كيف نخرج من هذا؟

كيف نخرج من هذا؟

ناحوم برنياع

انتظر المجلس الوزاري الامني المصغر الذي اجتمع في يوم الاربعاء بعد مباحثاته الليلية، ما يخرج من فم واحد هو خالد مشعل. إن مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس حسّن مكانته هذا الاسبوع، فقد أصبح مصير الهدنة التي تريدها جهات كثيرة جدا، في يديه. وقد أعمل جون كيري وزير خارجية أقوى قوة في العالم، علاقاته بقطر كي يكسب رضاه؛ وآمن كيري بأنه يفعل ذلك من اجل حكومة اسرائيل وبمباركتها؛ وحاول أبو مازن وحاولت تركيا.

كان مشعل يستطيع أن يختار من مسارين، إما الموافقة على هدنة مطلقة تنهي القتال وتعيد قوات الجيش الاسرائيلي الى البيت وتبدأ عصرا جديدا في غزة، وإما الموافقة على ما يسمى «هدنة انسانية طويلة» وهي خمسة ايام هدوء لنشاط الطرفين القتالي يتم خلالها تفاوض في قواعد اللعب فيما يلي ذلك.

واختار مشعل ألا يدخل المسارين. فربما يريد أن يساوم في التفاصيل وربما يريد أن ينتقم من المصريين الذين أذلوه علنا، وربما لا يملك تفويضا لأنه ربما توافق الذراع العسكرية في غزة لكن الرفاق في المنظمة في قطر يريدون أكثر. وإن حقيقة أنه يُقتل فلسطينيون في غزة في اثناء ذلك بينهم غير قليل من الاولاد الصغار لم تجعله يُسرع. إن أقصى ما هو مستعد أو مستطيع أن يعطيه للعالم الآن موافقة على هدنة لبضع ساعات كي يتنفس السكان في غزة ويتزودوا بالحاجات الضرورية.

أُخمن أن يكون انتظار ما يخرج من فم مشعل يسبب لرئيس وزراء اسرائيل غير قليل من العذاب. ففي 1997 أمر الموساد بتصفية مشعل على ارض الاردن. وكان المكان خطأ قاسيا، وتعقدت العملية واضطر نتنياهو الى أن يرسل الى المستشفى في عمان مضاد السُم الذي أعاد مشعل الى الحياة، فمشعل هو نحسه.

في اسرائيل يبحثون عن خطة للانهاء. وكانت هذه هي الروح ايضا في التباحث في المجلس الوزاري المصغر. أجل توجد أنفاق اخرى لتُدمر لكن يبدو أنه لا سبيل لتدميرها كلها، وفي هذا الوقت تضاف أسماء اخرى الى قائمة القتلى ويثور الخوف من كارثة تُضعف اليدين بين جنود الجيش الاسرائيلي أو السكان المدنيين في اسرائيل أو السكان المدنيين في غزة.

صاغ كيري الذي لا يكل اقتراحا للهدنة يراوح بين الاقتراح المصري الذي أذل حماس وأرغم أنفها، والاقتراح القطري الذي منح حماس الشعور بالنصر. وهو يقترح الموافقة على هدنة مؤقتة تُناقش في اثنائها كل مطالب حماس وتضطر اسرائيل الى التفاوض فيها تحت اشراف كيري والاوروبيين. وهذه حبة دواء مُرة لاسرائيل وما زال مشعل لم يُجب عن ذلك بالموافقة.

يوجد اشخاص في الجيش الاسرائيلي وفي القيادة السياسية ايضا ضاقوا ذرعا بالانجرار وراء حماس، وهم يسعون الى انهاء العملية بقرار اسرائيلي من طرف واحد بأن تخرج اسرائيل القوات البرية من غزة، لكن اذا لم يتوقف اطلاق النار من غزة فسيستمر اطلاق نار سلاح الجو وسلاح البحرية والمدافع. ووجد مثل هذه القرارات من طرف واحد في الماضي في نهاية عملية «السور الواقي» في الضفة، ونهاية عملية «الرصاص المصبوب» في غزة وغيرها. ونجح الردع وأفضى الى تهدئة. والردع هو العامل الحاسم ايضا حينما يوجد اتفاق، فقد انتهت حرب لبنان الثانية الى القرار 1701 عن مجلس الامن بموافقة لبنان واسرائيل. ونكث حزب الله مواد نزع السلاح في القرار من أول يوم، لكنه لم يطلق قذائف صاروخية على اسرائيل لا بسبب الاتفاق بل بسبب الخوف.

