عودة الولايات المتحدة الى الساحة السياسية

 

بقلم: زلمان شوفال

لا تهب عواصف ثلجية (فقد مرت وانقضت) بل عواصف سياسية وأمنية على العاصمة الاميركية. فقد كان تأجيل الموافقة على تشاك هيغل في مجلس الشيوخ لطمة غير لذيذة لكن هذا ليس كل شيء حتى الآن. نجح مديرو حملة الرئيس باراك اوباما الانتخابية في المعركة الانتخابية الاخيرة في تنحية موضوعات السياسة الخارجية والامنية الى الرف الاخير – كي يتبين لهم أنها ما تزال موضوعة هناك في رزم.

لا أحد غير وزير الدفاع التارك ليون بانيتا انشأ عناوين صحفية حينما هاجم علنا نية اوباما ووزير دفاعه المرشح تشاك هيغل تقليص ميزانية الدفاع الاميركية. وتحدث كذلك في شهادته في مجلس الشيوخ عن انه عرض مع وزيرة الخارجية التاركة هيلاري كلينتون ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية السابق الجنرال باتريوس في حينه تسليح المتمردين السوريين والنفقة عليهم وتدريبهم – لكنهم جوبهوا برفض الرئيس المطلق برغم تصريحاته بأنه ينبغي تنحية الرئيس الاسد سريعا.

من وجهة نظر اسرائيلية قد يكون الرئيس على حق لأنه لا يوجد أي يقين من ان السلاح والمال كانا سينقلان الى المتمردين ولا يقعان في أيدي الجهات الجهادية التابعة للقاعدة، لكن ما لم تقدمه الولايات المتحدة تقدمه اليوم أصلا السعودية وقطر بسخاء – وللمتطرفين على الخصوص.

لكنه في خضم هذه القضايا يسأل في واشنطن سؤال آخر وهو: اذا لم يكن اوباما قد أراد ان يتورط في الامداد بالسلاح فلماذا لم يخط خطوات اخرى مباشرة وغير مباشرة كي يعجل سقوط نظام البعث وكي يمنع السيطرة المتوقعة للجهات الجهادية التي تسعى الى ان تحل محله؟.

وفي الاثناء لا تنتظر الادارة بشائر خير من افغانستان ايضا، ومع مضاءلة الوجود العسكري الاميركي في 2014 في هذه المنطقة، ستزداد احتمالات ان تحل طالبان محلها – إن لم يكن ذلك فورا فسيكون بالتدريج. وترفض ان تموت ايضا قضية التقصير في بنغازي التي لقي في اطارها اربعة اميركيين حتفهم ومنهم السفير في ليبيا على أيدي ارهابيين. بل إنها تقيم عوائق جديدة في وجه موافقة مجلس الشيوخ الاميركي على التعيينين الكبيرين للرئيس – تعيين هيغل وزيرا للدفاع وتعيين جوهان برينن المرشح لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية. وحتى لو تمت الموافقة على تعيين هذين الاثنين للمنصبين المأمولين فقد غدا واضحا ان ما سيقررانه أو يقولانه سيكون دائما تحت عدسة تكبير.

تقف في مقدمة اهتمامات واشنطن للشرق الاوسط ايران بالطبع، ويجذبها ذوو تصورات مختلفة في هذا الشأن الى اتجاهات مختلفة وأزمان متناقضة. فعلى سبيل المثال هل تتم محاولة المبادرة الى اجراءات دبلوماسية برغم رفض خامنئي الظاهر، أم يزاد في شدة العقوبات؟ وهل يتم التوضيح لآيات الله على نحو قاطع ان المسدس الاميركي المسدد الى رؤوسهم مشحون أم يسقط تماما التهديد العسكري ويتم بلا مناص مع كل ذلك تبني سياسة «احتواء»؟

سيبحث الرئيس اوباما جملة هذه الموضوعات مع تأكيد ايران وسوريا، مع رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو زمن زيارته القريبة للبلاد، والحاجة الى التنسيق بين المواقف واضحة للطرفين. ومن المؤكد ايضا ان تتم اثارة موضوعات اخرى ومنها القضية الفلسطينية. واذا كانت زعمت دوائر كثيرة في واشنطن وخبراء بالشرق الاوسط من قبل أنفسهم في الماضي ان الصراع الاسرائيلي الفلسطيني هو أم كل المشكلات في المنطقة ولا سيما تلك التي تواجهها اميركا – فإن الاضطراب في المنطقة بين الجزائر وافغانستان، وفي باكستان ايضا – يلطم اليوم وجوههم بقوة (وهو ما لا يمنع عددا منهم من التمسك بآرائهم).

لم يختف الشأن الفلسطيني في الحقيقة، لكن سياسة واعية ستوجب على اميركا ان ترى الامور بالتناسب الصحيح، ولهذا جعل البيت الابيض موضوعي ايران وسوريا في مقدمة اهتماماته. قد يوجد في الحقيقة من يهمس في أذن الرئيس اوباما بأنه ينبغي استغلال الزيارة «للضغط على اسرائيل» كي يستطيع العودة الى واشنطن مع انجاز ما في مجال السياسة الخارجية – ولو في الظاهر، لكن ينبغي ان نفترض ان يعرف الرئيس ومستشاروه التفريق بين الغث والسمين: وحينما ينظرون في خريطة المنطقة لن تغيب عنهم حقيقة انه يوجد فيها فقط حليف حقيقي واحد وجزيرة سلامة عقل واستقرار واحدة فقط هي دولة اسرائيل.

اسرائيل اليوم