يريد جهاز الأمن شيكاً سريعاً

الأمن الاسرائيلي

بقلم: عاموس هرئيل

تتكرر الحكاية بدقة كل سنة بأن يصف ضابط رفيع المستوى في الجيش في لقاء مع صحافيين، سيناريوهات الحرب القادمة – قدرات العدو وخططه المتوقعة، ورد الجيش الاسرائيلي. ويُقال ذلك الكلام وبين يديه واحدة من معارك الميزانية الدورية بين الجيش ووزارة المالية، في شأن مقدار ميزانية الدفاع أو الزيادة الفصلية التي يطلبها الجيش الاسرائيلي لتغطية نفقات هذه العملية أو تلك. وحينها يصدر صدى موحد عن صحف الاقتصاد ويتهم فورا بقوله إنها حيلة جديدة من الجيش الاسرائيلي وإنهم يحاولون إخافتنا مرة اخرى.

لكن الحقيقة في هذه المرة ايضا أقل تآمرية بقليل. فقد خُطط لزيارة المراسلين العسكريين للقيادة الشمالية في الاصل قبل ثلاثة اشهر في 15 حزيران وقبل أن تبدأ معركة الميزانية الحالية بكثير. وألغيت في آخر لحظة بسبب اختطاف الفتيان في غوش عصيون قبل ذلك بيومين ونصف. ولأنني كنت وحدي في الفرقة 91 (فيلق الجليل) في 7 تموز، في اليوم الذي أعلن في نهايته بدء عملية الجرف الصامد في قطاع غزة، فانني استطيع أن أشهد بأن تلك الرسائل أُسمعت في ذلك الحين ايضا.
تمت الاحد الزيارة التي كانت مقررة في حزيران وقيل فيها كلام مشابه كثيرا انشأ عناوين صحافية في الحقيقة. وحينما يطلب الى قائد رفيع المستوى أن يُبين حدود التهديدات في منطقته يكون التأكيد دائما لأكثر الأخطار إقلاقا من وجهة نظره. وقدرات حزب الله – أكثر من 100 ألف قذيفة صاروخية، وقوات صاعقة حشدت خبرة عملياتية في الحرب الاهلية في سوريا، وخطة هجومية لتنفيذ عملية خاطفة برية لبضع ساعات في داخل اسرائيل بالقرب من الحدود – هي جزء مركزي من ذلك الشأن.
وقال الضابط في الوقت نفسه ايضا إن حزب الله مشغول الآن بحروب الشيعة لأهل السنة في سوريا والعراق، وإنه لا تُرى مواجهة عسكرية من الفور مع اسرائيل في مكان عال في ترتيب أولوياته الحالي. ولم يكن ذلك جزءا من حملة تخويف ترمي الى زيادة الميزانية بل كان تقديرا مسؤولا لواقع محتمل وجزءا من صورة الوضع الذي يجب أن يواجهه الجيش في كل منطقة تقريبا. والذي يستخف بهذه التقديرات يُذكر بمن نظروا في احتقار الى كلام قائد منطقة الجنوب سامي ترجمان على تهديد الانفاق الهجومية التي كانت تحفرها حماس من غزة قبل أقل من سنة. وقد تكلم ترجمان آنذاك ايضا على ما رآه وعرفه ولم يكن يقود تدبيرا خفيا لحماية مخصصات تقاعد العاملين معه.

يجب أن تُفصل مسألة الخطر الممكن في لبنان عن الجدل في الميزانية الذي يبدو أنه تصاحبه مبالغات لا يستهان بها ومطالب مبالغ فيها من جهاز الامن. يُقدر الجيش الاسرائيلي كلفة الحرب في غزة بـ 8.6 مليار شيكل، أي بما يقرب من كلفة حرب لبنان الثانية حيث حارب حزب الله الذي هو منظمة أقوى كثيرا من حماس. وتُقدر وزارة المالية كلفة حرب غزة بـ 6.2 مليار (ولا يجري الجدل في معطيات محددة بل في مسألة ما هي المواد التي تشملها ميزانية النفقات المباشرة، في الأساس). لكن يصعب أن نتخلص من انطباع أن جهاز الامن يطلب من الدولة أن تُخرج قلما وتكتب له شيكا سريعا – وقد قال رئيس الوزراء نتنياهو إنه سيحتاج الى «مليارات كثيرة» اخرى للأمن – قبل التوجه الى التحقيق في القتال في غزة.

كشفت محاربة حماس كما كتب هنا عدة مرات عن فروق قاسية في الجيش الاسرائيلي وبخاصة القوات البرية. وظهرت مشكلات في التدريب والاعداد، ونقص في الوسائل الملائمة واختلالات في خطط العمليات فيما يتعلق بمواجهة منظمات ارهاب وعصابات. واستعمل الجيش الاسرائيلي في نفس الوقت الذخيرة الجوية والمدفعية التي يملكها بقدر ضخم جدا.

هذا توجه ثابت يميز جيشا في حرب: فالتصور أولا هو أن كل الوسائل تقريبا تحل بسبب التعجل والخطر. وثانيا أنه سيوجد دائما من يكمل الاحتياطي بعد انقضاء وضع الطواريء. لكن اذا كانت تلك هي المبالغ التي أنفقت على معركة محدودة مع حماس امتنع فيها الجيش الاسرائيلي عن مداورة في عمق المنطقة المأهولة في غزة، فيمكن فقط أن نخمن ماذا ستكون كلفة حرب اخرى مع حزب الله. وهذه نفقات سيصعب على الاقتصاد الاسرائيلي أن يثبت لها زمنا طويلا.
لكن الجدل لا يقتصر على كلف الحرب المباشرة، فالجيش الاسرائيلي يطلب الى ذلك ما لا يقل عن 11 مليار شيكل تضاف على ميزانية الامن في السنة القادمة بسبب الفروق التي كشف عنها في غزة. لكن يحسن أن نقف ونحدد ما هو الجيش الذي نريده قبل أن نحدد مقدار الميزانية الامنية في المستقبل.

إن رئيس الحكومة على حق فالواقع الاقليمي المتغير يوجب ملاءمات كبيرة في الجيش الاسرائيلي يقتضي بعضها كما يبدو انفاق مال كثير. لكن ما يجري هنا الى الآن معركة سياسية بين نتنياهو ولبيد ومعركة كليشيهات بين لبيد ويعلون. ولا يتوقف أحد منهم ليجري نقاشا منظما لدروس الحرب والتغييرات المشتقة منها، ويبدو بدل ذلك أن الجيش الاسرائيلي ينتهز الفرصة كي يلغي عددا من احكام الميزانية التي فرضت عليه في الايام البعيدة قبل التدهور الامني الاخير. وربما يجب كما نبه أحد الضباط في هيئة القيادة العامة أن يتم تغيير اسم العملية الاولى في هذا الصيف للعثور على المخطوفين في الضفة من «عودوا أيها الاخوة» الى «عودي أيتها التدبيرات».

 

حرره: 
م.م