تطلب اسرائيل نزع السلاح في هذه المرة ايضا بأن لا يصنعوا في غزة صواريخ بعد الآن. وقرن نتنياهو هذا المطلب الذي اقترحه أول مرة شاؤول موفاز، بحملة دعاية دولية. وقد يكون جيدا للدعاية وقد يكون كذلك ايضا لمساومة الامريكيين، لكن لا أحد في الجيش الاسرائيلي يؤمن بأن تحول حماس سيوفها الى محاريث. ويقول أحد الجنرالات إن المقاومة هي في طبيعة حماس وفي مورثاتها الجينية، وسواء أكان اتفاق أم لا فان صنع القذائف الصاروخية سيجدد بعد الحرب.

 

هكذا ساء حالنا

 

إن تحليل بلوغ الطرفين الى المواجهة في غزة يُذكر بالوصول من «مسيرة الحماقة» لبربارة توخمان. فقد كانت التقديرات الاستخبارية قبيل العملية تقول إن حماس مضروبة، فلا رواتب ولا تزويد باحتياجات السكان والعالم العربي ما عدا قطر يقاطعها، والمصالحة مع فتح لا تغادر مكانها. وكانت هذه التقديرات صحيحة وحينها جاء خطف الفتية الثلاثة وعملية «عودوا أيها الاخوة».

اعتقلت اسرائيل من أُفرج عنهم بصفقة شليط مرة اخرى، وانقضت على بنية حماس التحتية في الضفة، ولم تطلق حماس في غزة الناس. وبدأ اطلاق قذائف صاروخية لا على يد حماس فرددنا على ذلك. وتم احباط محاولتا تنفيذ عملية على جنود، وفي الاحباط الثالث قتل رجل من حماس.

وكانت تلك أول مرحلة في مسار تطور الامور. وحاولنا التهدئة وبدأوا يطلقون الصواريخ، وحينما بلغوا الى 25 – 30 قذيفة صاروخية كل يوم شعرنا بالحاجة الى الرد فانتقلنا نحن وهم الى المرحلة الثانية ثم الى الثالثة وهي العملية البرية. هذا هو تاريخ عملية الجرف الصامد، فليست هي تدبيرا خفيا لحماس ولا مؤامرة من اسرائيل. إنه تدهور من درجة الى درجة مثل كرة فقدت السيطرة عليها بقوة الجاذبية.

 

أول من أنذر

 

هل علم المجلس الوزاري المصغر حين وافق على الهدنة المصرية في منتصف الاسبوع الماضي أن غزة مليئة بالانفاق يصل عشرات منها الى داخل اسرائيل؟ والجواب نعم. فبجهد متواصل مدة سنين رسمت «أمان» خريطة العالم تحت الارض في غزة. ولم تكن كل الانفاق معروفة ولا كانت كل الفوهات والمسارات مُعلمة، لكن مقدار التهديد كان معلوما، وليس هو موجودا فقط في المادة السوداء التي تصل الى رئيس الوزراء بل في اليو تيوب ايضا. فقد شمل رئيس «أمان» افيف كوخافي أمر الانفاق في محاضرة له في معهد بحوث السياسة في تل ابيب.

كانت القوات التي دخلت الى غزة مزودة بعناوين فلم تحتج الى «ويز» بل اتجهت الى تلك الاماكن التي ظُن أنها فوهات أنفاق بحسب المعلومات التي جمعتها «أمان». وافق نتنياهو على هدنة برغم أنه علم بالانفاق وبالتهديد الذي تنطوي عليه. وراوح قراره وقرار المجلس الوزاري الامني المصغر في داخل المجال المشروع. واعتقد بينيت الذي صوت معترضا بسبب الانفاق اعتقادا مختلفا لكنه وضعت على طاولة المجلس الوزاري المصغر تقديرات اخرى ايضا.

