حماس تختبر صبرنا طلباً للانجاز

كتائب القسام

بقلم: عاموس هرئيل

تبيّن أن تلخيصات الحرب ولا سيما اعلانِ الطرف الاسرائيلي النصر، تبيّن أنها سابقة لأوانها كثيرا. فبعد 72 ساعة الهدنة الانسانية جددت المنظمات الفلسطينية في صباح يوم الجمعة اطلاق القذائف الصاروخية من قطاع غزة على النقب. وتجري مرحلة القتال الحالية مع ذلك الى الآن بحسب قواعد اخرى: فالفصائل الفلسطينية الصغرى في حماس لا حماس تتحمل المسؤولية عن اطلاق القذائف الصاروخية التي تتركز في بلدات غلاف غزة. وترد اسرائيل الآن بهجمات جوية مُركزة نسبيا غايتها في الأساس ضرب منظومات الاطلاق.

إن رئيس الاركان وقائد منطقة الجنوب اللذين تحدثا في منتصف الاسبوع الماضي عن اعادة الأمن الى بلدات غلاف غزة مع وقف القتال، وجها كلامهما في الأساس الى أبناء الكيبوتسات الذين احتاروا في مسألة هل حان الوقت للعودة الى بيوتهم. وتناولت التصريحات التهديد المركزي الفعلي مدة الاسبوعين ونصف الاسبوع للعملية البرية وهو الانفاق الهجومية. إن الجيش الاسرائيلي دمر في الحقيقة كل الانفاق التي عرف بوجودها لكن يتبين الآن أن التصريحات الواثقة بنفسها لم تأخذ في الحسبان بقدر كاف تهديد القذائف الصاروخية القديم ولا سيما قذائف الهاون.

لم يُجدد اطلاق النار على مركز البلاد الى الآن – ويبدو أصلا أن سكان غوش دان والسهل الساحلي والشارون اعتادوا على حقيقة أن قذائف معدودة فقط تنجح في اختراق الغلاف الدفاعي الذي تتيحه القبة الحديدية. لكن الظروف في غلاف غزة مختلفة تماما لأن الانذار باطلاق القذائف يُهييء 15 ثانية فقط للعثور على ملجأ، ولا تنجح منظومات اعتراض الصواريخ في مواجهة قذائف الهاون. وليس عجبا أن كثيرا من أبناء الكيبوتسات لم يعودوا بعد الى بيوتهم وأن رئيس بلدية سدروت على نحو غير عادي في ايام الحرب، هاجم وزير الدفاع مهاجمة شخصية بسبب سياسة الحكومة.

إنهم في الجيش الاسرائيلي على يقين من أن حماس هي المسؤولة عن اطلاق القذائف الصاروخية منذ يوم الجمعة برغم أنها لم تتحمل أية مسؤولية عنها. وقد قُتل أو جُرح ثمانية فلسطينيين في سلسلة هجمات لسلاح الجو الاسرائيلي. وقُتل فلسطيني آخر بقصف آخر لمسجد في مخيم لاجئين في وسط القطاع استعمل كما قالت اسرائيل مخزنا للسلاح. وحينما زادت خسائر المنظمات بالهجمات الجوية أُطلقت قذائف صاروخية ايضا على منطقتي بئر السبع وعسقلان. وجددت حماس أمس ايضا التهديد باطلاق قذائف صاروخية على تل ابيب برغم أن عدد القذائف الصاروخية لمدى متوسط التي تملكها المنظمة انخفض كثيرا وهي تحاول أن تُصرف سياسة الحرص في اطلاق النار كي لا توهن قدرتها كليا.

تفسر اسرائيل استقرار رأي حماس على تجديد اطلاق النار بأنه ثمرة خيبة أمل في المنظمة بسبب تقدم المحادثات البطيء في القاهرة، وقد دفعت غزة ثمنا باهظا في الحرب ويجب أن تخرج حماس الآن مع انجاز كبير بقدر كاف كي تسوغ في نظر سكان القطاع أكثر من شهر من التدمير والخسائر.
يبدو ايضا أن خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للمنظمة، ما زال يراكم الصعاب. قبِل مشعل في الاسبوع الماضي موقف القيادة في غزة التي وافقت على الهدنة أولا وعلى اجراء التفاوض بعد ذلك في شأن التسوية النهائية كما طلبت اسرائيل ومصر طول الوقت، وهو يريد الآن أن يعود الى المحادثات في اثناء القتال وأن يعيد في الوقت نفسه قطر التي تستضيفه الى الصورة.

