أنصح رئيس الوزراء بالآتي...

يستحق رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض الكثير من الإطراء والتصفيق لجهوده المستمرة في الارتقاء بمؤسسات السلطة الفلسطينية، والأهم خدمة المواطن الفلسطيني عبر مختلف المشروعات المتصلة بتحقيق التنمية المستدامة. قبل الدكتور فياض كان من الصعب جداً على أي مواطن فلسطيني عادي أن يلتقي بالوزراء والمسؤولين أيام "عز" السلطة، لا بل كان يصعب على الموظفين العاملين عند بعض الوزراء آنذاك، الالتقاء بوزيرهم والسؤال عن مقتضيات الوظيفة والحياة العامة. أيضاً قبل تولي الدكتور فياض رئاسة الوزراء، وقبل الانقسام الداخلي وسيلان الدم الفلسطيني، وقبل الحصار الخانق على السلطة الفلسطينية، لم تكن حال المؤسسات آنذاك كما هي اليوم، ويشمل ذلك المؤسسات الحكومية وغيرها من المشروعات الخدمية. نعم، الدكتور فياض يستحق الإشادة وهو أهل لها، ولا ينطوي كل الكلام الذي قيل على تزلف أو مجاملة، إنما هي الحقيقة التي علينا الاعتراف بها، والتعامل معها بموضوعية ومنطقية، فلا ينبغي أن نتمسك بالنقد الجارح لكل من يخالف معتقداتنا الفكرية والسياسية أو حتى من لا يلبي مصالحنا الخاصة. لقد سادت في الشارع الفلسطيني موجة "من ليس معي فهو ضدي"، وهذه للأسف تكرست بعد الانقسام الداخلي والتجاذبات السياسية الحاصلة بين مختلف الفصائل والتنظيمات، إنما هناك الكثير ممن يعملون من أجل القضية الفلسطينية وخدمة الشعب، ومن المهم إعطاؤهم حقهم في الكلام والتقدير والثناء.

أقول ذلك لأنني أشاهد التعليقات الجارحة في الكثير من المواقع الإخبارية والتفاعلية الفلسطينية، التي تطال رموزاً وطنية وسياسية، قد نختلف معها في التوجهات وفي إدارتها للحياة السياسية العامة، لكن ليس أن نلصق التهم بها ونقذفها بأبشع الكلمات التي تسيء لها ولعمرها وعمر نضالها. أستحضر حالة الدكتور سلام فياض في هذا المقال، ليس إلا لكونه يعمل بجهد وحرص كبيرين، لتثبيت وتعزيز السلطة الفلسطينية على الأرض، وتقوية مؤسساتها، وإقامة وتوسيع المشروعات الخدمية لتصل إلى كل مواطن ولو كانت بحدودها الدنيا. الدكتور فياض وإن لم يمتلك كاريزما الخطابة كحال الكثير من الزعماء الذين لا يبدعون سوى في هذا المجال وفقط، نقول إن الدكتور فياض ترجم أقواله إلى أفعال، وكم نسمع عن المشروعات التي يفتتحها في الضفة الغربية، وعن أخرى قيد الإنشاء.

حتى أنه ينزل إلى الشارع باستمرار، ويبقى على مسافة جيدة مع المواطن الذي يسمع رأيه عبر اللقاءات والمواقع الإخبارية والإذاعية والتلفزيونية، وحتى عن طريق المواقع التفاعلية الإلكترونية، وهذا دليل على حرصه على التواصل والتفاعل مع الجمهور الفلسطيني. لست وحدي من يتغزل بالدكتور سلام فياض، بل هي المؤسسات الدولية أيضاً التي أشادت بدوره في تدعيم مؤسسات السلطة وقيادتها نحو الدولة المستقلة، وهناك الكثير من المواطنين الذين يعترفون بهذا الدور المهم، ويلمسونه في الحياة اليومية، وعلى النقيض تماماً، سنجد حتماً من يقلل من المنجزات والمكتسبات التي حققها الدكتور فياض. لكن حتى يتعزز هذا الدور ويصل إلى درجة كبيرة من الرضا الشعبي، أقترح على رئيس الوزراء بعض الملاحظات، لعلها تخدم المشروع المؤسساتي وتؤكد على الثقة التي يضعها الجمهور الفلسطيني بالمهمة الصعبة التي يقوم بها الدكتور فياض. أولى هذه الملاحظات، تتصل بأهمية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، إذ قد نجد مسؤولاً مهماً وفي غاية الاحترام، لكن البطانة التي حوله تسيء إلى دوره ولا تخدم مشروعه التنموي، وأقصد بذلك أن على رئيس الوزراء أن يحرص على اختيار موظفي الدرجات العليا وفق معايير واضحة ومحددة، ولا تستند إلى المجاملة وملء الفراغ الوظيفي. ثانيها: من الوسائل الفعالة لخطاب الجمهور تلك المتعلقة بخطاب الجيب، فكلما تم استيعاب العاطلين عن العمل، ودمجهم في مؤسسات حكومية وحتى شبه أو غير حكومية؛ زادت نسبة الرضا من قبل الجمهور، وعلى أن لا يؤثر ذلك على الموازنة العامة للسلطة والحكومة. ليس بالضرورة أن يتم دمج جميع العاطلين عن العمل في أجهزة السلطة الرسمية، إنما يمكن عمل مشروعات خدمية تخص السلطة، وعلى أن يتم تفريغ وتشغيل نسبة من العاطلين عن العمل، بغية الحد من البطالة.

