إسرائيل تخرج من «الجرف الصامد»

الجرف الصامد

أصبحوا في إسرائيل بعد اقتراح وقف إطلاق النار يفكرون في الجولة التالية مع حماس أو حزب الله

بقلم: عاموس هرئيل

يبدو الآن احتمال لانهاء عملية «الجرف الصامد» بوقف لاطلاق النار بعد أن بدأت باسبوع. وستصبح العملية منذ اليوم مساوية في طولها لعملية «عمود السحاب» في 2012. ويمكن في بداية اليوم الثامن من العملية أن نشير الى عدة استنتاجات أولية:
1.اسرائيل تحذر جدا عملية برية في قطاع غزة. وليس تردد القيادة الاسرائيلية عرضيا فقد نشر عدد من الفرق القتالية من الوية الجيش الاسرائيلي في الجنوب في نهاية الاسبوع الماضي. وتشهد سلسلة الجلسات الليلية للحكومة المصغرة على شيء واحد هو أن رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان يفضلون الامتناع عن دخول بري الى قطاع غزة. ويبدو أنهم يبحثون عن كل بديل يُمكّن من الامتناع عن عملية مداورة في داخل غزة. ومع ذلك كله قد تجيز الحكومة المصغرة آخر الامر وبلا مناص عملية محدودة اذا لم يحرز مخرج سياسي من الازمة.
وسيعتمد استقرار الرأي على عملية محدودة اذا فشلت المبادرة المصرية لوقف اطلاق النار، على تقديرين وهما: ارادة عرض انجاز على الجمهور الاسرائيلي (تؤالف خشية القادة من أن يُروا خائفين من ادخال قوات الى الميدان) ومعها الحاجة الى مواجهة تهديدات محددة قرب خط التماس مع القطاع. وقد أحبط الجيش الاسرائيلي و»الشباك» الى الآن جهود حماس لتنفيذ عمليات مباغتة – الانفاق والغواصين وارسال طائرة بلا طيار أمس واطلاق صواريخ على دبابات.
لكن تهديد الانفاق خاصة يقلق الجيش. واذا لم تتم معالجته الآن بصورة أساسية فقد يكون نقطة انطلاق الجولة القتالية التالية. وقد نشبت المواجهة الحالية بقدر ما بسبب محاولة حماس تنفيذ عملية واسعة النطاق من انفاق في كيرم شالوم. ولحماس عشرات الانفاق الهجومية كهذه. وتشهد جولة في انفاق كشف عنها في الماضي على أنها مشروعات طموحة أنفقت فيها المنظمة مبالغ باهظة وأعدتها مدة شهور كثيرة.
إن تأخر قرار الحكومة المصغرة يستتبع نفاد صبر المستويات الميدانية العسكرية. ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الآن في وضع يشبه جدا وضع سلفه اهود اولمرت بعد نهاية الاسبوع الاول من حرب لبنان الثانية. وسيؤيد الجمهور واحدة من خطوتين إما وقف اطلاق النار وإما الدخول البري. ولن يصبر على استمرار السير في نفس المكان. واذا لم تُصغ تسوية سياسية سريعة لانهاء القتال فقد يفحص نتنياهو مرة اخرى عن افكار اخرى كوقف اطلاق النار من طرف واحد مدة 24 ساعة تعترض اسرائيل خلالها قذائف صاروخية تطلق عليها دون أن تهاجم القطاع. واذا تم اعلان وقف اطلاق نار دائم فان مشكلة اسرائيل الاستراتيجية تتعلق بجولة العنف التالية وهي كيف يُمنع استمرار تسلح حماس بقذائف صاروخية أكثر دقة لمدى أبعد؟ وهل يتم احراز ردع لحماس حقا بين جولة مواجهة واخرى؟ إن الحقيقة هي أن حماس برغم تصريحات الساسة والجنرالات تُحسن فقط مدى صواريخها وتزيد عددها بين جولة واخرى.
