بين هدى وشام..حرب باردة مثلهما

هدى وشام

بقلم: محمد هليل

"بالنسبة لي صراحةً، أنا أكره تسمية المنخفضات الجويّة، ولكني مضطر لذلك حتى يكون الحديث أكثر سهولة"

قبل الخوض فيما سأقول، دعونا لوهلة أن نفكر في بديهيات الأمور، ونسأل أنفسنا بعض الأسئلة، إلى أي مدى تعرف عن الجغرافيا والفيزياء بخصوص ما يهم المنخفضات الجويّة وتشكلها ومسيرها وقوتها وكيفية تأثيرها ؟، هل تؤمن بأن راصداً فلسطينياً أو أردنياً قادر على التحكم في هذه الأمور ؟، وما الدافع برأيك وراء الانتشار الكبير الأخير في هواة الطقس والصفحات والمواقع التي تعنى بذلك ؟
هدى وشام، عاصفتان ضربتا المنطقة خلال الشهرين، الحالي والماضي، في الأولى كان الزخم الإعلامي ضخماً، الأمر الذي أثر على الشارع بشكل كبير، من حيث القوة التموينية الشرائية والاستعدادات الرسمية لمواجهة كل أمر محتمل، وكانت مختلف الجهات حقيقة على أشد وتيرة من تلك التي كانت عليها في عاصفة أليكسا القوية التي ضربت البلاد في ديسمبر 2013م، وأذكر أن السخط  كان كبيراً ومنطقياً حينها، فالثلوج والرياح والأمطار قد أثرت بشكل كبير على الحياة اليومية والقطاعات المختلفة، الزراعية والصناعية والصحية والكهرباء، خاصة في المناطق التي استمرت فيها الثلوج لأكثر من أسبوعين. هذا لم يكن فيما يخص السلطة الفلسطينية فقط، بل شهدت الكثير من المناطق المحتلة الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية معوقات حياة لا تقل حدة، وأكبر مثال ما تعرضت له مناطق كثيرة من انقطاع طويل للكهرباء بسبب أعطال الكهرباء القطرية الاسرائيلية.

جاءت هدى، وتم الاستعداد لها والتحذير منها بوتيرة أكبر من أليكسا، خوفاً من الوقوع في الحفرة نفسها، وهذا منطقي جداً، ولكن المفاجأة حصلت بأن كانت هدى من حيث الأمطار والثلوج لا تكاد تذكر، وهذا ما أثار نقمة الشارع على هواة الطقس والأرصاد بشكل واضح، متسلحين بحجّة فحواها " ليش كذبتوا علينا".
بعد شهر تقريباً، قدمت شام ومعها تنويهات كثيرة، ليست تنويهات من البرد والثلوج والأمطار، بل من أجل المتابعة الحثيثة لما يجرى، وصراحة كانت مختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية حذرة جداً في نشراتها وتقاريرها وأخبارها، بخصوص امكانية تساقط الثلوج، وأماكن تساقطها والمرتفعات التي ستطالها، وكانت المفاجأة الثانية خلال شهر، أن لا ثلوج ولا أمطار إلا الغبار.
هواة الطقس والأرصاد الرسمية يأخذون معلوماتهم في الغالب من المصادر نفسها، قمران اصطناعيان، احدهما أمريكي والآخر بريطاني، لهما مواقع مجانية على الانترنت، تعرض خرائط الطقس لفترة معدلها 240 ساعة، أي عشرة أيام بالضبط، وهذه المواقع تحدث بياناتها كل ستة ساعات بالمعدل، ومن تابع النشرات والتقارير الجوية منها هذه المصادر يدرك مدى التخبط الكبير الذي كانت مختلف الجهات تعيشه في اليوم أكثر من مرّة، وهذا بسبب تخبط المصادر التي تعتمد عليها، وكلّه مؤرشف وبإمكان من يرَ في نفسه القدرة على فهم تلك البيانات أن يدرك ما أقصد، وبعد أن يدخل المنخفض حيز التأثير على منطقتنا، يلجاً الجميع لمصدر واحد، رادار لمراقبة الكتل القادمة نحو فلسطين، وهو اسرائيلي.
المنخفضات الجوية عادة تتشكل شمال جزيرة قبرص، بحركة عكس عقارب الساعة، حينها تكون الرياح جنوبيةَ غربية، أي أن الغيوم الماطرة التي من المفروض أن تصل مناطق الوسط، ستحملها الرياح نحو المناطق الشمالية، بعد اقتراب مركز المنخفض نحو شمال سورياً تتحول الرياح إلى غربية، أي أن الغيوم الماطرة القادمة نحو الوسط، ستبقى على مسيرتها نحو الوسط، ثم يبتعد مركز المنخفض نحو شمال شرق سوريا، وفي هذه الحالة تكون الرياح شمالية غربية، أي أن الغيوم الماطرة القادمة نحو الوسط ستحملها الرياح نحو المناطق الجنوبية. وهذا ما يفسر تعرض المناطق الشمالية للثلوج في الليلة الاولى من المنخفض وحرمان المناطق الجنوبية كالخليل مثلاً، إلى أن تتحول الرياح إلى شمالية غربية في نهاية مسيرته المؤثرة فوقنا فتسقط الثلوج على جنوب الضفة.
وأنا أردت قول هذا بقصد توضيح ما جرى في المنخفض الجوي الأخير، الذي لم يكن اعتيادياً، لا في مركزه ولا في مساره، وهو أمر صرحت به مختلف الجهات، وبإمكان الجميع العودة لصفحات الارصاد وهواة الطقس وقراءة ذلك.
العديد من الأمور تؤثر في إمكانية تساقط الثلوج، الغالبية لا يعرف منها إلى "هواها هوا ثلج"، ودرجة حرارة صفر مئوية، ولكن قليلون من يدركون إمكانية تشتت الغيوم في عرض السماء قبل تساقط الثلوج بساعة فقط !.
درهم وقاية خير من قنطار علاج، وأنا برأيي، التجهّز لأمر أفضل من عدمه، حتى لو لم يقع الأذى، ومن أراد الحديث في هذه الأمور، عليه أن يكون حذراً جداً، الطقس متقلب بين ساعة وأخرى، لذا على الهواة والأرصاد الحذر في الحديث عن أمور قبل حدوثها بأسبوع على الأقل، كما على الوسائل الإعلامية أن تتابع أولا بأول التغير الحاصل، لا أن تكتفي بنشرة واحدة كل يومين أو أكثر، إضافة إلى نقطة هامّة جداً، وهي أن الإعلام لا يقف عند حد نقل المعلومة فقط، بل على الإعلامي أن يكون ملماً بما يتحدث عنه، وهذا كان واضحاً في الأيام الماضية، من حيث ضعف المعلومات الجغرافية.
الأهم من هذا كلّه، أن لا أحد يجبر آخراً على تحديد مصدر المعلومة، ومن اختار فلاناً لمعرفة الطقس، لأنه يثق به، عليه أن يسأل نفسه لماذا وثق به، ومن أراد أن يكفر بكل المصادر، فيفترض به أن لا يلوم أحداً فيما بعد.

حرره: 
م.م