ثم إن هناك من يزاوج ويثالث وربما يرابع في وظائف مختلفة، إما في إطار المؤسسة الرسمية والتنظيم أو خارجها من المؤسسات والجامعات، وهذه إنما تؤثر سلباً على حجم الكعكة التوظيفية العامة، لأن الموظف بذلك يكون قد حرم أكفاء ومواطنين من شغر تلك المناصب. ثالثها: إذا كان من الممكن توظيف عاطلين عن العمل بالموازنة المقرة نفسها حالياً، فأقترح هنا أن يتم إعادة النظر برواتب الوظائف العليا، إذ يكفي حصول الموظفين الكبار على الراتب على سبيل المثال، دون الحاجة إلى إضافة نفقات تتصل بامتيازات ومكافآت ومغريات أخرى. ألسنا في مرحلة تحرر وطني لا تتفق والحياة البرجوازية المستقرة. في الإطار نفسه، أيضاً، يمكن مراجعة ملف المنتسبين والعاملين في الوظائف المدنية والعسكرية، حيث إن هذا التضخم الوظيفي الذي انعكس سلباً على الموازنة العامة للسلطة، يتزايد مع تعيينات محدودة لمن يمتلكون صلاحيات الواسطة لتوظيف الأبناء والأقارب.

هنا لابد أن يستند التوظيف إلى معايير الكفاءة والمهنية العالية، وأن يظل محصوراً بالحدود الممكنة والمقبولة. إن ملف المنتسبين والموظفين يحتاج إلى جرد حساب كبير، والحقيقة أنه في السنوات الماضية تأثر هذا الملف بأجواء الانقسام الداخلي، وخسر الكثير من الموظفين وظائفهم بسبب التجاذبات السياسية، إنما من المهم إعادة النظر في مختلف الوظائف التي يحصل فيها الموظفون على رواتب وهم خارج بلدانهم، والأنكى أن جزءاً منهم يعمل في وظائف بمؤسسات الدولة التي يقيم فيها، وراتبه يصرف من السلطة كل شهر بشهره.

سواء في الإجازة التي قضيتها في غزة أو حتى في الإمارات مقر إقامتي، استمعت إلى حالات تعمل في السلطة وتتلقى الراتب الشهري وهي خارج البلاد، وهناك من يكملون دراساتهم، والجزء الآخر يعمل في وظيفة أخرى. وهذا يقودني إلى الملاحظة الرابعة المتعلقة بضرورة محاربة الفساد، حتى لو كان الوزير فاسداً فإنما على الحكومة أن توقفه والعدالة أن تأخذ مجراها لتقرر مصيره، وأشد على يد رئيس الوزراء في أن يردع الفاسدين، لأننا والحقيقة نعاني من قلة الاهتمام في التعامل مع هذا الملف الحساس. الملاحظة الخامسة تقود إلى ضرورة مواصلة مشوار التنمية المستدامة وإنشاء المشروعات المهمة، وتضمين قطاعي الصحة والتعليم ضمن خطة تستهدف إعطاء الأولوية وزيادة الدعم الحكومي وتجويد هذين القطاعين، لأنهما من أهم القطاعات التي على السلطة والحكومة أن تضع يدها عليها وعدم خصخصتها أو إهمالها وتركها للقطاع الخاص. وأخيراً أنصح رئيس الوزراء بأن يواصل النزول إلى الشارع والاقتراب من المواطن أكثر، كما زيارة المؤسسات الحكومية وغيرها، وربط الضفة بالقطاع عبر المشروعات التنموية والخدمية التي تهم المواطنين أولاً وأخيراً، وبين كل ذلك الابتعاد قليلاً عن السياسة المتعلقة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ومشكلات الانقسام الداخلي، وتركها للرئيس عباس طالما هو كذلك.