ستار الدخان

ستار الدخان

كان هناك قدر اكثر مما ينبغي من بيبي في وسائل الاعلام نهاية السنة وبدايتها. من خطاب اللا شيء في الامم المتحدة حتى مقابلات مربية الاطفال في كل القنوات. «خطاب مبني من طوابق»، على حد التعبير المجازي لامنون ابرموفيتش. وكانت النبرة العامة هي أنه في الوضع القائم بيبي ليس الحل. وكان يفترض بتعقيب يونيت ليفي أن يكون «مللنا احابيلكم»، ولكن الثرثرة السياسية التي تناثرت في كل صوب غطت حقيقة أن بيبي ايضا ليس المشكلة. فهو مجرد . فهو زبد التيار العميق القاتم للحاخامية الكفاحية في البيت اليهودي. هم المشكلة.

ان السيطرة الزاحفة لحاخامي المستوطنين على المؤسسات الرسمية، من التعليم وحتى الجيش، هي الخطر الحقيقي على الدولة العلمانية الديمقراطية. أما بيبي، واتباعه وحكومته فهم ليسوا سوى دمى تتحرك بالخيطان من اليمين الديني – القومي. واجراءات لبيد هي فراطة مقارنة باجراءات مبعوثي الحاخامين في التعليم، في المالية، في وزارة الداخلية والخارجية وباقي فروع المؤسسة الرسمية.

ليس عندي شيء ضد معتمري القبعات الدينية. طالما كان الامر يتعلق بالقاطع الذي بين الانسان وربه. من جهتي فليقبلوا الكلمات العشر او الضفادع وحبذا لو أنهم يتحولون لهم او لهن اميرات او امراء.

دعنا من تقبيل الكلمات العشرة وهو طقس محبب يرتب للمحتاجين مشجبا يعلقون عليه احساس القرب من شيء ما هام، ولكن هذه الطقوس هي نوع من السحر، الذكر لابائنا واجدادنا من عصر الحجر المقدس في الحائط (المبكى) والبقرات الحمراء في حقول بيت لحم.

المشكلة الحقيقية هي في الاكراه. سواء في السبيل القويم والقانون أم في اللغة وسبل الاقناع. وبالمناسبة، فمن حق حاخامي حركات المستوطنين الكامل ان يقنعوا الناس بعدالة موقفهم. فهذه منافسة شرعية بين قيم متضاربة، غير أن الواقع السياسي هو اليوم طغيان الاغلبية. فكلما سيطروا على الميزانيات والمناصب الاساسية، هكذا يفرضون بواسطة البيروقراطية وآلة الدعاية قيمهم. أي، فرائضهم. وعندما تصبح فريضة التوراة قانون دولة عمليا، ضاعت الدولة، ويصبح هذا القانون منذ الان ينطوي في داخله على من هو اليهودي، من هو الوطني، من هو الصهيوني ومن يستحق الامتيازات. الحقيقة هي أنه في مبنى المجتمع الاسرائيلي اليوم، للحاخامية الكفاحية تفوق بنيوي هو ذخر انتخابي. فليس لمعظم العلمانيين في اسرائيل ارادة قتالية او قاعدة فكرية لادارة صراع ايديولوجي على العلمانية كقيمة ليست متعلقة بدولة أو بقومية. وبالمقابل، هناك غير قليل من السياسيين ممن هم مستعدون لان يبيعوا روحهم العلمانية مقابل مصالح بخيسة. لا تجتهدوا في التذكر والاحصاء. فكل وزراء حكومات اسرائيل على اجيالها هي قائمة تمثيلية.

المجال الاكثر اشكالية هو الجيش الاسرائيلي، الذي كان ذات مرة أتون الصهر لشعب اسرائيل، هو اليوم أتون الصهر الذي يؤهل بكل معنى الكلمة الجيل الشاب للحرب ضد الاغيار بواسطة الاف المبشرين بالفعل أو بالقوة، بالاقناع وبسلاسة اللسان، باوامر هيئة الاركان واوامر الحاخامية العسكرية – وهذه تماما ليست ذات الاوامر.

ان زحف الحاخامية العسكرية نحو كل شق يمكن عبره ادارة اعمال تبشيرية هو حقيقة علنية، وهيئة الاركان عديمة الوسيلة. ويجتاز الجنود ضغطا تبشيريا من خلال المحاضرات، الدروس، الارشادات والجولات، بعضها برعاية منظمات الصهيونية الدينية من خارج الجيش الاسرائيلي. «يصعب عليّ التنافس مع النشاطات التي تعرض على الوحدات بالمجان»، يقول في مقابلة مع موقع «يديعوت» ضابط التعليم الرئيس، العميد افنر باز تسوك «القلق جدا من الميل». وليس ضابط التعليم الرئيس وحده هو القلق، بل ومراقب الدولة ايضا. فقد كتب المراقب يقول ان «الجيش الاسرائيلي ملزم بان يرتب العلاقات بين الحاخامية العسكرية وسلاح التعليم. فضمن امور اخرى يتعرض الجنود في الجيش الاسرائيلي لدروس في مدارس دينية مقدسية تعمل بالتعاون ولمحاضرات من حاخامين موضع خلاف».

