عام الرقص على الأطفال المحروقين

بقلم: 

 

 

على بال زمن..بقلم صالح مشارقة

اختتمت إسرائيل عام ٢٠١٥ بفيلم صادم، ذلك الذي صور عشرات المتدينين يرقصون بصورة الطفل علي دوابشة الذي قتلوه حرقاً في نابلس، الراقصون اجتهدوا في إبداء كل مظاهر الفرح، ضربوا صورة بحجم غلاف كتاب بالسكاكين، رفعوا ملثماً بقنينة كاز إلى جانب صورة الولد الذي حرقوه، رقصوا بالمسدسات وبنادق أم ١٦ ، أخذوا صوراً للمراهقين والمسنين الملتحين المرفوعين على الأكتاف، وكان صوت مراسل القناة العاشرة الحزن الوحيد في صخب المغنين بصوت مرتفع: "ساقتل فلسطيني وحياة عيني".
كنت دائماً أتحاشى الخوض في تفاصيل العداء الضروري أحياناً في الصراعات، لكن فيلم المستوطنين هذا يجعل الواحد منا يكفر، طبعا تذكرت أصواتاً فلسطينية كثيرة رفضت قصيدة "القردة والخنازير" التي كان أحمدي نجاد يكررها، وها أنا الآن أشفق على صوت مراسل القناة العاشرة وهو يروي الكلمات فوق صور الفيديو من العرس المتطرف.

كيف وصلت السكاكين إلى قاعة عرس، ولماذا مسدسات بدل العصائر، وكيف يتم التمثيل بصورة طفل ميت بدل وضع النقود في يد العريس، كيف غابت كل السذاجات التي تقوم بها الشعوب في تقاليدها وحل محلها هذا الرقص المتوحش، هذه الاسئلة الصادمة لم يقلها فقط مراسل القناة العاشرة  بل كتب عنها أصحاب الزوايا في الصحف الإسرائيلية، ويجب أن نهمس في آذان كل المصدومين: راقصون على صورة الولد المحروق، نتيجة حتمية لعقد ونصف من اليمين المريض في إسرائيل.
لا يمكن القول إن هذا هامش تطرف يحدث في أي ديانة أو في أي مجتمع، والاتكاء على مواخير داعش أو تقليعات الفاشيين في أوروبا، هذا الاتكاء ليس حلاً للمجتمع الإسرائيلي بصراحة، قد يكون مفرحاً لاسرائيليين كثر، إن هذا يحدث برعاية نتنياهو- بينت، لكن هذا في طبقات تحليل أكبر من الحارة الحكومية في إسرائيل، هو فاشية ضد كل العالم، هو قتال وانتصار على الإنسانية وليس على قرية دوما الصغيرة. والخاسرون هنا ليس أهل نابلس، بل كل البشر الذين سيذرفون الدموع على الطفل المحروق.
لا أقول هذا متخوفاً على جماليات العدو، بل لأن العقل يحتم علينا وعليهم على الأقل إبقاء الصراع في العقل وليس وفي المؤخرة، وأكثر من ذلك: أشعر أن اليمين الإسرائيلي لم يعد وطنياً كما كنا نعرف طبعات ونسخ اليمين في كل الدنيا، إنه جنوح لتقديس الجريمة، وليست أي جريمة بل جريمة بحق طفل رضيع أحرق حياً مع والديه في قرية بالكاد تصلها الكهرباء والماء.
والراقصين على صورة الولد المحروق، ليسوا سبعين مهنئاً في حفلة عرس، بل طبقة سياسية بازغة الآن في إسرائيل، حاخامات وأبوات أحزاب وأسماء جديدة يحاول الرأي العام الإلمام بها، ويصنعون مرحلة موت الحل السياسي ويفتتحون الزمن  لحل وحيد في فلسطين التاريخية اسمه الدولة ثنائية القومية، وعندما سيحدث هذا الواقع الجديد سيكفر العقل السياسي الإسرائيلي بماضيه وعقوده وسنينه التي ضيعها في رقصة الانصياع لمفسري ما قالته الكتب القديمة عن الهيكل والملك والمملكة والانتقام من الأغيار.
يحضرني اليوم بقوة من كل إسرائيل عقل واحد، الأستاذ الجامعي اليهودي الفلسطيني أوري ديفيس ومقالته التي نشرت في الصحف الفلسطينية قبل أشهر عن الدولة ثنائية القومية وثنائية الإسم والسلطات والتي رأيت فيها صورة عن حالة ندم يهودي كبير ومحي ذاكرة تشبه ملامح الراقصين ولكن على محروقين أكثر من شخص.
قد نكون متناكفين فلسطينياً، في انقسام حاد وانتحارات سياسية داخلية، لكن إسرائيل ليس منتصرة كما يروج إعلام رئيس الوزراء، وعليها الاعتراف بأن عامها هذا كان عام حرق أطفال ورقص على صورهم وهم ميتين.

مقال خاص بزمن برس