2.القبة الحديدية بصفتها كاسرة للتعادل. إن هذه العملية اكثر حتى من سابقتها موسومة بسمة الحماية الفعالة جدا التي تهبها منظومة اعتراض الصواريخ للسكان الاسرائيليين. فمع تحسين ملحوظ لأداء كل الاجهزة التي تعالج الجبهة الداخلية، سجل نجاح جوهري في استعمال القبة الحديدية. ويوجد فرق بين مضاءلة تهديد وبين الأثر الذي ينشئه احباط التهديد على الطرف الذي يستعمله. ويقترب أداء القبة الحديدية الى الآن من اعتراض شامل، ومن المؤكد أنه سيفضي الى تفكير حماس وسائر المنظمات الارهابية مجددا. وهذا انجاز عظيم لمطوري هذه المنظومة. والمطلوب الآن الاستمرار على التسلح بها حتى الوصول الى عدد مثالي من المنظومات بمساعدة اقتصادية امريكية.
3.كيف بدأ كل شيء؟ إن التفسير الذي يقبله الجانب الاسرائيلي هو أن حماس قادت الى هذه المواجهة وجرت اسرائيل اليها دون أن تقصد هذه النتيجة مسبقا كما يبدو. وقد أخطأت المنظمة كما كانت الحال قبل «عمود السحاب» في تقدير الرد الاسرائيلي على عدوانها وهي تدفع ثمنا عن ذلك الآن. وهذا تفسير يجب الاستمرار على الفحص عنه. تشهد السرعة التي حاولت بها حماس تنفيذ عملياتها المفاجئة في الاسبوع الاخير على تخطيط مسبق. فهل كان هنا تخطيط استراتيجي ظهرت عليه اسرائيل متأخرة أو تطرية فقط لخطط مطوية تحت ضغط الزمن؟ وهل لاحظت الاستخبارات الاسرائيلية التحول في الوقت المناسب؟ ما زالت هذه اسئلة بلا أجوبة.
4.هل ضُربت حماس ضربة شديدة بقدر كاف؟ في هذه اللحظات، في عمليات عسكرية واسعة، ينشأ فضاء اشكالي تلتقي فيه الاستخبارات والسياسة والدعاية. وعند الاستخبارات ميل تقليدي الى تقدير زائد لاضرار الهجوم على العدو بسبب الرغبة الطبيعية في نجاح العملية وبسبب توقعات الجمهور والمستوى السياسي. لكن الرد الغزي على القتل والمعاناة يختلف عن الرد الاسرائيلي، وليس من المؤكد ألبتة أن حماس وقت القتال تكون مصغية اصغاءا خاصا لازمة السكان في القطاع. وقد ظنوا في الجيش الاسرائيلي أمس أن مقادير القتل (نحوا من 180 قتيلا) والدمار في القطاع قد تحث حماس على الموافقة على تسوية وقف اطلاق نار معقولة في الفترة القريبة وعلى الحد من بعض مطالبها المتطرفة. وتلاحظ في الوقت نفسه عودة مصر الى صورة الاتصالات بدعم امريكي. امتنع المصريون بضعة ايام عن اجراء لقاءات مع حماس في مستوى رفيع، لكن القاهرة تحاول الآن أن تضمن مكاسب للسلطة الفلسطينية في التسوية وتشترط اعطاء حماس تسهيلات في معبر رفح بضمان تمثيل السلطة الفلسطينية في المعبر.
5.مقادير المس بالمدنيين. يُقدر الجيش الاسرائيلي أن نحوا من نصف القتلى الفلسطينيين في العملية هم نشطاء في منظمات ارهاب. وتقدر منظمات دولية نسبتهم من القتلى بثلث فقط. وهذه معطيات يُختلف فيها دائما لأنه يوجد اشخاص يساعدون على قتال اسرائيل لكنهم ليسوا اعضاءا رسميين في منظمات. وما زال الطرفان يتجادلان في معطيات الخسائر الدقيقة في عملية «الرصاص المصبوب» حتى بعد مرور ست سنوات.
