واشنطن تعبث بنتائج الرئاسة المصرية !!

حدث ذلك في تشرين الثاني عام 2000، وهي سابقة نادرة في تجارب نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، فقد حدث أن أعلنت النتائج بفوز الجمهوري بوش الابن على منافسه الديمقراطي آل غور بفارق 1200 صوت فقط، عندها أعلن آل غور هزيمته مهنئاً الرئيس بوش، بعد ساعات قليلة تبين أن أصوات الغائبين من الجيش الأميركي عبر البحار لم تضم إلى قوائم التصويت ولم يتم حسابها.

حينها عاد آل غور، وسحب إعلان هزيمته وتهنئته بفوز بوش، وانتظر الأميركيون ساعات بل أياماً قليلة أخرى، دون معرفة رئيسهم القادم، وتولت المحكمة الدستورية العليا أمر إعلان النتائج بعد جملة من الاتهامات المتبادلة والتشكيك بالتلاعب بالأرقام، إلاّ أن المحكمة العليا أعلنت حكمها النهائي بفوز بوش، وهكذا عاد آل غور، معلناً هزيمته وفوز بوش، دون أن ينسى أن يهنئ الرئيس بوش على فوزه بعد مماحكات قضائية ودستورية شابها العديد من الاتهامات والتشكيك. ويبدو أن إدارة الرئيس أوباما، نسيت أو تناست هذه الحادثة الانتخابية الأميركية الصرفة والتي حدثت في أكثر الجمهوريات حديثاً وممارسة للديمقراطية، بل سارعت إلى أن تضم صوتها إلى جانب "الجماعة" مطالبة المجلس العسكري بسرعة إعلان النتائج وتسليم الحكم إلى الرئيس المنتخب، وشاركت في هذه الدعوة الأميركية غير المفهومة، وزارتا الخارجية والدفاع "البنتاغون" ناهيك عن وسائل الإعلام الأميركية المختلفة، التي شككت في تأجيل "العليا للانتخابات الرئاسية" إعلانها تأجيل الإعلان عن النتائج إلى حين دراسة ومناقشة الطعون التي زادت على 400 من قبل المرشحين، وإدارة أوباما، مثلها مثل جماعة "الإخوان المسلمين"، استسلمت للادعاء المبكر والمفاجئ وغير المفهوم، بالإعلان بعد ساعات قليلة من بدء فرز أصوات الناخبين، وفي الساعة الرابعة فجراً، فوز المرشح الإخواني بالرئاسة، ولم تستغرب إدارة أوباما هذا التوقيت المرتبط عملياً، بالتوقيت الأميركي، فبينما تكون القاهرة غارقة في النوم، فإن واشنطن تكون في ذروة النشاط، لفروق التوقيت، تلقت إدارة أوباما الرسالة، واستعجلت بكثير من الجلبة والتسرع، الانضمام إلى جماعة الإخوان والوقوف وراء هذا الادعاء. وبينما أدانت قوى وأحزاب وطنية عديدة في جمهورية مصر العربية، هذا التدخل الوقح والفج بالشأن الداخلي المصري، إلاّ أن جماعة الإخوان المسلمين، وحزبها الجديد، الحرية والعدالة، لم يحركا ساكناً إزاء هذا التدخل المباشر بالشؤون المصرية، وكان مثل هذا الأمر، يجد انتقاداً واسعاً ومباشراً من قبل الجماعة، في عهد الرئيس السابق، حسني مبارك، وحتى الشهور الأولى من ثورة 25 يناير العام الماضي، صمت الجماعة عن هذا التدخل الوقح بات مبرراً، كون هذا التدخل لشد عزم الجماعة إزاء السباق الانتخابي الرئاسي. وحسب بعض التحليلات، فإن هذا الموقف الأميركي لم يكن مفاجئاً على ضوء جملة من التطورات التي عصفت بطبيعة العلاقات الأميركية مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ذلك أن الجماعة، حاولت منذ العام 1986، حث الجانب الأميركي كي يتدخل مع حسني مبارك لتسهيل حركة الجماعة، وقد كشفت (ويكيليكس)، في إحدى وثائقها، عن أن الاتصال الرسمي بين السفارة الأميركية في العاصمة المصرية والجماعة، كان بعد وفاة المرشد الأسبق عمر التلمساني، حيث تم اللقاء الأول في مكتب مجلة الدعوة التي تصدرها الجماعة، في هذا الاجتماع القصير مع نائب المرشد مصطفى مشهور، طلبت الجماعة من الجانب الأميركي الضغط على الرئاسة الأميركية من أجل الحصول على موافقة خطية بعقد اللقاءات في المستقبل، خشية أن تستغل السلطات هذه اللقاءات ضد الجماعة، أي أن الإخوان المسلمين، حاولوا الاستقواء على السلطات بدعم أميركي لمواصلة الاتصالات مع "الشيطان الأكبر"!! في شباط الماضي، أقدمت السلطات المصرية، المجلس العسكري تحديداً، على مداهمة الجمعيات الأهلية الممولة من الخارج، وتم فتح تحقيق حول تمويل هذه الجمعيات وتم اتهام عدد من المسؤولين في هذه الجمعيات من بينهم 19 أميركياً..

