الشعب الذي فازت فيه بنسبة 47% لتصبح بذلك القوة التي تتحكم بالقوانين والتشريعات والحكومة، وهذا الشعور بالاستهداف ربما ينتج عنه سلوك أكثر ميلا للعنف السياسي. السؤال الأهم، ماذا سيتبع اعلان النتائج وكيف ستتصرف حركة الأخوان المسلمين ؟؟ سؤال صعب ولكن المؤشرات واضحة، ستندفع بكل قوتها إلى الشارع وكل القوى التي تمكنت من استقطابها وكل المعارضين للنظام العسكري وسيندلع العنف، فالجيش منذ مساء الأربعاء الماضي قد أحكم قبضته على كل مدن مصر ومؤسساتها باستثناء سيناء، وظلت القوات المصرية تتدحرج شمالا حتى قناة السويس التي انتشر جنوبها آلاف الجنود والمدرعات. ... الحلم ألا تذهب الأمور بهذا الاتجاه وليكن عبور مصر الثاني بسلام في الحرب الأخطر .. حرب السلطة ...!