يمكن مع ذلك كله الحديث عما يشبه حركة رقاص في التوجه الاسرائيلي الى الهجوم على اهداف المنظمات الموجودة بين السكان المدنيين. كان التوجه في عملية «الرصاص المصبوب» أكثر عنفا (وكان أحد اسباب نشر تقرير غولدستون). وفي «عمود السحاب» خطا الجيش الاسرائيلي خطوة الى الوراء وتفاخر بهجمات «جراحية» أوقعت عددا أقل نسبيا من الخسائر من المدنيين في غزة. ويُشعر في هذه المرة في الاساس بعودة ما الى النسخة العنيفة بالاستعمال الواسع لقصف بيوت نشطاء في العمليات كبار يسبقها في الاكثر اجراء «أُطرق السقف»، الذي يحذر العائلات لتخلي البيوت سريعا. وستزيد الخسائر المدنية في غزة أكثر اذا حدث دخول بري لأن الجيش الاسرائيلي سيستعمل وسائل أكثر لحماية قوات المشاة والمدرعات. ويقولون في الجيش مع ذلك إنهم امتنعوا عن الهجوم على مئات الاهداف في الاسبوع الاخير لقربها من بيوت مدنيين.
6.آثار اقليمية. إن اطلاق الصواريخ من غزة قد صاحبته في الايام الاخيرة عدة حوادث اطلاق صواريخ على اسرائيل من لبنان واطلاق راجمات صواريخ من سوريا الى هضبة الجولان. ويزيد التوتر في سيناء ايضا ويُخشى أن تحاول منظمات اسلامية متطرفة أن تساعد حماس في المعركة. إن المسؤولة عن اطلاق الصواريخ من لبنان فصائل فلسطينية صغيرة يبدو في الاساس أنها من المعسكر المعارض لسوريا وحزب الله. ويبدو أن عدم الاستقرار على الحدود بسبب الزعزعة العربية يشترك مع المواجهة الاسرائيلية الفلسطينية ويسبب للجيش الاسرائيلي صداعا جديدا وقت الصدام مع حماس. ويلاحظ في مقابل ذلك أن حزب الله لا يريد الانضمام الى المعركة الى الآن لأنه غارق في الحرب الاهلية السورية وفي الصراعات الداخلية في لبنان. وقد فشلت الى الآن جهود حماس لاشعال الضفة الغربية، وتبذل السلطة الفلسطينية كل جهد لتهدئة النفوس هناك ولمنع الصدام مع جنود الجيش الاسرائيلي.
7.حرب ترف مع كل ذلك. سيكون خطأ أن نقيس صورة المعركة التالية في لبنان اذا نشبت وحينما تنشب على اخفاقات حماس حتى الآن. من المؤكد أن أداء الجبهة الداخلية بعامة والقبة الحديدية بخاصة في مواجهة اطلاق الصواريخ من القطاع يقلق ايران وحزب الله. لكن حزب الله يملك صواريخ وقذائف صاروخية يبلغ مداها 500 – 600 كم، ويمكن التحكم الدقيق بها من بعيد، وتحمل رؤوسا متفجرة يزيد وزنها على نصف طن. فالمعركة معه ستبدو مختلفة تماما، وستكون اضرار الجبهة الداخلية أكبر بما لا يحتمل المقارنة، وستستعمل اسرائيل بحسب ذلك قوة أكبر كثيرا في داخل لبنان. وسيتضاءل الجهد لمنع خسائر من المدنيين من العدو بسبب الضغط على السكان الاسرائيليين، ولن يبيح أحد لنفسه أن يفكر وأن يتردد في مسألة المداورة البرية مدة اسبوع. فاذا نشبت حرب لبنان الثالثة فستكون مكثفة وباهظة الكلفة من جهة حياة الناس من الطرفين أكثر مما رأينا في الاسبوع الاخير في غزة.

هآرتس