ويقال إن هذا الأمر أدى إلى توتير العلاقات بين واشنطن والقاهرة، لكنه جاء إثر تسريب أنباء عن أن مصر، ستشتري أسلحة متطورة من روسيا والصين، بعدما ماطلت واشنطن في تلبية احتياجات جمهورية مصر العربية من قطع الغيار للأسلحة الأميركية التي يتسلّح بها الجيش المصري، كشكل من أشكال الضغط على القوات المسلحة المصرية، مما دفع واشنطن لإرسال وفد رفيع المستوى منتصف العام الماضي برئاسة وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا لزيارة مصر، حيث التقى المشير حسين طنطاوي، لكن الوزير الأميركي قوبل بمقابلة فاترة من طنطاوي، حيث ظل الأول بانتظار الثاني لأكثر من ساعة، ولم تستغرق المقابلة سوى دقائق معدودة، استمع الزائر الأميركي خلالها إلى شكوى ولوم من أن واشنطن لا تزال تمد إسرائيل بكل أنواع الأسلحة الحديثة بينما تماطل في إرسال قطع الغيار اللازمة للسلاح الأميركي للجيش المصري، ويقال في هذا الصدد، إن لجوء المجلس العسكري إلى لي ذراع واشنطن من خلال اتهام مسؤولين أميركيين عاملين في الجمعيات الأهلية المصرية، جاء تعبيراً عن رفض مصر الخضوع للإرادة الأميركية. إن الركائز الأساسية للسياسة الأميركية في المنطقة العربية تنطلق من عاملين: الأول، يتمثل في الحفاظ على المصالح الأميركية، السياسية والنفطية ومحاربة الإرهاب تحديداً، والثاني، يتمثل في ضمان أمن إسرائيل والحفاظ على المعاهدات والمواثيق والاتفاقات التي أبرمتها الدولة العبرية مع بعض الدول والأطراف العربية، وقد تمخّضت الحوارات التي جرت بين إدارة أوباما و"الجماعة" عن أن الإخوان المسلمين، كقوة شعبية واسعة، ستحظى بالمقدرة على تلبية هذين العاملين والاستجابة لاستحقاقاتهما، مع الإدراك أن "الجماعة" لجأت في الشهور الأخيرة إلى عملية مراجعة شاملة، أكدت من خلالها لواشنطن التزامها بالمواثيق والاتفاقيات الدولية، بما فيها اتفاقيات "كامب ديفيد"، الأمر الذي شجع واشنطن على تشجيع وصول الجماعة إلى السلطة، أسوة بنتائج "الربيع العربي" في عدة دول عربية.. وهذا الأمر يجب ألا يشكل مفاجأة لأحد، مع أن بعض المحلّلين، أشار في الأيام القليلة السابقة، إلى أن هناك معلومات تشير إلى أن واشنطن، أدركت أنها تسرعت وأنها الآن، تحاول إعادة تقييم الموقف من جديد!!.