في البلدة القديمة بنابلس..الإعاقة وقلة الرعاية تحرمان عائلةً من الحصول على أبسط حقوقها

زمن الخير

ولاء خضير

زمن الخير، خاص زمن برس: سلكنا طريقا ضيقاً ومعتماً، حتى وصلنا حارة الياسمينة في البلدة القديمة  في نابلس، بيد أن وحشة الطريق كانت أحسن حالاً  من بيت ضيق، ولدقة الوصف غرفتين ونصف !! يعيش فيه ابٌ، وابنته وابنه الشائبين العاجزين، يخيل لكما أنهما طفلين لنحالة جسدهما، وتعيش معهم زوجة أبيهما، وقبل أن تدخل باب البيت ترمقك نظرات المارة المريبة، ولسان حالهم يقول كيف ولماذا تريدون أن تدخلوا هذا البيت، لا حياة فيه !

ميرفت شبارو (42عاما)، وشقيقها اسعد (39 عاماً)، ينخر بدنهما النحيل المتعب انعدام العناية الصحية، أصابهما عجز دماغي وجسدي وهم في عمر السنة فقط، ساءت حالتهما كثيراً، بسبب عدم تمكن الأهل من معالجتهما، وهم بالأساس ولدوا بإعاقة عقلية تقدر نسبتها فوق 85% .

كان لميرفت وأسعد 8 أشقاء آخرين من والدتهم التي فارقت الحياة بسبب مرضها منذ ما يقارب الخمس سنين، ولم يعش أشقاؤهم أكثر من سنتين، أو ثلاث سنين بسبب مرضهم بمشاكل في الأعصاب، والذي بالغالب يكون وراثياً  بالعائلة. ميرفت وأسعد الطفلان الكبيران، جلسنا بالقرب منهما، هما يفهمان كل ما كنا نقوله، يتهامسان ويضحكان فيما بينهما، لهما عالمهما الخاص، أسعد لا يقوى على النهوض، جسده هشٌ جدا، بحيث اذا وقع على الارض يتضرر بشكل كبير ويتألم .

اما ميرفت أفضل حالا من شقيقها بالسير على أقدامها، حيث أنزلت قدميها النحيلتين، وتكاد عظام جسدها تفتق جلدها الرقيق لشدة نحالتها، وزنها لا يتعدى20 كغمً، وترتسم ابتسامة خجلة على شفاه ميرفت حينما سألتها " الا تريدين شيئا يا ميرفت !"، لم تجب، انها لا تعرف ماذا يحدث بالخارج، لا تعرف احتياجات الفتيات بسنها، وان خافت ان تبقى وحيدة بالبيت، تضع زوجة أبيها كرسياً لها على عتبة بيتها، تجلس وتختبئ مخافة أن يراها أولاد الجيران، ويرشقوها بحجارة او كلمات جارحة، انها تميزهم، وتميز من يأتي لأجل خير لهم، أو لشر .
الاب أبو أسعد (66 عاماً) حكاية معاناة أخرى، فهو المعيل الوحيد للأسرة، لكن المرض والأوجاع صبت في أنحاء جسده، ويعاني أزمة في قلبه، لم يعد يقوى على تحمل كل ذلك وحده، ولم يعد قادراً على العمل كما كان له سابقاً، وحين سألت زوجة أبيهم عن كيفية تدبرُّها للطبخ، وحفظ الأكل كونهم لا يملكون " الثلاجة"، أجابتني  بكلمتين فقط، وصاحبهما حزنٌ مخلوط بفرح غريب يمرُّ في عينيها ... " الحمدلله" .

عائلةٌ لا ينتظرون سوى ايادي ممدودة بالخير والعون، تنشلهم من براثن الفقر المدقع، وتخرجهم من مأساة يعيشونها ولا يد لهم فيها، لا يعني ان يكونا الولدان معاقان ان يحكم عليهم بالموت، هو سويان بسلوكهما، لا يؤذيان أحد، ويحبان ان يأتي الضيوف عندهما، وسعيدان لأن العيد اقترب، وجل امنيتهم الان ان يرتدوا ملابس  جديدة جميلة، بدل هذه الملابس الرثة، فأي هدية قادرة على رسم الابتسامة على محياهما .

