معضلة أسير نصر الله

بقلم: تسفي برئيل

‘أنتم خونة’ بهذا اتهم حسن نصرالله مقتدى الصدر الزعيم الشيعي العراقي الانفصالي. وكان هذا الاتهام ذروة الخلاف القوي الذي نشأ بين الزعيمين الشيعيين بعد ان رفض الصدر بشدة الاستجابة لطلب نصرالله ان يرسل محاربين للمعركة في سورية.

وأفادت الصحيفة السعودية ‘السياسة’ التي نشرت هذا الاسبوع تفصيلات عن الاختلاف على لسان زعيم شيعي انفصل عن صفوف الصدر، ان الصدر اتهم نصرالله بأنه ‘يطمح الى تحطيم ما بقي من الوحدة الوطنية العراقية. ان مشاركة شيعة عراقيين في الحرب في سورية، تعني حربا أهلية في العراق. اذا كنت تريد تعريض لبنان للخطر فأنت وذاك لكن لا يجوز لك ان تُعرض الشيعة في العراق للخطر’.

التزم موقفا مشابها زعماء دينيون شيعة كبار في العراق منعوا الى الآن أي تدخل عراقي في سورية الى جانب النظام، أو الى جانب حزب الله. ويكتب محللون عراقيون ان نصر الله في ضائقة، ان قواته التي يبلغ عددها نحوا من 50 ألف مقاتل غير كافية للقتال في مدينة القصير في سورية والحفاظ على المواقع التي احتلوها وحماية قواعد المنظمة في الوقت نفسه في جنوب لبنان، وحماية الحي الجنوبي في بيروت ومنطقة البقاع اللبناني ايضا. ‘هذه مهمات أكبر من المنظمة، ومن هنا جاء نداء المساعدة الذي وجهه الى الصدر’، كتب محلل لبناني. ويعتقد محللون آخرون في الوقت نفسه أن نصر الله يطمح الى انشاء جيش شيعي يؤلف من مقاتلي جيش المهدي العراقي ومن مقاتليه يتولى قيادته نصر الله وتنفق عليه ايران.

ان رفض الصدر مساعدة نصر الله في سورية لطمة ايضا للنظام الايراني، ولا سيما بعد ان كانت ايران تنفق على جيش المهدي الذي يتولى قيادته مقتدى الصدر ويبلغ عدده نحوا من ستين ألف مقاتل في أنحاء العراق، وحصل على تدريب عسكري من رجال حزب الله، لكن مقتدى الصدر مشغول الآن بمعركة سياسية داخل العراق، يطمح بها الى اسقاط رئيس الوزراء نوري المالكي حليف ايران، ويؤيده في ذلك أبناء الأقلية السنية الذين يشكلون خصما عنيفا وعنيدا للحكومة العراقية، ومن هنا ينبع ايضا رفضه مساعدة حزب الله. ونقول بالمناسبة انه ليس معنى ذلك عدم وجود مقاتلين من جيش المهدي في سورية، لكنهم حسبما يقول الصدر، ناشطون مستقلون أو تركوا جيش المهدي بعد ان استقر رأي الصدر على تجميد عملياته القتالية في العراق.

إن هذه العلاقات القابلة للانفجار بين الصدر ونصرالله تدحض، جزئيا على الأقل، زعم ان المعركة التي يصرفها حزب الله في سورية هي حرب شيعة للسنيين. ويمكن ان نجد أدلة اخرى على أن الصورة الطائفية للحرب ليست بالضرورة الوصف الدقيق في أن قوات كثيرة في جيش النظام نحوا من 60 في المئة من الجنود بحسب بعض التقديرات هم سنيون. وتراوح تفسيرات عدم انشقاقهم وانضمامهم الى الجيش السوري الحر بين الخوف من قادتهم أو الخوف على حياة عائلاتهم، وبين الثقة الكاملة بانتصار النظام. وتوجد بين المتمردين ايضا، وأكثرهم أو كلهم سنيون، اختلافات قوية، وكذلك في المعارضة السياسية السورية التي تعمل خارج الدولة يصعب على السنيين تشكيل كتلة موحدة. لا نقصد ان نزعم أنه لا توجد حرب طائفية في سورية وأنه لا توجد تصفيات حساب لاسباب طائفية، لكنها قبل كل شيء معركة من اجل السيطرة ومن اجل البقاء.

