"حياة".. مواطنة غزيّة تعاني بصمت عقب كارثة المنخفض

 سعيد قديح- خاص زمن برس

غزة: لم يكن بمقدور سيدةٍ عجوز مثل " حياة قنيطة " التي قاربت الستين عامًا من عمرها - التعبير بكلماتٍ أكثر عما حل بالبيت الذي تسكنه وأبناؤها وسط حي الشجاعية شرق مدينة غزة،

ليغدو بلا حياةٍ صالحة للعيش فيه بعد انتهاء المنخفض الجوي الذي ضرب فلسطين أواخر الأسبوع الماضي. فلقد اقتحمت مياهُ الأمطار الغزيرة الغرفَ الثلاث عن بكرة أبيها، حيث تحوي في كلٍ منها عائلة أحد أبنائها، وسرعان ما هبت برفقة من في البيت لنجدة ما تبقى من أغراضه؛ لتسقط أرضًا وتُصاب بالآمٍ في يدها اليمنى وقدميها التي ما زالت غير قادرة على تحريكهما لحد الآن، عوضًا عن تشقق جدران البيت وانهيارٍ في تربته.

للتو جاءت حياة من العيادة الصحية القريبة، تأخذ كرسيًا قديمًا كان متروكًا بساحة البيت ومغمورًا بوحل الأمطار، يلتف حولها أحفادها، فتبدأ بوصف جزءٍ يسيرٍ من معاناة طويلة تعيشها صامتةً، قائلةً:" لا طعم للحياة، فكل يومٍ أعيشه أزداد يقينًا أن الموت أشرفُ من رؤية أحفادك يمشون حُفاةً، أو يعانون برد هذا الشتاء القارص".

تتابع:" في البيت عشرون فردًا، ولديهم حمُامٌ واحد دخلت إليه قبل يومين مياه المطر، في كل صباح  يتقاطرون فردًا وراء الآخر إليه، كلٌ بانتظار الآخر لقضاء حاجته". وتكشف قائلةً:" وعدتنا جمعيات ببناء أجزاء من البيت وترميمها قبل فترة، ولم تعد تسأل عنا أبدًا، وهذا يجعلنا نعيش كما أشخاصٍ غريبين مقطوعين من شجرة".

لحياة ابنتان هما زينب وإيمان، الأولى في العشرين من عمرها وتعاني من إعاقة دائمة تمنع نمو يدها اليسرى منذ سنوات، ولم تعد تذهب لجامعتها منذ فترة، لتخلفها عن دفع مستحقات مالية لا تملكها أصلاً لجامعتها، رغم مكافحتها طويلاً لتكون كالأخريات ممن يحصدن درجات عُليا في تخصصها - التعليم الأساسي.

والثانية  في  أواخر العشرينات، طلقها  زوجها  بعد  أن داهمها  مرضٌ نفسي، وتبذل  والدتها " حياة " كل شهر جهدها لتوفير مبلغ يُقدَّر بـ ( 150 دولار أمريكيًا )  بأي طريقة لشراء أدوية لإيمان، تقول الإبنة إنها كانت تملك جزءًا قليلاً من مالٍ كانت تدخره لشراء دواءٍ لها، ومع اقتحام مياه الأمطار للبيت، سارعت لتخصيصه من أجل شراء كيس اسمنت وحجارة بناء – إن وجدت - لإقامة جدار قصير يمنع تكرار غمر المياه لبيتهم الذي أضحى خاليًا  إلا  من أغطية وملابس شتوية قديمة  مُلقاة في وسط  كل غرفة من غرفه الثلاث، وبعض حاجيات المطبخ القليلة".

لا تجري العادة لدى حفيدة " حياة " - ياسمين بسنواتها العشر خروجها للعب حافية القدمين، فلقد أخذت مياه الأمطار الجارفة حذاءها إلى مطرحٍ مجهول، وهي تعبث بشعرها شيئًا فشيئاً تقول:" لا أملكُ ثمن حذاءٍ، ولا أبي يملك، ولا أعرف حذاءً يجعلني متيقنةً أنني سأعود إلى المدرسة بأنسب حال، فلقد أخذت مياه المطر ما أخذت، وبقينا بهكذا حال". تبتسم، تجري إلى باب البيت القديم الذي ليس لهم أساسًا، فهو للعائلة الكبيرة، منحته لهم قبل سنوات طويلة للعيش فيه دون حاجة لخسارة المال مقابل آجار منزل بعيد، تغلق الباب خلفها، وتغيبْ.

حرره: 
م.م