إن غير الشرعي هو الفرق بين الخطابة والواقع. ولم يكن نتنياهو أول من حذر من الأنفاق. ولم يرَ بصفته رئيس الوزراء أن الأنفاق تهديد يُسوغ عملا عسكريا قبل عمود السحاب وفي خلالها وقبل الجرف الصامد وفي خلالها. واختار أن يخاطر، وحينما قال في جواب عن سؤال أودي سيغال في القناة الثانية إنه أمل أن تُحل مشكلة الأنفاق بطريقة سياسية كان يعلم أن هذه الجملة ليس لها ما يؤيدها في الواقع. فوجيء نتنياهو مثل آخرين في الحكومة بقدرة حماس الهجومية وبروحها القتالية وبعدد القتلى من الجنود. وهو فقط يستطيع أن يجيب عن سؤال أكان العلم يمنعه من الوصول الى العملية البرية؟ ولست على يقين من أنه أهل لأن يجيب على هذا السؤال حتى حينما يتحدث الى نفسه.

يفترضون في الجيش الاسرائيلي أنه ستكون جولة قتال اخرى بين الجيش الاسرائيلي وحماس بعد فترة تهدئة. ولما كان الدمار كبيرا جدا هذه المرة – خسرت حماس 3500 قذيفة صاروخية، وأكثر الانفاق التي تفضي الى اسرائيل، وجزءً من سلسلة القيادة وغرف عمليات ومخازن ذخيرة وغير ذلك – فان الهدنة حتى الجولة التالية ستكون طويلة.

والسؤال هو هل سكان غلاف غزة وسكان الجنوب كله مستعدون للاستمرار على العيش بين جولة قتال واخرى. ويُخيل إلي أنهم يستحقون أكثر من ذلك.

ولهذا يجب على الحكومة أن تسعى الى تغيير أساسي للواقع في غزة. وربما في هذه الفرصة الاحتفالية الى تغيير في واقع العلاقات بالفلسطينيين جميعا. وقد دلت تصريحات نتنياهو في خلال العملية على أنه بدأ يتحدث عن أبو مازن لا باعتباره مشكلة فقط بل باعتباره حلا ايضا. لم تنجح محاولة اسرائيل التفرقة بين الضفة وغزة، وأن تُفرق لتحكم. يُحتاج الى رؤيا ويُحتاج الى أمل لا للاسرائيليين فقط بل للغزيين ايضا، فكلما هربنا منهم طاردونا.

 

ليسوا أبطالا

 

نشأت ثلاث مستوطنات تحت سلطة اسرائيل في شمال القطاع بين معبر ايرز والبحر وهي نيسانيت وإيلي سيناي ودوغيت. وقد أُلصق بها اسم جميل هو النطاق الشمالي. في أول ليلة من الدخول البري، وهي الليلة بين يومي الخميس والجمعة في الاسبوع الماضي، سيطر اللواء المدرع 401 على هذا النطاق. وفي دوغيت قرب شاطيء البحر كان يوجد معسكر لحماس، أما إيلي سيناي ونيسانيت ففيهما أنقاض. وتوجه اللواء 401 جنوبا الى ظاهر مخيم اللاجئين جباليا. وفي المرحلة الثانية دخل لواء الشباب الطلائعيين الى شمال شرق القطاع، الى بيت لاهيا وبيت حانون.

«لم أكن أعرف غزة»، قال لي أحد قادة القوة.

وانحصر اهتمامه في الاساس بما تحت الارض. «في السنوات الخمس الاخيرة كانت غزة تحصن وتسلح نفسها»، قال. «دخلنا مستشفى صورة في بيت حانون، فوجدنا 12 سريرا فارغا تحتها مخزن ذخيرة. وكانت ساحة المدرسة الزراعية للبنات في بيت حانون مُعدة لاطلاق القذائف الصاروخية. وكان هناك جهاز يرفع الى ما فوق الارض 24 قاعدة اطلاق لصواريخ غراد. تخيل أنها مدرسة للبنات». (قد تكون تلك فرية إسرائيلية لتشويه المقاومة).

