الهدنة فرصة للتسوية في غزة

هدنة

بقلم: عاموس هرئيل

على طول الشارع 232 الذي يربط بين بلدات غلاف غزة، إمتدت أمس (الثلاثاء) منذ ساعات ما بعد الظهر صفوف لا نهاية لها لحافلات عسكرية وناقلات دبابات بحركة بطيئة نحو الشمال.
وقد نُسي منذ زمن المطر الذي قطر وقتا قصيرا في الصباح بصورة نادرة في بداية شهر آب. وقد لف الشارع سحابة ضخمة من الغبار الذي أثارته الدبابات وناقلات الجنود المدرعة التي سارت غربه في الطرق الترابية بينه وبين السياج الحدودي. وقد أصبح الخطر الوحيد فجأة بعد 28 يوما متوالية من القذائف الصاروخية وراجمات الصواريخ، أصبح الخطر الوحيد في منطقة غلاف غزة مصادمة السيارة في الأمام في ظروف انعدام الرؤية.
لم ينتظر الجيش الاسرائيلي زمنا طويلا بعد الهدنة التي أُعلنت في الثامنة صباحا وتبدو هذه المرة أكثر جدية من سابقاتها. وقد نُقض أكثر مقرات القيادة المؤقتة التي انتشرت حول القطاع في ايام الحرب أمس، وبدأ في وحدات الاحتياط اجراء التسريح وتسليم المعدات. وسيبقى على طول السياج الحدودي مع غزة في الفترة القريبة قوات معززة تحصر عنايتها في مهمتين وهما تأمين الكيبوتسات التي يعود سكانها الآن بالتدريج الى بيوتهم مع خشية من أنه ما زالت توجد أنفاق هجومية لم يُكشف عنها بعد؛ واستعداد لتصعيد آخر على الحدود برغم أنه يبدو أن الرد الاسرائيلي في هذه المرحلة على اطلاق الصواريخ من غزة سيكون بهجوم جوي لا بعملية برية اخرى.
جاء في الأنباء أمس خروج وفد اسرائيلي الى القاهرة لاتمام التفاوض غير المباشر مع حماس في شروط التسوية الجديدة في القطاع، وقد أُعلنت الهدنة في هذه المرحلة لـ 72 ساعة فقط لكن التقدير في اسرائيل هذه المرة هو أن احتمالات بقائها جيدة. فقد أصبحت حماس بعد ثلاثة اسابيع من الرفض المتكرر تقبل الخطة المصرية وخرجت القناة القطرية من الصورة. وتكرر اسرائيل دعوى أن اصرار حماس يكلفها ثمنا باهظا لأن ما كانت تستطيع الحصول عليه بعد 200 قتيل في القطاع ستحصل عليه بعد 1800 قتيل. وإن كبار القادة في جهاز الامن على يقين من أن التمسك الاسرائيلي بالقناة المصرية أثبت نفسه. وكفت الولايات المتحدة عن الحديث عن المبادرة القطرية ومنع الصدام المعلن بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الامريكي جون كيري فرض إملاء امريكي على اسرائيل لتسوية ما كانت لتُمكن من إتمام علاج الانفاق.
في الجيش الاسرائيلي يلاحظون هذه المرة فرصة لاحراز تسوية جديدة في قطاع غزة قد تنطوي على فوائد لاسرائيل ايضا. وقد أعلن المصريون أمس أنهم لا ينوون البحث في مطالب حماس المتعلقة بانشاء ميناء في غزة، لكن ستطرأ تغييرات حقيقية على ظروف استعمال معبر رفح. ويبدو أن القاهرة ستصر على إدخال رجال اجهزة أمن السلطة الفلسطينية الى المعبر وأن حماس ستوافق على قبول ذلك. وأصبحت اسرائيل التي هاجمت قبل شهرين فقط بغضب شديد اتفاق المصالحة بين السلطة وحماس، تؤيد الآن توثيق هذه العلاقة باعتبارها خطوة ضرورية. ويتحدث نتنياهو رسميا عن نزع سلاح القطاع. لكنهم في الجانب الاسرائيلي ايضا يدركون في واقع الامر أنه لن توجد في قطاع غزة قوة دولية تجمع القذائف الصاروخية من مخازن حماس كما حدث للسلاح الكيميائي في سوريا قبل أقل من سنة. لكن القصد الى الاعتماد على التنسيق الامني مع مصر لمنع تجديد تهريب السلاح في الانفاق وتشديد الرقابة أكثر على إدخال مواد مزدوجة الاستعمال (تُستعمل في الصناعة المدنية وفي صنع وسائل قتالية ايضا)، وطلب رقابة وثيقة على إدخال الاسمنت لمنع حفر أنفاق مرة اخرى. وتبدو كل تلك الآن للجانب الاسرائيلي مطالب في متناول اليد.
