خط المواجهة

حرب على غزة

كيف يمكن تحويل العملية البرية إلى وسيلة لمنح تسهيلات لمواطني غزة وتشديد الضغط على الذراع العسكري؟

بقلم: عاموس يدلين، شلومو بروم واودي ديكل

قررت حكومة اسرائيل توسيع حملة «الجرف الصامد في غزة الانتقال الى المرحلة الثانية والشروع في الليلة بين 17 و 18 تموز بخطوة برية محدودة. الهدف الفوري هو معالجة الانفاق الهجومية التي حفرتها حماس في حدود القطاع مع اسرائيل، ولكن المعركة ستستمر حتى تحقيق اهدافها مثلما صيغت: «اعادة الهدوء لفترة طويلة، في ظل توجيه ضربة ذات مغزى لحماس ومنظمات الارهاب».
في هذه المرحلة تضمنت الخطوة العمل في قاطع ضيق بعرض كيلومتر تقريبا، على طول الجدار الفاصل بين القطاع واسرائيل. وتشارك في العملية طواقم قتالية متداخلة من المشاة، المدرعات والهندسة، تتقدم في العثور على الانفاق الهجومية وتعطيلها. هدف فرعي هو خلق احتكاك مع نشطاء حماس لالحاق خسائر بالمنظمة. ويخيل أن معظم الاهداف المحدودة لهذه الخطوة قد تحققت. فقد عثر على عدد كبير من الانفاق، وهي في مراحل الهدم. اما الاحتكاك مع قوات حماس في هذه المرحلة فهو محصور لان حماس تعمل مثل قوة عصابات، تمتنع عن المواجهة المباشرة مع قوات الجيش الاسرائيلي وتفضل اشغال القوات الهجومية من بعيد. ومع ذلك، فقد اصيب عشرات من نشطائها وامسك بالعشرات، بينما يوجد للجيش الاسرائيلي عدد صغير جدا من المصابين.
كدرس من مواجهات مشابهة سابقة، حددت حكومة اسرائيل منذ بداية الاشتعال الحالي اهداف محدودة للمعركة. وكان الهدف الاول الوصول الى وقف نار مستقر يصمد على مدى الزمن ويتحقق من خلال تعزيز الردع حيال حماس. وكان الافتراض بان الردع سيتحقق من خلال الفعل المتداخل لاعتراض الصواريخ التي تطلق نحو المراكز السكانية في اسرائيل، الى جانب الاحباط الناجح لعمليات حماس، وذلك لمنع خسائر واضرار كبيرة في الطرف الاسرائيلي. وبالتوازي، تجري اعمال لجباية ثمن باهظ من حماس ومن المنظمات الاخرى من خلال ايقاع الخسائر وهدم بناهم التحتية. وكان الهدف الثاني توجيه ضربة شديدة لقدرات حماس العسكرية، انطلاقا من الافتراض بان الان، بعد التغيير في السياسة المصرية تجاه حماس وهدم الانفاق في حدود القطاع مع سيناء، سيكون من الصعب عليهم ترميم قدراتهم العسكرية على مدى الزمن.
لقد حاولت اسرائيل الامتناع عن خطوات برية خوفا من ان تجتذب عائدة الى داخل قطاع غزة مع احتمال عال بالتورط، فهم بان الاحتكاك القريب يؤدي الى اصابات في أوساط الجيش الاسرائيلي والتخوف من الاصابة الواسعة لسكان غزة غير المشاركين في القتال. ومن أجل استقرار وقف النار كانت اسرائيل مستعدة ايضا لتوافق على تسويات تضمن حياة اكثر طبيعية في قطاع غزة، مثل الفتح الاكثر انتظاما للمعابر الى غزة وغيرها من التسهيلات في مجال الصيد وادخال البضائع.

القاهرة في قلب المواجهة

اصطدم تحقيق هذا الهدف المحدود بالمصاعب بسبب مصالح مصر – عنصر الوساطة الاساس – في منع انجازات لحماس. وبينما لا تكون حماس راضية عن حقيقة أن مصر هي الوسيط الاساس بسبب أن ليس لها ثقة بصدق الرئيس السيسي فانها تبحث عن ضمانات خارجية لتطبيق التفاهمات وتفضل قطر وتركيا كوسطاء. وبالمقابل، فان اسرائيل ليست مستعدة الا للوساطة المصرية، ونجحت في أن تقنع الولايات المتحدة ايضا بتبني هذا النهج. وبالتالي، ردت حماس المبادرة المصرية لوقف النار لانها رأت فيها محاولة لاضعافها واهانتها. وواصلت اطلاق الصواريخ نحو اسرائيل ومحاولات تنفيذ العمليات الاستراتيجية، بما في ذلك التسلل لاسرائيل عبر انفاق هجومية، بالتوازي مع تفضيلها ادارة المفاوضات تحت النار، لتحقيق الحد الاقصى من انجازاتها من المواجهة.
لقد بادرت حماس الى التصعيد انطلاقا من الاحساس بان وضع الازمة الذي علقت فيه، من حيث العزلة السياسية والافلاس المالي فليس لها ما تخسره. وفقط من خلال تجسيد قدرتها على الحاق الضرر يمكنها أن تحسن وضعها ومكانتها داخل المعسكر الفلسطيني، حيال مصر، حيال اسرائيل وفي العالم العربي. منذ بداية المواجهة، أقامت حماس استراتيجيتها ايضا على الفهم بان انهيار حكمها في القطاع ليس هدفا اسرائيليا، بسبب الخوف من أن البديل لحماس هو الفوضى التي تعمل فيها محافل راديكالية وجهادية متطرفة بشكل حر.
تقدر قيادة حماس بان احتمال توسيع انجازاتها السياسية والعسكرية ستزداد طالما استمر اطلاق الصواريخ قبل الوصول الى اتفاق على وقف النار. في كل الاحوال، في نظرهم، الفصل الوحيد الذي لهم على اسرائيل هو الصبر وقدرة الصمود. وفي اطار ذلك، اختارت حماس بدء المفاوضات على وقف النار والتسوية بعرض مطالب جارفة: تحرير المعتقلين في حملة «عودوا ايها الاخوة» في المناطق، توسيع العمل في المعابر بين قطاع غزة واسرائيل، فتح معبر رفح بين القطاع ومصر، توسيع مجال الصيد الى 12 ميل بحري عن الشاطيء، اقامة ميناء بحري ومطار في قطاع غزة، تحويل اموال الرواتب الى الموظفين العموميين من حماس وغيرها.