ووصف لي جندي من الشباب الطلائعيين خرج من بيت حانون القتال من وجهة نظره فقال: «لم توجد معارك وجها لوجه. دخلنا بيت حانون سيرا على الأقدام. وأطلقوا علينا صواريخ مضادة للدبابات ورصاصا من بنادق قناصين وبحثنا عنهم». ونعود الى الضابط الرفيع المستوى. قال: «صحيح إنه يوجد القليل من القتال وجها لوجه. يقولون لي إنها حرب منخفضة اللهب. وأقول إن هذا الاتصال هو حرب خالصة. فهم يحاولون ضربنا من الخلف.

«ليسوا في الحاصل العام أبطالا كبارا. إن لديهم قوات خاصة تُظهر قدرة واستعدادا للتضحية بحياتهم، لكن الأكثرين ليسوا كذلك. ففي يوم الاثنين مثلا لقينا خلية فيها ستة فقتل بعض وفر الآخرون. فهم يهربون من الصدام».

وسألته: هل وُجد مقاتل من حماس مع سلاح رفع يديه واستسلم؟

قال: «لا، لم يحدث هذا الى الآن».

إلتقينا في يوم الثلاثاء بعد الظهر في معسكر نشأ بين عشية وضحاها شمالي الحدود. «إن الاحداث مع المدنيين أكثر تطرفا مما يعتقدون»، قال. «فالمدنيون يريدون الخروج لكن حماس تُبقيهم في البيوت بالتهديد بالسلاح. فكل من يترك البيت يستحق الموت من وجهة نظر حماس. وأنا أرى أن من يطلق النار علي فقط هو الذي يستحق الموت. ونحن نُعمل التقدير للامور. فقد تخلينا عن تدمير بيت قائد كتيبة من الجهاد الاسلامي لأن البيت كان مليئا بالنساء والاولاد.

«لكنهم اذا أطلقوا علينا النار من داخل بيت فاننا نرد باطلاق النار ومنها نار الدبابات والصواريخ، بل إننا نهدم بيوتا احيانا.

«في منطقة المدرسة في بيت حانون لُغمت البيوت، فكل بيت مريب. وقد رد جندي باطلاق النار على قناص أطلق النار من نافذة فتفجر البيت كله مع سكانه. وحدث ذلك في عدة مبان. وبيت حانون أخف من الشجاعية، فالشجاعية محفورة تماما». الهدف هو تدمير الانفاق. «نسمي ذلك دفاعا أماميا»، قال قائد القوة. «نحن نوجه عمليات هجوم على اماكن تقول المعلومات الاستخبارية إن فيها منظومات أنفاق».

عُثر في شمال القطاع على ثلاثة أنفاق كبيرة أطرافها في داخل اسرائيل. وقد أفضى النفق الأكبر الى قرية نتيف هعسرة – وهو نفق عمقه 27 مترا، أي أكثر من سبعة طوابق، ويزيد طوله على كيلومتر. وقد تجاوز سلاح الحفر في حماس كل طبقة الجير ووصل الى طبقة رمل البحر تحتها وهي طبقة أسهل للحفر. وقد أدخل الجيش الاسرائيلي الى المنطقة آلات حفر من النوع الذي يعمل في حفر أسس المباني المتعددة الطوابق، وهم يحفرون في نقط مُعلمة على طول مسار النفق ويُدخلون مواد متفجرة ويفجرون. وقد تم تدمير النفق في واقع الامر.

ويقول قائد القوة: «عثرنا على الفوهة في نفق آخر وكانت عميقة جدا، وكان النفق مفخخا، وقد دمر سلاح الجو الفوهة ونحن نعمل الآن للكشف عن النفق. وهذا عمل هندسي ضخم. «يحتاج نقض الانفاق الى زمن طويل. ونحن نحاول أن نفعل في ايام ما استغرق في تدريبات قمنا بها في البلاد اسابيع، ونحن نفعل ذلك في داخل منطقة مهددة. وسألته: ما هي النهاية التي تريدها للعملية. فقال: «أريد هدوءاً، ويمكن احراز الهدوء بعدة سبل، ولست أنا من أقرر بأية سبيل».

