استقلالهم مصدر نكبتنا

بقلم: 

فلسطين عربية من الميه لـ الميه ، ليست هذه شعار وهتافات مظاهر الاحتجاج لدى مجموعات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا والاردن ومصر والعراق ، فالياس والاحباط والتراجع والخمول يتصدر الحركة السياسية الفلسطينية خارج الوطن ، لاسباب موضوعية خارجة عن ارادة الفلسطينيين ، ادت الى ضعف نشاطاتهم وبعثرة جهودهم وعدم دقة خياراتهم ، ولكن ذلك يختلف عما يجري داخل الوطن ، فالمبادرات الصهيونية لاستكمال حلقات التطويق والتهويد والاسرلة للوطن الفلسطيني ، دفعت بالفلسطينيين كي يتحلوا باليقظة والمبادرة والاستعداد العالي للتضحية وهذا ما تشهده الوقائع والاحداث الجارية سواء في مناطق 48 او مناطق 67 .
الحركة السياسية الفلسطينية في مناطق 48 ، تتميز بروح المبادرة والشجاعة ومسك الاولويات ، والنشاط الجماهيري السنوي بيوم النكبة ، ما هو الا تعبيراً دقيقاً ، عن حجم الوجع المفروض عليهم ، وحجم الامل الذي يمسكون به ، نحو تغيير واقعهم ، والعمل من اجل مستقبلهم على ارض الوطن ، الذي لا وطن لهم سواه .
هم الذين يهتفون ويتمسكون بالشعار “ فلسطين عربية من الميه لـ الميه “ وهو شعار تلاشى عند البعض ، بفعل عوامل الزمن الصعب ، وبسبب مبادرة السلام العربية التي مست قضية اللاجئين وساومت عليها ، واخلت بمضمون القرار الدولي 194، المتضمن حق اللاجئين بالعودة الى المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948 ، واستعادة بيوتهم وممتلكاتهم منها وفيها وعليها.
ابناء 48 اهالي الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة ، توقفوا امام ذكرى النكبة ، وهتفوا في مهرجان ذكرى النكبة واختاروا هذا العام ان يكون نشاطهم المركزي في النقب في قرية ام السبالة قرب مدينة راهط تاكيداً من جانبهم على رفض محاولات تهويد النقب واسرلته ، وهو صراع مستديم لا يتوقف من قبل حكومات تل ابيب في العمل على تغيير الواقع السكاني وملامح المكان وشواهد الارتباط بين الانسان والمكان .
في 22/1/2016  توصل الفلسطينيون في مناطق الاحتلال الاولى عام 1948 الى صيغة شراكة سياسية بين الشيوعيين والقوميين والاسلاميين وشلكوا قائمة مشتركة لخوض الانتخابات النيابية مجمعين على قائمة واحدة ، خاضوا الانتخابات على اساسها يوم 17/3/2016 ، وحققوا نجاحات عملية ملموسة ، فزاد عددهم من 11 نائباً الى 13 نائباً في الكنيست الاسرائيلي واصبحوا الكتلة الثالثة في البرلمان ، وارتفعت بفعل هذا التحالف نسبة التصويت لديهم من 56 بالمائة الى 64 بالمائة ومن 330 الف صوت الى 440 الف صوت ، مما يدلل على اهمية الشراكة والتحالف والوحدة فيما بينهم ، مقدمين نموذجاً يُحتذى ، في مواجهة سياسات المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي ، وعنصريته وادواته .
في مناطق 67 ثمة حركة شبابية لا تتوقف امام موازين القوى ، ومنطق السياسة ، ومعطيات الواقع ، بل اندفاع باسل وشجاعة غير محدودة وتضحية عالية المستوى في مواجهة جيش الاحتلال واجهزته ومستوطنيه ، فالتفوق تهزمه الشابات والشباب ، وتدفع المؤسسة العسكرية الاسرائيلية كي تختلف مع المؤسسة السياسية وحكومة نتنياهو ، في تقييم الحالة ، وسقوطهما الاخلاقي امام المجتمع الدولي ، وحتى امام مؤسسات المجتمع المدني الاسرائيلية التي ترفض عمليات الاعدام الميدانية للشابات والشباب على ايدي جيش الاحتلال واسحلة المستوطنين .
بعد ثمانية وستين عاماً تستطيع الحركة الصهيونية ، وقياداتها وذيولها ، المباهاة انها صنعت دولة اسرائيلية يهودية متفوقة على ارض الفلسطينيين العرب المسلمين والمسيحيين ، وانها غدت جاذبة لليهود الذين هربوا من ظلم واضطهاد ومحارق النازية والفاشية في اوروبا ، او تلبية لاطماع استعمارية على الطريقة الاوروبية وجشعها نحو بلدان الشعوب الفقيرة المتخلفة ، والثرية في نفس الوقت في خيرات ومعادن بلادها.
المشروع الاستعماري الصهيوني على ارض فلسطين ، بدأ بستمائة الف يهودي ، بعد ان تم طرد وتهجير اكثر من عددهم من اهل البلاد لتضم الان اكثر من عشر اضعافهم من الاجانب اليهود الذين استوطنوا ارض وبيوت الفلسطينيين ومزارعهم بعد مصادرتها على اثر طردهم وتهجيرهم .
وتستطيع الصهيونية المباهاة انها انتجت دولة متطورة متفوقة في التكنولوجيا والزراعة والاسلحة الفتاكة والكمبيوتر بتفرعاته ، واقتصاد منتج يفوق 250 مليار دولار سنوياً ، وتستطيع الاعتماد على تحالفاتها الاميركية والاوروبية ، ونفوذ الطوائف اليهودية في العالم ، وهي عوامل يفتقدها الشعب العربي الفلسطيني بمكوناته الثلاثة : ابناء 48 وابناء 67 المقيمين على ارض وطنهم الموحد المحتل ، وابناء اللاجئين في بلاد المنافي والشتات ، فهو الاضعف في معادلة الصراع بشرياً وسياسياً واقتصادياً ، ويفتقد لوحدته وتماسكه السياسي والبرنامجي والكفاحي ، ولا يستطيع الاعتماد على تحالفات موثوقة او على اشقاء متمكنون ، وبسبب هذه العوامل الثلاثة التي يملكها المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وهي : 1- القدرة الذاتية ، و 2- نفوذ الطوائف اليهودية ، و 3- دعم الولايات المتحدة له ، وبسبب غياب ما يماثلها على الشعب العربي الفلسطيني ، فقد استطاع الاسرائيليون احتلال كامل الارض الفلسطينية والعبث بها والعمل على تهويد واسرلة اغلبها ، ولكنه فشل في طرد كل الفلسطينيين ، واخفق في انهاء وجودهم على الارض الفلسطينية ، او في تكييف ما تبقى منهم على ارض فلسطين  ، فالصراع متواصل محتدم مما يعكس حالة النهوض الفلسطيني والرفض لكل سياسات واجراءات المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي ، وما الشعار المركزي الذي ترفعه لجنة المتابعة العليا للوسط العربي “ يوم استقلالهم مصدر نكبتنا “ الا تعبيراً عن هذه الحالة المتصادمة .