قررت… فعلت وانتصرت

حركة حماس

كان المتوقع من دولة اسرائيل الحاق الهزيمة بحماس وليس أن تملي حماس ما تشاء

بقلم: بن كسبيت

الجملة الأكثر اذهالا والتي قيلت في المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس رئيس الوزراء، وزير الدفاع ورئيس الاركان في موعد الذروة الاخبارية التلفزيونية، قالها بنيامين نتنياهو نفسه في القسم الاول من اقواله. وفيما كان يحصي الانجازات العظمى للجرف الصامد قال نتنياهو: «فوق كل شيء – احبطنا من خلال منظومة القبب الحديدية محاولة حماس التقتيل الجماعي لمواطني اسرائيل. وقد تحقق هذا الامر ضمن امور اخرى بفضل قرار اتخذته كرئيس وزراء في الولايات السابقة بتزويد دولة اسرائيل بالاف عديدة من صواريخ الاعتراض التي صدت بالطبع الهجمة الاجرامية لحماس».
قل، يا سيد نتنياهو، أأنت جدي؟ كيف يحصل لك هذا كل مرة من جديد؟ فبعد أن كنت «أول من لاحظ» الحريق في الكرمل، وبعد أن كنت «اول من أقنع» العالم بعدم الحديث مع الارهاب (وبعد ذلك حررت أكثر من الف قاتل مقابل جلعاد شاليط)، وبعد أن كنت اول من أعلن بانه سيسقط حكم حماس (ولكنك تدير معها مفاوضات وتخاف الصدام بها)، الان انت تأتي وتعلن بان حياة سكان اسرائيل نجت بفضل «قرار اتخذته» بتزويد القبب الحديدية بالاف صواريخ الاعتراض؟ الا يوجد اي حد للوقاحة، بما فيها وقاحة السياسيين؟
خسارة. كان يمكن لنتنياهو أن يخرج عظيما. كان يمكنه أن يمتدح القبة الحديدية، وان يلقي بكلمة طيبة لعمير بيرتس، وان يضيف بضع كلمات طيبة لشموئيل كيرن، داني غولد ورفائيل. مجدهم، مجدنا. لو لم يكن اقل طمعا لكان يمكنه أن يبني نفسه من الاحترام الذي يستحقه اولئك الذين فعلوا حقا. وبدلا من ذلك يحاول أن يلملم، بما يثير الشفقة البائسة، بعض العطف ويشرح بانه هو الذي قرر تزويد القبة الحديدية بصواريخ الاعتراض («تمير»)، وهكذا أنقذ حياتنا جميعا. وبالمناسبة ما كان يمكن لرئيس وزراء في العالم الا «يتخذ قرارا» كهذا بعد حملة «عمود السحاب».
ابتداء من وقف النار، تعرض الجيش الاسرائيلي لضغوط شديدة لتحرير ضباط كبار لاجراء مقابلات في كل وسائل الاعلام «لمساعدة» نتنياهو كي يشرح للشعب الاسرائيلي باننا انتصرنا. في الجيش الاسرائيلي رفضوا. وكانت جلبة غير صغيرة حول ذلك. فقد نجح رئيس الوزراء في أن يجند أمس يوسي كوهن، مستشار الامن القومي، الذين يتلقى التعليمات من نتنياهو، والناطق سلس اللسان. وهذا هو. نشأت حاجة لنقل رسالة نصر مع ذلك. فجروا مرة اخرى رئيس الاركان غانتس الى مؤتمر صحافي في الثامنة والربع مساء، ذروة البث، للسيطرة على زمن البث الباهظ الثمن ومواصلة عملية الاقناع. اما النتيجة فكانت باهتة. لم تنتج اي عناوين رئيسة، والثلاثة واصلوا التصافح الواحد مع الاخر، والثناء الواحد على الاخر، بينما بقيت علامات الاستفهام معلقة في الهواء.
المفارقة هي أن معظم الاقوال التي قالها نتنياهو، يعلون وغانتس أمس صحيحة. نعم، حماس تلقت ضربة قاسية جدا. نعم، كانت للجيش الاسرائيلي انجازات غير قليلة.
نعم، حماس لم تخرج مع اي انجاز من هذه الحرب. ولكن نعم، نحن أيضا، في هذه الاثناء، لم نحقق شيئا. كان يمكن التوقع من دولة اسرائيل، مع الجيش الاسرائيلي، مع الشاباك، مع الموساد، سلاح الجو والاستخبارات الافضل في العالم، الحاق الهزيمة بحماس، أو على الاقل انهاء مسلسل الاحداث والجدول الزمني. اما في الواقع فحماس هي التي أملتهما.
قال نتنياهو أمس انه «سيسره اذا ما دخلت قوات ابو مازن الى غزة»، بعد أن وظف في السنة الاخيرة كل طاقاته للتشهير بابو مازن، تجاهل حكومة التكنوقراط الجديدة التي شكلها وجعله عدو الانسانية. فجأ، هو الامل الابيض الاكبر.
موشيه (بوغي) يعلون نجح أمس في ان يعلي على شفتيه عبارة «انجازات حرب لبنان الثانية»، ويبقى على قيد الحياة. فرأيه في حرب لبنان الثانية امتد في الكتب وفي الوثائق وفي المقابلات التي لا حد لها وفجأة، انجازات. حسن متأخر.
كان لنتنياهو قول آخر مثير للحفيظة أمس، حين واجهوه بالوعد باسقاط حكم حماس. نعم، قال، وعدت، ولكني لم أتحدث عن احتلال القطاع. وفضلا عن ذلك، اضاف، من الصعب اسقاط منظمة ارهابية. ها هم حتى الامريكيون لم ينجحوا في اسقاط القاعدة. نعم، حسنا. بماذا يشبه المشبه بالمشبه به؟ فالقاعدة هي كيان عديم العنوان. هم منتشرون في كل العالم. هم في افغانستان وفي الباكستان وفي العراق وفي عدد لا يحصى من الاماكن على الارض. قائدهم كان ينبغي البحث عنه لاكثر من عشر سنوات. اما حماس، بالمقابل، فمحاصرة كلها في قطاع بري ضيق في ساحتنا الخلفية. حماس لا حاج للبحث عنها. هناك حاجة فقط للقرار بالصدام بها وبالتنفيذ. لقد وعد نتنياهو، إذ ان لسانه يتلوى بسهولة وبسرعة، بينما افعاله تراوح بعيدا في الخلف. هذه هي الحقيقة.
وبعد كل ذلك، يحتمل جدا أن «الجرف الصامد» ستكون لها نتائج طيبة. فالدمار في غزة هائل، الضربة التي تلقتها حماس شديدة جدا، ويحتمل جدا أن بعد سنتين – ثلاث سنوات نقول جميعنا ان هذه الحرب حققت ردعا لمدى طويل. كل هذا لن نعرفه الا بعد بضع سنوات. ولكن هذا يهم نتنياهو بقدر أقل. من ناحيته، المهم الان هي الاستطلاعات، الخصوم السياسيون، الجهود لتقليص الاضرار. آه، نعم: افق سياسي؟ أقترح، قال أمس نتنياهو، الا نسارع في هذا.

معاريف 

 

حرره: 
م.م