ان الاداة التي بواسطتها يضغط حاخامو المستوطنين ونشطاؤهم في السياسة على الجيش الاسرائيلي وعلى السياسيين هي جودة وتفاني مقاتلي رب الجيوش. في ساعة الامر الحقيقية (ليس مثلما في الجرف الصامد) معظمهم سيكونون بين اوائل المهاجمين (الذين في معظمهم لا يزالون علمانيين، بالمناسبة). في ساعة الطوارىء احد لا ينقب في الصدور. فلا يهم احد اذا كان ما يدفعهم هو الدفاع عن الوطن، ما يقوله الرفاق في الوحدة، البنات في الحي او الحاخامون في المدارس الدينية. المهم ان يذهب الجنود ليضربوا الرأس في الحائط في مواجهة النار.

الجيش الاسرائيلي يعرف هذا، والجيش الاسرائيلي يسكت ويُسكت عندما يدور الحديث عن ذات الزحف الحثيث. قائد جفعاتي يصدر صفحة تصنف الحرب في غزة كحرب مقدسة، ورئيس الاركان يسكت. واحد يدعى افيحاي رونسكي، عميد في الاحتياط، يمكنه أن يرتدي البزة بناء على رأيه الخاص وأن ينزل الى غزة «ليشجع المقاتلين» بمستوى مرشد حربي متحمس، ورئيس الاركان لا يقصيه.

هيئة الاركان لا تزال علمانية، ولكن الضابطية الصغيرة والمتوسطة مليئة بمعتمري القبعات الدينية ممن سيصل بعضهم بطبيعة الحال وهم بالطبع جديرون مهنيا وشخصيا الى هيئة الاركان. قادة المناطق، لنذكركم، هم ارباب البيت في مناطقهم. وفي هذه الايام يستعدون في هيئة الاركان وفي الحكومة لاختيار رئيس الاركان. الاحاديث عن غادي آيزنكوت. والمراسلون يتحدثون عن أنه هو توصية رئيس الاركان. يجدر بنا جميعا أن نتذكر كيف عين رئيس المخابرات يورام كوهين. مرشح يوفال ديسكن كان اسحق ايلان. بعد أن عرض مرشحه امام نتنياهو، فهم ديسكن بان هذا هو ايضا مرشح بيبي. ضغط (حاخامي ضمن امور اخرى) دفع نتنياهو الى اختيار يورام كوهين، معتمر القبعة الدينية الذي كان في واشنطن مع قدم في الخارج.

لا يزال في السباق نحو رئاسة الاركان اللواء يئير نافيه، خريج جولاني ومدرسة دينية ثانوية. منصبه بالقوة اليوم هو الانتظار في الخارج. ربما بانتظار التدخل الالهي. الرجل الذي يوقع على التعيين هو وزير الدفاع المتعلق سياسيا بحاخامي المستوطنين. وبالطبع سواء نافيه ام كوهين هما مرشحان مناسبان ذوا ماض مفتخر معظمه خفي وما شابه. وليس للقبعة على رأسيهما أي معنى – ولكن اذا ما رويتم هذا للرب، فانه سيغضب.

والى أن ينتخب رئيس اركان جديد، فان مهمة هيئة الاركان الحالية هي عدم الانجرار الى الحرب مثلما انجررنا الى «الجرف الصامد». هذا بالضبط هو السبب في أن من يضغط اليوم لرفع الحصار عن غزة هو الجيش الاسرائيلي. ليس في احاديث الرواق بل في وثيقة رسمية تفصل قائمة التسهيلات، بما في ذلك (!) فتح المحور البري من كرم سالم في القطاع الى ترقوميا في الضفة، مثلما اتفق في اتفاقات اوسلو. ولنذكركم جميعا: سياسة حكومة اليمين موجهة ضد حكومة السلطة وحماس بنية منع كل اتصال بين القطاع والضفة. والسبب الذي يجعل الجيش الاسرائيلي يوصي بذلك هو انه في غياب تسهيلات من هذا النوع، فان بانتظارنا جولة دموية اخرى ستخدم رافضي التسوية.

كلمة لاخوتي الذين يخدمون في الجيش الاسرائيلي، الصهاينة المتدينين الوطنيين الجدد، معتمري القبعات الدينية: برأيي غير المعتبر، فانه مثلما كان جيش جنوب لبنان مرتزقة لدولة اسرائيل ولسياستها في لبنان فانكم انتم ايضا مرتزقة لحاخاميكم وسياستهم في الضفة وفي القطاع. وهم بالطبع يحيطونكم بالمحبة وبالتقدير، ولكن لا تتشوشوا. فانتم بالاجمال مرتزقة الرب خاصتهم. بل انكم مشبوهون بنظرهم بالاحتكاك الزائد مع العلمانيين والعلمانيات، ولا يوجد أي احتمال في انكم، مع التعابير العلمانية التي تبنيتموها هناك في الجيش، ان تصلوا الى قمة الايمان التي خلف تفاني الروح، حتى لو دعاكم الحاخام بيرتس او الحاخام تسفحه.

في النقيض على النقيض، فان معتمري القبعات بالذات في الجيش الاسرائيلي مثل المرتدين لدى الاصوليين، سيجلبون الخلاص. ليس بوسعي ان اشير الى بحث مرتب، ولكن الحديث يدور عن معدل تساقط بحجم نحو 30 في المئة في اثناء الخدمة. صحيح أن الكثيريون يواصلون اعتمار القبعة، ولكن قبعتهم مثل البكيني لدى العلمانيات، كلما كانت اصغر فانهم اكثر ليبرالية، ولعلهم بالذات هم النور الذي في منتهى النفق الهجومي الحاخامي.

ران أدلست

معاريف الأسبوع