حملة مضبوطة

عندما تبين لاسرائيل بانه لا يمكن الوصول الى توافق على وقف النار، لان حماس تكيفت مع الشكل الذي يهاجم فيه الجيش الاسرائيلي أهدافه وانه نشأت صورة «تعادل في القتال» دون قدرة على الحاق الهزيمة بحماس – بات ضروريا الانتقال الى مرحلة المناورة البرية داخل اراضي القطاع. وفضلا عن تحديد هدف ضرب انفاق الارهاب والاستعداد للدرجة التالية من التوسيع الكبير للاعمال البرية، تسعى اسرائيل الى اخراج حماس عن توازنها والايضاح لها بانها قابلة للاصابة وان لها ما تخسره، ومن الافضل لها الدخول الى الاقتراح المصري لمبادىء وقف النار والتسوية التي بعد ذلك.
الدخول البري في هذه المرحلة لا يستهدف احتلال كل القطاع. والنية هي لادارة حملة مضبوطة، ومحاولة جباية ثمن من حماس دون التورط في انتشار وبقاء طويل في القطاع. وبالتالي، يبدو أن الخطوة جاءت لتنظيف المستوى الامني – القاطع المجاور للخط الفاصل – من الانفاق الهجومية وغيرها من التهديدات، بل واعداد البنية التحتية لمنطقة امنية خاصة، نقية من البنى التحتية ومن النشاطات الارهابية في التسوية التي بعد المواجهة.
للخطوة البرية في صيغتها الحالية عدة فضائل:
1.فهي تعطل بقدر كبير تهديد الانفاق.
2.السيطرة في المنطقة، وان كانت محدودة، بعمق حتى 3 كم عن الخط الفاصل، تشكل ورقة مساومة لاسرائيل لمواصلة المفاوضات على وقف النار ومبادىء التسوية.
3.تسمح لاسرائيل في تنظيف واعداد المنطقة المجاورة للخط الفاصل في القطاع لفترة ما بعد وقف النار بحيث تشكل منطقة امنية خاصة، نظيفة من النشاط الارهابي ومع رقابة على النشاط المدني. وسيسهل الامر على اسرائيل منع بناء الانفاق، ويمنع محافل الارهاب من استغلال الاحتكاك القريب لهجمات على القوات العاملة الى مقربة من الجدار.
4.استعداد تنفيذي يسمح بتقصير مدى العمل للتسلل الى اعماق المناطق المبنية، ولا سيما مناطق الاطلاق الاساسية للصواريخ للمدى المتوسط والبعيد، على الجبهة الداخلية الاسرائيلية.
ومع ذلك، يجب أن نكون مستعدين ايضا لسيناريو لا يجلب حماس، ولا سيما ذراعها العسكري الاكثر تطرفا، في المدى الزمني القصير للركوع على ركبتيها والموافقة على الاقتراح المصري لوقف النار، حتى لو كانت ذلك بعض التعديلات التجميلية. ينبغي الاستعداد لوضع تواظب فيه حماس على اطلاق الصواريخ، ونشاطها يواصل الاستناد الى فكرة ان ليس لها ما تخسره، وانه من ناحية اسرائيل لا بديل لحكمها، لان اسرائيل تفضل عنوانا مستقرا يمكنه أن يفرض إرادته خيرا كان أم شرا – على ارض القطاع. وينشأ على ذلك استنتاجان: الاول، هو أنه كي تفهم حماس بان من الافضل لها وقف النار على استمرار القتال، على قادتها وزعمائها الكبار ان يشعروا بان الدائرة حولهم تأخذ بالانغلاق، وان قوات الجيش الاسرائيلي في ميل التقدم للوصول اليهم. والمعنى هو تعميق التوغل البري الى داخل الاراضي المبنية في القطاع. ثانيا، لا يمكن لاسرائيل أن تمتنع عن اقتراح رزمة امتيازات، قريبة من المجال المدني، مع التشديد على توسيع النشاط في المعابر وفتح معبر رفح، لامر المنوط بموافقة المصريين)، بحيث يكون بوسع حماس أن تعرض انهاء المعركة كانجازات لها.

معاريف 

 

حرره: 
م.م