يمين في نكران

الاحتلال

رفيت هيخت

صوت البرلمان البريطاني في صالح الاعتراف بدولة فلسطينية أمام «قاعة شبه فارغة… في محاولة بائسة لاحراج اسرائيل»؛ بيان الشجب الحاد من الادارة الامريكية للبناء في المستوطنات هو نتيجة تخريب من جانب «السلام الان»؛ رئيس وزراء السويد لا يعرف النزاع ولهذا فقد نشر بيانه المتسرع بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية؛ أن كي مون هو لاسامي مثل كل من يعمل في الامم المتحدة. في واقع الامر مثل الجميع. هل يوجد في مخازن وزارة الخارجية ما يكفي من الكراسي المنخفضة لكل كارهي اسرائيل؟

كل واحدة من الرسائل الدولية التي تلقتها اسرائيل في الاسابيع الاخيرة حرص الناطقون بلسان الحكومة الى ادراجها ضمن اطار خاص به. لكل حدث وجد تفسير عقلاني، هدفه تقليص المعنى الناشيء عنه. البرلمان كان فارغا، السويدي لا يفهم حياته، ويريف اوفينهايمر، امين عام «السلام الان» هو شخصية جد مركزية ومؤثرة في الاسرة الدولية، لدرجة ان بوسعه ان يحرض الادارة الامريكية ضد اسرائيل. غريب على نحو خاص ادعاء اليمين أن الادارة الامريكية والاسرة الدولية غير معنيتين بما يجري في المستوطنات او بمصير الشعب الفلسطيني، وردودهم التنديدية ليست سوى فعل لرفع العتب، مثابة ضريبة لفظية لمضايقات اليسار.

يوجد في هذا الوضع بعد مفارقة في ضوء حقيقة ان الذخر المركزي الذي يتباهى اليمين الاسرائيلي به هو الارتباط بالواقع. فالرد الاسرائيلي على الاحداث الدولية يدل بالذات على نكران الواقع وعلى محاولات الدفاع عن الوعي في مواجهته. والواقع هو ان العالم الغربي ينتظم ببطء وبحذر تمهيدا لنزع شرعية رمزية وعملية عن حكم الاحتلال والمستوطنات.

حكومة اسرائيل ليست عمياء تماما. بنيامين نتنياهو لم يحرص على الكذب مرة كل فترة على الاسرة الدولية ويقول انه ملتزم بفكرة الدولتين لو لم يفهم أن غياب الحل السياسي، ضم المناطق وفرض حكم الابرتهايد في اعاقبه هي ضفادع لن تبتلع. فالحكومة تدفن رأسها في الرمال وتتمسك بالايمان الحتمي في أن بشكل ما كل هذه القصة ستنتهي على ما يرام، بمعونة الرب. هذه ليست سياسة، بل هي حرد صبياني، وربما حتى مسيحاني.

لا يهم كم قانونيا على نمط قانون المقاطعة أو قانون الجمعيات سيسن او يعد؛ لا يهم كم علة ستنسب للاغيار الذين يتجرأون على الاساءة لاسم اسرائيل واليسرويين «المفعمين بالكراهية الذاتية» ممن يحاولون التخريب الى المشروع الصهيوني؛ لا يهم ايضا ان تكون جزءا من ادعاءات اسرائيل، تجاه حماس مثلا، محقة. كل هذه – الكاذبة والحقيقية – لا تغير الصورة الواضحة: المشكلة الفلسطينية يجب حلها، واليمين لا يقترح اي حل حقيقي.

ماذا نفعل بـ 3.5 مليون فلسطيني اذا لم ننسحب من المناطق؟ نعطيهم هويات زرقاء؟ حق اقتراع؟ نحرص على حقوقهم الاجتماعية وندفع لهم مخصصات شيخوخة وعجز؟ أم ربما نواصل احتجازهم في نوع من المكانة المشوشة، شيء ما بين المعتقلين والسجناء – وضع اضافة لكونه مقرف اخلاقيا من شأنه ايضا ان ينزع عن اسرائيل شرعيتها الدولية، الاعتراف بحق الشعب اليهودي في وطن قومي في بلاد اسرائيل.

ينبغي الترحيب بالحذر الذي يؤشر فيه العالم لاسرائيل أن عليها ان تجد حلال سياسيا للمشكلة الفلسطينية. العالم الغربي يريد وجود اسرائيلي ويشعر بالعطف نحوها. اجزاء من العالم العربي تعترف بحق الشعب اليهودي بدولة في اسرائيل، ولكن هي ايضا، كما أوضح هذا الاسبوع الرئيس المصري في مؤتمر اعمار غزة، يشترطون عليها حل المشكلة الفلسطينية.

الحدود، اللاجئون، القدس. هذه هي المفاوضات؛ هذه هي المواضيع. كل محاولة للانحراف عنها خداع، يعرض اسرائيل للخطر.

 

هآرتس