يعرض المسؤولون الاسرائيليون الكبار في الاعلام الموجه الى الداخل، يعرضون الدمار العظيم الذي خلفه قتال الجيش الاسرائيلي في قطاع غزة بصفته واحدا من عوامل التقييد الرئيسة التي ستؤثر في الفلسطينيين هناك الآن اذا فكروا في مواجهة عسكرية اخرى. لكنها دعوى تفضل اسرائيل عدم إظهارها في الساحة الدولية عالِمة علما أنه ستكون للاضرار في غزة آثار سياسية خطيرة. وعلى حسب تقديرات فلسطينية دُمر في القتال نحو من 10 آلاف بيت تدميرا كاملا وتضرر نحو من 30 ألف بيت آخر. وأصبح نحو من 400 ألف انسان مُهجرين وقد يستطيع نصفهم فقط العودة قريبا ليسكنوا منازلهم. وسيضطر آخرون الى الاستمرار على سكن مدارس وكالة الغوث ومخيمات تُقام بتبرعات من الخارج.
أصبح الجيش الاسرائيلي مستعدا بوساطة فرقة خبراء قانونيين وقادة ورجال استخبارات لاستقبال موجة طلبات تحقيقات دولية وخطوات قضائية موجهة على قادة شاركوا في المعارك. وستكون أحداث المعركة في رفح في يوم الجمعة بعد اختطاف الملازم أول هدار غولدن من لواء جفعاتي على يد خلية من حماس من مراكز الاشتغال والتحقيق مع عدة وقائع قُتل فيها عشرات المدنيين باطلاق النيران على مدارس. وعند اسرائيل تفسيرات جيدة جدا لبعضها لكن وقائع اخرى أصبح الجيش يراها تحتمل التوريط احتمالا واضحا.
قد يطول التفاوض في القاهرة مدة. وقد يُحتاج حتى التسوية الى إطالة أمد الهدنة عدة مرات – ومن المحتمل أن تُنقض التهدئة بعدُ. قال قائد منطقة الجنوب سامي ترجمان أمس إن اسرائيل ستضطر في كل تسوية الى أن تطلب الحق في علاج أنفاق هجومية جديدة حتى لو كان ذلك ينطوي على اجتياح القطاع. وأصبح يوجد لترجمان ولقائد فرقة غزة العميد ميكي إدلشتاين عمل كثير لتسكين نفوس سكان الكيبوتسات الذين يخشون أنفاقا اخرى.
في الوقت الذي يختلف فيه الرأي العام الاسرائيلي في نتائج الحرب، فان الشعور عند قادة الفرق والألوية التي شاركت فيها أفضل. ويوجد فرق واضح واحد قياسا بحرب لبنان الثانية هو أن القوات في هذه المرة عادت مع ما يبدو لها انجازا ملموسا وهو تدمير الأنفاق. «لا أعلم ما الذي سيعتقده الجمهور»، قال أمس أحد قادة القوات التي عملت في القطاع. «مما لا شك فيه أنه يوجد الكثير الذي ينبغي التحقيق فيه وستوجد أمور لاذعة. وأعلم أنني أنا نفسي اخطأت. لكنني أعلم ايضا أنه وُجدت عملية ذات غاية مناسبة وانجاز مناسب مع شباب وقادة أثبتوا أنفسهم في المعركة».
إحتل الجيش الاسرائيلي أمس المطاعم في مفترق يد مردخاي التي ملأها في اثناء الحرب اعلاميون وضباط يعملون في الجبهة الداخلية. وجلس ضباط احتياط من غرفة عمليات أحد ألوية المشاة النظامية لتناول وجبة وداع، ينظرون في تعب الى شاشات التلفاز التي بثت على الدوام صور جنود يعلوهم الغبار يخرجون من القطاع على بعد بضعة كيلومترات من هناك. وجلس قائد كتيبة من لواء آخر مع عدد من ضباطه لاستراحة قصيرة قبل أن يبدأ الرحلة بين والدي اربعة من مقاتليه قُتلوا في الحرب.
وفي الخارج، في المفترق، علق سكان كيبوتس كرمياه الذين عادوا الآن الى بيوتهم لافتة بلغة فكاهية، بايحاء من فيلم الحرب الاسرائيلي الحصري «جفعات حلفون لا تُجيب». لكن على بعد بضعة كيلومترات الى الشمال من هناك، في محطة وقود قرية بيت شكمه الزراعية التي اجتاحها رجال الخدمة الاحتياطية واشتروا منها كل شواحن الهواتف المحمولة، كان هناك تذكير بوجه الحرب الحقيقي وهو اعلان حداد على إبن القرية المساعد أول احتياط عدي بريغا الذي قُتل بسقوط قذيفة هاون على حدود غزة في الاسبوع الماضي.

هآرتس 

 

حرره: 
م.م