 

أنفاق على الطاولة

 

في صيف 2010 تم في قيادة منطقة الجنوب تباحث، من تباحثات كثيرة، في قضية الانفاق. والتباحث آسر وذلك لأنه لا يجدد الكثير. وكل من يزعم اليوم أنه لم يعرف يكذب على الآخرين أو يكذب على نفسه، فقد كان كل شيء على الطاولة.

وبدأ قائد المنطقة في تلك الفترة، يوآف غالنت، الحديث فقال: إن المنظمات الارهابية في القطاع تُعد منظومة أنفاق هجومية لاستعمال عمليات نوعية في الوقت المناسب، في بنية تحتية واسعة على طول المنطقة كلها. وتستغل حماس التهدئة منذ انتهت عملية «الرصاص المصبوب» كي تُحسن استعدادها للعمليات. والانفاق الهجومية عنصر مهم في هذه المنظومة.

وقال إن التهديد يتوقع أن يكبر، فطول الانفاق يزيد، ويتسارع ايقاع العمل وتتحسن التغطية. وبذلت القيادة في علاجها جهودا في ستة مجالات منها الدفاع والهجوم والمعلومات الاستخبارية وتطوير تقنية، ويجب أن تستمر هذه الجهود. قال اللواء إن القتال تحت الارض هو طريقة قتال للعدو فيها قدرة عملياتية مبرهن عليها ونجاح عملياتي وادراك أن قواتنا ليس عندها حل ناجع لمواجهتها. وسيتسع استعمال الانفاق وهذا يوجب علينا التوصل الى حلول خلاقة.

وقال ملخصا إن الحل الشامل سيشمل الكشف عن اعمال حفر، والتحديد الدقيق لمسار الانفاق والقدرة على احباط التهديد أو التشويش عليه أو القضاء عليه. وذُكرت في النقاش سبع طرق بديلة لعلاج الانفاق. وأسماؤها ذات رنين رائع – فانه لا حد لابداع الجيش حينما يكون الحديث عن ايجاد أسماء – لكن النتائج كانت مخيبة للآمال آخر الامر. فقد تبين أن بعض المقترحين بهلوانات، وتبين أن آخرين ذوو مقاصد حسنة لم تنضج أفكارهم. وقد انشأت قيادة الجنوب قرب كيرم شالوم منشأة تجريب شملت نفقا على عمق 10 أمتار. ولم تنتج التجارب بشائر. لكن في 2010 كانت الثقة باختراع يحل مشكلة الانفاق ما زالت عالية.

شمل أحد الاختراعات جهاز مجسات لتحديد اعمال الحفر. وفشل الجهاز وكف الجيش الاسرائيلي عن التزود به.

وكان يفترض أن يكشف جهاز مجسات آخر فوق الارض عن نشاط يجري تحتها. ولم يكن الجهاز اوتوماتيكيا وأوجب تحسينات.

وكان يفترض أن يحدد جهاز ثالث مواقع آلات عمل تعمل تحت الارض.

وشملت منظومة رابعة حفرا في الارض واقامة أساطين والربط بمنظومة الماء، لكن كلفته المالية كانت خيالية. وكانت منظومة خامسة ترمي الى تعقب اعمال الحفر من الجو. وكانت منظومة سادسة ترمي الى الكشف عن المسار بعد الكشف عن النفق. واعتمدت منظومة سابعة على اعمال حفر وتفجيرات «احصائية». لكن جدواها كانت قليلة.

ومع عدم اختراع تكنولوجي مخلِّص، لم يكن مناص من علاج الانفاق بثلاثة سبل متوازية وهي جمع المعلومات الاستخبارية وعمل عسكري وراء السياج الحدودي ونفقة مالية كثيرة على تطوير تقني. وتم الجهد الاستخباري. وتم تعطيل العمليات العسكرية وراء السياج الحدودي بسبب توجيهات المستوى السياسي، ولم يخصص المال. ودُفعت الانفاق الى مكان منخفض نسبيا في ترتيب الأولويات.

