يوميات الرئيس القادم

بقلم: 

على بال زمن..بقلم صالح مشارقة

 

سيجلس بليداً دون أي رغبة في العمل، سيوقع أوراقاً داخلية لا قيمة سياسية لها، سيعيش سياسياً على بقايا الملف الدولي الذي بدأه أبو مازن، سيكون قابلا جدا لحكم حماس في غزة، متناغما مع الإقليم بقيادة مصر على الأغلب، ومتفهم لمرحلة الاخونة القطرية والتركية، وبالطبع لن يكون مع إيران، هذا جواب نهائي.
لماذا أقول هذا الكلام قبل ساعات من إلقاء الرئيس خطاباً "هاما" على طريقة الإعلام الرسمي؟
أكتب متهكماً بصراحة، على أصدقاء حمساويين مهنيين يستعدون بكل مهاراتهم لمرحلة الرئيس القادم، وأصدقاء فتحاويين أيضاً يحضرون "اللبسات الجديدة" استعداداً للتحول الديمقراطي. وأكتب  أيضاً للرئيس محمود عباس نفسه الذي لطالما عارضته شخصياً في السبع سنوات الماضية، الذي قد يتسرع وينفذ سيناريو إقليمي وداخلي ويمشي حتى لا يقف في وجه التيار.
منذ أسابيع والكل يتوقع نهاية مهنية للرئيس، بأن يفهم معادلة التغيير، وأن يقول وداعاً بشكل لائق، كل هذا بفعل الدفع الدحلاني الكبير في الإقليم العربي، ودحلان اليوم هو زعيم لعبة إسقاط الإخوان في المنطقة العربية، زعيم بلا منازع وفعلها في القاهرة وتونس ويفاوض عليها في غزة ويلقي محاضرة عن هذه المهارة في الكريملن.
ووجع دحلان الوحيد الذي يخرب عليه كل زعامته المطلقة في محاربة الإخوان هي خصومة الرئيس عباس، وطلبه للمثول أمام محاكم فلسطينية وتجميده من قيادة فتح. وهذا وجعٌ لا يحتمله أياً ممن تربوا في فتح وفي شبيبتها تحديداً، فهم قد يخسرون أي شيء، بما في ذلك عائلاتهم لكن التنظيم لا. هكذا تربوا ورضعوا الحليب جيداً.
المهم: مصر صديقة أبو فادي حاولت أكثر من مرة: صالح الرجل يا أبو مازن، والرئيس تهرب أو تمارض. وذات مرة عقد المجلس الثوري للرد على طلب القاهرة. وأكثر من ذلك قام بحفلة تعقيم من كل جماعة دحلان في المؤسسات من الأندية إلى الشركات إلى سرايا الساعين إلى الزواج في عرس جماعي. والمعركة متواصلة الآن، فثمة عمليات سحل لمحازبي دحلان تتم يوميا، وفي المقابل تواصل الدحلانية احتلال مناطق جديدة في المملكة الممزقة، والذي نقصده هنا ثمة فتح أخرى تريد تغيير الرئيس.
وثمة حماس أيضاً تريد التغيير، مهنيو وبراغماتيو الإخوان جاهزون بكل العدة لمصالحة دحلان وإعادة ثقله المالي إلى غزة المحطمة، طبعا هؤلاء هم جماعة شعرة معاوية وهم المخيخ الأكثر صياعة في حماس. وهم ظلمة وغير أخلاقيين بالمناسبة، لأن عباس هو صاحب الفضل في فتح الثغرة الأولى لحماس وهو الذي بارك فوزهم في وقت كان كل قادة منظمة التحرير تحت فراش المرض جراء تسونامي حماس.
وثمة عوامل خارجية تريد التغيير في فلسطين، الإقليم بملوكه ورؤسائه وأجهزة مخابراته قريب من سيناريو ميشيل حايك الذي توقع حسن الختام لرئيسنا، وجعلني شخصيا أحزن واشتم ميشيل وادعي عليه بجاه الأنبياء والقديسين.. الإقليم من الأردن المساكن إلى قطر التي بدأت تلم الدور الإخواني إلى المملكة في نهاية عهدها الى سوريا والعراق المثخنتين. الكل معني بتغيير الرئيس.
وهنا أيضاً في منظمة التحرير ليسوا قلة من هم ضد الرئيس بصراحة، المطرودون والذين خسروا مهمات إدارية وهبات مالية، والمستقلون الذين أبعدهم الرئيس وظل يقرب الضعفاء منه ويطرد الأقوياء... والصراحة أن الرئيس كان دائما مؤسساتياً إلا في الحكم فقد كانت طريقته شعبوية جداً.
أين سيصل هذا الدوري السياسي غير الودي. وهل بالإمكان الاستسلام له؟
على الرئيس التصدي بحزم لسيناريو إنهائه وانهاء وضع السلطة الذي صار عنوانا مفضلاً لإسرائيل وللإقليم. ليس بالعناد والمضي في ذات السياسات، لكن بالديمقراطية التنظيمية داخل فتح بمؤتمرها العام، وبديمقراطية جديدة في منظمة التحرير بإعادة انتخاب المجلس الوطني، وبإعادة انتاج منظمة تحرير قوية وفاعلة ليست مسرحا لمؤامرات الاقليم او المتنفذين.
وعلى كثيرين ممن يريدون التغيير من أجل التغيير أو لحسابات جيدة مع الرجل المقبل أن يفهموا أن القضية الفلسطينية تستحق عقلاً أنظف من كل المؤامرات التي يشتغلون بها، صحيح أن الرئيس غير مرضي في كثير من الأحيان وفي سياسته نواقص كثيرة، لكن فلسطين وقضيتها تحتاج لفكرة أكبر من المعارضة الصغيرة.
على عقولنا جميعا أن تعي أن عملية إنهاء رئيس وتنصيب آخر ليست بالشيء العبقري، والمطلوب الآن اقتراح برنامج سياسي بعيد عن ذلك الذي يعتبر أبو مازن آخر أبطاله في المنظمة، وبرنامج معارضة جديد خال من قصائد أوسلو مدائح المفاوضات، والمطلوب أيضاً اقتراح إشكال حكم وقيادة وتأطير وهيكلة ومجالس جديدة في المنظمة والسلطة تحميها من التآكل والترهل والاندثار.
ومطلوب رؤية جديدة تحمل الانتفاضة الجارية أو تنهيها.. فالوضع الحالي  بحاجة إلى إعادة طرح السؤال الفلسطيني على العالم كله واقتراح إجابة جديدة غير الدولتين والحلين والمشروعين.
على أي عقل يحترم نفسه أن لا يجلس متفرجاً على واد الذئاب الفلسطيني وإنما تعميق الأسئلة ومحاولة التفكير خارج الصندوق القديم وعدم التفكير بيوميات الرئيس القادم.

مقال خاص بزمن برس