بدت السعادة واضحة على وجه ميرفت حينما حدثنا زوجة أبيهما أن ميرفت بدأت تصوم حديثاً، وأنها لا تتذمر ولا تتطلب شيئاً، بل في كثير من المرات تقوى على القيام وحدها، لترتدي شالاً أسوداً، وتمد سجادة الصلاة وتصلي، تقول زوجة أبيها  " تُتمتم بكلمات لا نفهما وهي على سجادة الصلاة، وحين يهيم والدها ليقول لها أتدركين ما الذي تفعلينه، أوقفه وأقل لها يا رجل توقف هي الآن بين يدي خالقها، ربما تحادثه بما لا تحادثه لنا، ربما تدعوا له بسرها ما لا ان نستطيع نحن ان نفهمه، دعها انها سعيدة بما تقوم به" .

زوجة أبيهما تتحدث مبتسمة، منذ أن جئت الى هذا البيت، وأنا أحاول أن اتعامل معهما على أنهما عاقلان سويان، يستطيعان أن يقوما بما يقوم به أي أحد، لذلك حرصت على أن أعلمها الصلاة والصوم حديثاً، ووعدت ميرفت بأنها إن صامتَ شهر رمضان هذا كله سآخذها إلى عمرة لبيت الله الحرام، وسأوفي وعدي لها مهما كلفني ذلك، وكما أني اقرا القراءن أمامهما، وعلمتهما ان يشغلا جهاز التلفاز، ويتابعان ما يحلوا لهما، انهما يحبان باب الحارة"، وحينما التفت الى ميرفت وجدتها مبتسمة .

وتكمل زوجة أبيهما الحديث عن عدم قدرتهما على توفير الغذاء اللازم يوميا لبيتها، بالكاد تبتسم ثم لحظات حتى يتبدل حالها، وتتمالك نفسها عن البكاء، وقالت " : نفطر على ما يرسله لنا أهل الخير، إننا لا نتقاضي سوى مبلغ 750 شيكلاً كل ثلاثة أشهر، والذي لا يكفي لشراء فوط صحية  لهما، لا نملك ثلاجة، أو حتى غسالة، جل وقتي أعتني بالولدين، يريدان عناية خاصة، أذكر مرة أن والده ترك أسعد يستحم لوحده ، لولا ستر الله لكان أحرق نفسه، واحترق البيت كله، فنحن لا نملك " بويلر"  وفي الشتاء نعتمد على الغاز لتسخين المياه، وهو أمر خطير جدا بوجود الولدين " .

كيف يمكنك العيش وأن تنتظر الموت، ففي هذا البيت  ما ينتظره أسعد وميرفت هو الموت لشدة مرضهما ، من المعلوم أن مثل هؤلاء المرضى يحتاجون الى رعاية خاصة، وتغذية معينة، والتي لا بد أن تشمل فيتامينات خاصة لتقوي جسديهما النحيلان، كما أن التخلف العقلي ليس له علاج أو دواء، ولكن يتم إعادة تأهيلهما وتدريبهما على النطق والحركة، فلو تأهلا لكان وضعهما أفضل بكثير مما هماعليهما الأن.

 لكن الوقت لم يفت، ما زال أمامهما أملٌ للحياة، اصطحابهم لمراكز التاهيل، أو جمعيات ستساعدهم على أن يقويا عودهما، وربما يتمكنان من إنجاز بعض الأعمال من رسم أو أعمالٍ يدوية، لم يخلق الله أحداً إلا ووضع فيه سرِه، كيف لنا ان نمحيَ روحيين يعشيان بيننا وحولنا فقط لأنهم ولدا هكذا !!  .

غادرنا المكان وتملؤنا الدهشة والحيرة في قدرة العائلة على مواجهة هموم الحياة ومشاكلها بكل ذلك التفاؤل وعدم اليأس من رحمة الله، لا سيما حينما قالت لنا زوجة أبيهما ": سأبقى اعتني بهما، رغم ما بهما من نقص ربما ليس بنظرهما، ولكن بنظر العالم المحيط بهما، وكل ما أتمناه هو معاش يومي للأكل وللشرب لهما، ولا انتظر الا رحمة رب العالمين" .

* زمن الخير ستقدم مساعدة متواضعة للعائلة، وللراغبين بالمساعدة من أهل الخير الرجاء التواصل مع العائلة مباشرةً عبر الرقم التالي 0569-351987.

* في شهر رمضان المبارك أطلقت وكالة زمن برس الإخبارية  نافذة زمن الخير لدعم العائلات التي تعيش أوضاعاً صعبة، واستمرت الحملة بع رمضان بدعم وجهد كبير من طاقم الوكالة وجهاتٍ أخرى.

غردوا عبر #هاشتاغ #زمن_الخير وشاركونا في الوصول إلى عائلات محتاجة. ...معكم نحو الخير.

للاطلاع على مزيد من الحالات http://zamnpress.com/social-responsibility

 

حرره: 
م.م