تُبين المعطيات التغيير الذي حدث بعد عملية الرصاص المصبوب. ففي السنوات الثلاث بين الانفصال عن قطاع غزة في 2005 وعملية الرصاص المصبوب في 2008 – 2009 نفذت قيادة منطقة الجنوب 92 عملية عسكرية للعثور على انفاق وتدميرها، وقد دُمرت انفاق في الشجاعية والزيتون وعبسان الصغرى والكبرى – وهي اماكن عاد الجيش الاسرائيلي اليها هذا الاسبوع. وقد نُقيت المنطقة التي تحاذي اسرائيل في اثناء العملية من الانفاق. بعد انتهاء عملية الرصاص المصبوب أمر وزير الدفاع اهود باراك بالامتناع عن عمليات وراء السياج الحدودي. وزعم غالنت أن التفاهمات التي أحرزت مع حماس تُمكن من هذه العمليات، لكن باراك رأى غير ذلك. وامتنع رئيس هيئة الاركان عن التدخل.

وقد كان لحادثة دور تأسيسي في الجانبين: ففي تشرين الثاني 2008 كُشف جنوب ناحل عزة عن نفق طويل أفضى الى داخل اسرائيل فتقرر الهجوم عليه. وأراد باراك واشكنازي الهجوم من الجو وزعم غالنت أن الهجوم من الجو لن يدمر النفق فهو سيعالج الفوهة فقط وسيصعب العثور على المسار بعد ذلك، واقتنع باراك. وهاجمت الكتيبة الاستطلاعية من لواء المظليين بقيادة يارون فنكلمان، وهو اليوم قائد لواء غلاف غزة. فوجد المقاتلون نفقا فخما.

وردت حماس باطلاق القذائف الصاروخية وجر التصعيد المتبادل الطرفين الى عملية الرصاص المصبوب بخلاف خطط باراك الذي كان يسعى في تلك الفترة الى هدنة مع حماس. فقد كان الدرس الذي استخلصه باراك أنه ينبغي الامتناع بقدر المستطاع عن النشاط وراء السياج الحدودي؛ لكن الدرس الذي استخلصه غالنت هو أنه يجب علينا أن نعمل وراء السياج الحدودي.

تصاحب هذه المعضلة متخذي القرارات في اسرائيل منذ سنين، وهي تفسر في ضمن اشياء اخرى كيف وصلنا الى غزة الآن. يقول أحد التوجهات إن حماس تشبه الحشيش فان لم تجزه دائما فانه ينمو نموا فاحشا وتكثر فيه الثعابين السامة فيصبح قاتلا.

ويقول التوجه الآخر إن اسرائيل دولة محاطة بالأعداء فاذا أرادت البقاء واذا أرادت أن يتكسب سكانها من اعمالهم ويحظوا بحياة معقولة فيجب عليها أن تستفيد من التهديدات. فالتهدئة ليست مهلة بين عمليتين فقط بل هي قيمة. وقد اعتاد اسحق رابين أن يأمر بضبط النفس على حدود لبنان في الصيف. وقال إن السكان يرتزقون من الاكواخ الخشبية فيجب أن ندعهم يرتزقون. وكان الاسم الحامض الحلو الذي ألصقناه بسياسته هو «حرب سلامة الكوخ».

غيرت واقعتان صورة صناعة الانفاق في غزة، الاولى هي عملية عمود السحاب قبل سنة ونصف. ففي اثناء العملية برهنت القبة الحديدية على شيء من قدرتها. فأدركوا في حماس أن مجدهم لن يكون الصواريخ وحدها؛ والثانية هي الانقلاب في مصر قبل سنة، فقد أغلق الحاكم الجديد الفريق السيسي الانفاق بين غزة ومصر، فبحث فرع صناعي زاهر عظيم التجربة كثير العمال المهرة، عن عمل فوجده، فيما وجده، في انفاق تؤدي الى بلدات في اسرائيل.

 

يديعوت