شهادة مزارع من شمال القطاع..إسرائيل حرقت "الأخضر واليابس"

مزارع

زاهر الغول

(خاص) زمن برس، فلسطين: على مقربة من الحدود الشمالية الغربية لقطاع غزة، وبالتحديد في بلدة بيت لاهيا والتي تعتبر أكثر من 70% من مساحتها الإجمالية أراضٍ مزروعة، هناك يعتقد الناظر بأن زلزالاً مدمراً أو إعصاراً أصاب المنطقة، ولكنها آثار الدمار والخراب وحرق الأراضي والبساتين وتدمير الحجر والشجر الممنهج الذي نفذته آلة الدمار الإسرائيلية.

"حسن أحمد أبو جراد" هو مزارع يبلغ من العمر (50 عاماً) له زوجتان ومن الأبناء العشرون ذكوراً وإناثاً صغار وكبار، ويجلس في خيمة وضعها أمام بيته ومزرعته المدمران بالكامل، ويحاول استعادة تفاصيل ما جرى منذ اليوم الأول في البلدة.

المزارع حسن هو مالك لأرض زارعية مساحتها 14دونماً، يزرعها زيتون وجوافة وبعض الخضروات الموسمية التي يقتات منها يومياً هو وعائلته. فهي مصدر الرزق الوحيد لهم لا غيرها، ويزرعونها من ثمار الجوافة ويشرفون على سقيها وسمادها وقطف الثمار وتجهيزها حين أخذها للسوق وبيعها في موسمها كل عام.

يروي المزارع (أبو جراد) ماحل بالبلدة، فيقول صبيحة اليوم الثاني عشر للعدوان الإسرائيلي 17 تموز 2014 تفاجأ المزارعون في تلك المنطقة بنيران القذائف المنهالة كالمطر على رؤوسهم تتبعها رشقات رصاص ضالة لسبيلها ولا طريق لها غير الدمار والخراب وصدور عارية وجباه أسودت من حر شمس تخيم على مزارعهم يسقونها بعرق جباههم كي يعودو بقوت أطفالهم وعائلاتهم.

لم تترك الآلة الصهيونية شيء دون أن تغمره بنيران رصاصة أوقذيفة دبابة بل وعاثت بآلياتها دماراً وخراباً مدمرة الأشجار والمزارع والبيوت، جرافات عسكرية قامت بهدم منازلهم وآبار المياه وقطع الخراطيم الممتدة منها للأراضي الزراعية، إضافة لإستهداف مولدات الكهرباء التي تقوم بضخ المياه للأراضي وشبكات الصرف الصحي وأعمدة الكهرباء.

يقول المزارع (أبو جراد):" حين قامت الدبابات بإستهداف المزارع  القريبة من منازلنا خرجنا تحت نيران ودخان القذائف المتناثرة في كل مكان، أنا وعائلتي نجري ونلهث هو أشبه بيوم الحشر الكل يبحث عن مكان آمن خلف حائطٍ أو تلة رمل وأطفالي يحيطون بي".

وتابع:" مزيج من صراخ وآلام الأطفال والنساء وصفير رصاصات تسبق الرياح تطال كل مكان، وبما نرتدي من قطع ملابس تغطي أجسادنا خرجنا متجهين لملجئٍ غير آمن ولكن لاغيره موجود ومتاح، اختبأنا في مدرسة لوكالة الغوث كباقي اهل الحي وغيره من احياء وحارت ، ننتظر رحمة الله".

مضيفاً أن له خال يسكن على مقربة من منزله وهو (محمد سلامة أبو خوصة 77عام) فحاولو أخده معهم لكنه رفض وفضل البقاء في بيته وأرضه مهما كان، و حينها اقتحمت الآليات العسكرية المنطقة وقامت بالتجريف وهدم البيوت, وقال "حسن" إن خاله محمد استشهد بعد أن قامت دبابات الاحتلال بالمشي فوق جسده، وهو مصاب، ولم تبق سوى نصف جسده فقد تفتت الباقي تحت جنازير الدبابات.

يضيف "ابو جراد":" عندما رجعت في أول اتفاق هدنة بين الفصائل والإسرائيليين لأرى ماحل بمزارعنا وبيوتنا فما لحق بالبلدة لم يكّن الشيء الذي آلمني ، فنحن تعّودنا على هذه القصص على مدار الخمسين عاماً التي أمضيتها من عمري، ما آلمني حقاً هو تجريف أرضي، غالبيتها مزروعة بأشجار الزيتون ، حيث يبلغ عمرها خمسة عشر عاماً".

 ويوضح "أبو جراد" :لقد ربيتها مثلَ أبنائي ، خمسة عشرعاماً من الشقاء ، ذهبت هكذا في لحظات ، لم أشعر بالوجع في حياتي مثلما شعرت عندما رأيت أشجاري كلها جرفت، تفاجأنا وكأن زلزال قد ضرب المنطقة بأكملها، لابيوت ولا شجر، سوى بقايا أغصان أشجار منفصلة متناثرة هنا وهناك، وجلست أنظر لأرضي وبقايا الأشجاروماحل بها وأتذكر حيث كنت اجلس هنا وهناك، كانو الأولاد يلعبون في كل مكان من الأرض يقطفون من ثمرها ويأكلون يستطرد..راح بيتي وارضي ما إلي غير الله".

أضاف "ابو جراد" الآن انا وزوجاتي الاثنتين واولادي نسكن في شقة  صغيرة قمت بإستأجارها فلا اقدر على الإستمرار بالمكوث في المدرسة فالوضع غير عادي، عددنا كبير والمكان محدود ودورات المياه مشتركة ولا خدمات والحال يرثى له وتدمع له العين.

في حسرة يتألم "أبو جراد" ويقول: ليتنا ذهبنا مع من ماتوا، لقد ارتاحوا من رؤية هذا الدمار ، الموت الحقيقي هو رؤية كل هذا الخراب، لم أستطع استيعاب أن كل أرضي جرفت ، من سيعوضني عن خمسة عشر عاماً ذهبت في لحظات ، كم بقي في العمر لكي أستعيد ما فقدت".

وختم أبو جراد حديثه لزمن برس بالقول:" لعل أبشع أنواع الخسارة ، هي الخسارة البشرية ، حيث لا يبقى للحياة معنى بعدها ، لكن الخسارة التي توّجع بشدة هي خسارة المعنى المرتبط بالحياة ، هي أن تتّرك وسط دمار وخراب لتنتزع معاني الحياة من مغتصبيها فمن مات بالأمس استراح".

حرره: 
م.م