دفع نصر الله نفسه في حرب البقاء الى نفق ضيق خانق، وقد أصبح النقد عليه في الدول العربية لاذعا وشاملا. وثار خصومه السياسيون في لبنان على ‘جره لبنان الى الدمار لمشاركته في حرب ليست له في سورية’، كما قال سعد الحريري. ودعا الفقيه الشيعي المهم علي الأمين نصرالله الى سحب قواته من سورية لمنع حرب طائفية في لبنان، وذكّرت محللة صحيفة ‘الحياة’، بيسان الشيخ، نصرالله باعترافه بالخطأ بعد حرب لبنان الثانية، ‘انه يقاتل الآن في دولة ليس فيها محتل وهو لا يحمي مواقع شيعية مقدسة… هذه حرب على الحياة أو الموت بالضبط كما كانت الحرب مع اسرائيل في 2006 بالنسبة اليه، فهل يعود هذه المرة ايضا ليعترف بخطئه؟’.

هذه الحرب بالنسبة لنصرالله هي في الحقيقة حرب حياة أو موت ومشاركته في الحرب ليست فقط إظهار ارادة خيرة أو مجازاة لسورية وايران عن سنين من الدعم. ان سورية السنية فضلا عن ان تكون سورية التي تحكمها منظمات متطرفة كالاخوان المسلمين الذين هم عنصر المعارضة الأكبر، تعني فصل أنبوب الحياة اللوجستي والاقتصادي الذي كان يعمل بلا تشويش من ايران الى حزب الله عن طريق سورية. ويعني ذلك ايضا فقدان القدرة على التهديد بالهجوم على اسرائيل لأن ذلك سيكون انتحارا منه بغير دعم عسكري سوري. ومن هنا فان شرعية حمله السلاح لحماية لبنان بدل جيش لبنان ستفقد صلتها بالواقع، واذا استمر في ان يكون قوة سياسية قوية ومؤثرة بفضل السلاح الكثير الذي ما زال يملكه فسيضطر الى اجراء صراع عسير في مواجهة من يطلبون نزع سلاحه.

يرى نصر الله أنه لا يوجد في ظاهر الامر خيار آخر سوى انتصار الاسد واستمرار تأثير ايران في سورية. وهو يستطيع في الحقيقة ان يتسلى بحلم ان توافق قوات متطرفة سنية على معاونته في حربه لاسرائيل. لكن ناشطي القاعدة بيّنوا عشرات السنين انه ليس بينهم وبين الشيعة أي أساس للتعاون، لا عقائدي ديني ولا تكتيكي. وإن حربهم في العراق للنظام الشيعي تقوي فقط هذا التوجه. ويصعب أن نراهم يتخلون عن الايديولوجية حتى لو كان ذلك لمحاربة اسرائيل الى جانب حزب الله.

ومن هنا تأتي الأهمية الكبيرة التي توليها ايران وروسيا للمؤتمر الدولي الذي يفترض ان يعقد في الشهر القادم في جنيف، لمحاولة وجود قناة سياسية تبقي الاسد ولو فترة انتقالية تضمن ايضا استمرار بقاء حزب الله. ان التفاهم بين روسيا والولايات المتحدة الذي يقول إن هذه الاخيرة لن تعارض بقاء الاسد في الفترة الانتقالية ولن تطالب بتنحيه قبل التفاوض السياسي قد يكون بشرى طيبة لايران والاسد، لكن المعارضة السورية ما زالت تعارض وما زالت تطلب تنحية الاسد قبل أي تفاوض. وليس من الواضح الى الآن ايضا مكانة ايران في المؤتمر، فما زالت الولايات المتحدة تعارض مشاركتها وكذلك فرنسا ايضا لكن روسيا تصر وايران تطلب ان تكون شريكة. ‘لايران دور مهم في سورية وعلينا ان نستغل ذلك للمساعدة على حل سياسي’، قال هذا الاسبوع نائب وزير الخارجية الروسي غنادي غتيلوف.

وليس من الواضح الى الآن ايضا كيف سيعمل الجيش السوري الحر الذي منح لبنان في يوم الثلاثاء 24 ساعة لاخراج قوات حزب الله من سورية. إن الحوار العسكري الذي أخذ يسخن بين روسيا والولايات المتحدة التي أمرت باعداد خطة لانشاء مناطق حظر طيران في سورية بعد أن أعلنت روسيا أنها ستنقل الى سورية صواريخ اس300، يُسخن الجو قُبيل المؤتمر. وكل ذلك في حين ستجرى بعد اسبوعين انتخابات الرئاسة في ايران التي قد تحدد ايضا سياسة الغرب نحو البرنامج الذري. هل سيكون الهجوم على سورية هو الرسالة أو يكون التخلي لايران في الشأن السوري هو الاغراء؟ سيكون لنصر الله ما ينتظره.

حرره: 
م.م