أعلنت اسرائيل أنها لن تعاود التفاوض غير المباشر في القاهرة دون أن يقف اطلاق النار تماما (وقد غادر الوفد الاسرائيلي القاهرة في ساعات الصباح المبكرة من يوم الجمعة قبل تجديد اطلاق القذائف الصاروخية). ويتم تحسس الانباء في واقع الامر بالهاتف وفي اللحظة التي يقف فيها اطلاق النار من غزة سيعود الوفد الى القاهرة ايضا.

وفي مقابل ذلك يزعمون في حماس أن المنظمة لن تتراجع عن مطالبها الأساسية التي ليست هي فقط فتح معبر رفح بل توسيع الحركة في المعابر الى اسرائيل ايضا وفتح ميناء ومطار والافراج عن السجناء الذين أفرج عنهم بصفقة شليط والذين اعتقلتهم اسرائيل في الضفة الغربية ردا على اختطاف الفتيان الثلاثة في غوش عصيون قبل شهرين تقريبا.

يقولون في اسرائيل إن هذه المطالب غير واقعية. سيدخل مال لتعمير القطاع ولدفع رواتب عاملي حماس الى غزة بموافقة اسرائيل. وهناك ما يُتحدث فيه ايضا في شأن تسهيلات ما في المعابر الى داخل اسرائيل ويبدو أن مصر ستخفف بقدر ما الزحام في معبر رفح. لكن لن يكون أكثر من ذلك بكثير. وستُبحث مسألة الميناء في المستقبل البعيد فقط اذا بُحثت أصلا. ولن يجري تباحث في افتتاح المعبر الآمن الفلسطيني بين غزة والضفة بتأخر يبلغ عشرين سنة تقريبا (كما يُفهم ضمنا من مطالب حماس) – ولا في الافراج عن سجناء في الضفة الغربية ايضا.

إن حماس بحسب التوجه الاسرائيلي ليست شريكة في الخطوات في الضفة، فالعنوان الوحيد هناك هو السلطة الفلسطينية. وتشجع اسرائيل الآن بخلاف كامل لمعارضتها القاطعة لحكومة المصالحة الفلسطينية قبل ثلاثة اشهر فقط – تشجع مع مصر ومع موافقة حماس غير الاختيارية – إشراك مئات النشطاء من رجال الامن الوقائي في السلطة في استعمال الممر الآمن.

لكن كل تلك قضايا معقدة ما زال أكثرها بعيدا عن الاتفاق عليه. ولهذا لا يوجد الى الآن برغم الضغط المصري أي يقين من أن الهدنة الانسانية ستُجدد. ويمكن أن يعتمد الرد الاسرائيلي على اطلاق القذائف الصاروخية الذي يعتمد الى الآن على هجوم جوي، بعد ذلك على الألوية النظامية التي ما زال بعضها منتشرا في مواقع حول القطاع. لكن اسرائيل أوحت الى حماس في الايام الاخيرة بعدم رغبة سافر جدا في استمرار القتال الى درجة أنه ليس من العجيب حقا أن المنظمة عادت الى اختبار حدود صبرها. وفي خلال ذلك تعاود حماس محاولتها إقرار صيغة يكون اطلاق النار بحسبها على غلاف غزة مقبولا تقريبا من جهة اسرائيل (برغم عشرات الاهداف التي هوجمت في القطاع، لا يشبه ذلك قوة الهجمات في بداية الحرب)، في حين من الواضح لها أن اطلاق النار على الوسط سترد عليه اسرائيل ردا أقوى.

بقي التفسير متشابها

لماذا تستمر حماس الآن ايضا على القتال (بواسطة مندوبين في الحقيقة)، برغم مخاوف سكان غزة وبرغم حقيقة أن اطلاق النار يؤخر بدء مسار التعمير الطويل؟ ينبغي أن نفرض أن التفسير ما زال متشابها طول الشهر الاخير كله: ففي كل لحظة، وقت هجمات اسرائيل الجوية ووقت العملية البرية والآن ايضا، كانت حماس تعتقد أن كلفة هدنة كاملة دون انجازات حقيقية أغلى عليها من الاستمرار على القتال.
ما زالت استراتيجية حماس تعتمد على ثلاثة مركبات وهي: الثبات الصلب في وجه اسرائيل بواسطة القتال، وانجازات وعي في الحرب (الهجوم بالانفاق وجباية الخسائر من الجيش الاسرائيلي بالقتال البري وبالقذائف الصاروخية لكن بقدر أقل)، والصبر، أي إظهار طول النفس والقدرة على البقاء في وجه الضغط الاسرائيلي. ولم يطرأ على هذه الاشياء تغير جوهري برغم النطاق الواسع للهجمات الجوية والبرية التي استعملتها اسرائيل في قطاع غزة.

هآرتس 

حرره: 
م.م