شلل الديبلوماسية الفلسطينية

بقلم: 

تشكو الديبلوماسية الفلسطينية من شلل شبه تام، في تعاطيها مع قضايا الصراع مع إسرائيل، رغم امتلاك المؤسسة الفلسطينية لأكثر من إدارة تطلّ بها على العالم الخارجي، منها وزارة الخارجية في السلطة الفلسطينية، ودائرة الشؤون السياسية ودائرة المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينية.

يمكن ملاحظة ذلك الانكفاء الذي تمارسه الحالة الفلسطينية، حين التزمت، بتجميد تنسيب فلسطين، في مؤسسات المنظمة الدولية ووكالاتها، واتفاقاتها الدولية، وعدم اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي والجمعية العمومية، لطرح قضايا الاستيطان، طوال الأشهر التسعة للعملية التفاوضية. ولولا إدراك إسرائيل، والولايات المتحدة أهمية هذا التجميد للدور الديبلوماسي لدولة فلسطين، لما أصرّ الطرفان على فرضه كشرط لازم لاستئناف المفاوضات.

ويبدو أن الانكفاء الديبلوماسي للحالة الفلسطينية هو ما عزز محاصرة العملية السياسية ضمن الدائرة الضيقة للهيمنة الأميركية المنفردة؛ وبحيث بات الراعي الأميركي، هو الوحيد المخوّل وضع آليات التفاوض وشروطه وأسسه، ما يعكس نفسه إضعافاً متزايداً للمفاوض الفلسطيني، وإخلالاً إضافياً بالشروط التفاوضية لمصلحة الجانب الإسرائيلي. ويزداد الأمر خطورة، إذا ما أدركنا أن الأجواء الدولية والإقليمية والعربية، تميل في تطورها لمصلحة الجانب الفلسطيني إن هو حاول أن يستثمرها وأن يستفيد منها خارج الإطار الضيق للهيمنة الأميركية المنفردة.

فعلى الصعيد الدولي، تتكرس أكثر فأكثر أجواء لجوء، الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، إلى اعتماد سياسة التسويات شبه المتوازنة لملفات كبرى، كانت في وقت سابق عناوين لاحتمالات انفجارات مدويّة ومدمرة. يتمثل هذا في انعقاد جنيف الإيراني لبحث الملف النووي، وتخفيف الحصار عن طهران، فضلاً عن استئناف تعاونها الإيجابي مع الوكالة الدولية للطاقة؛ ما سحب من التداول التهديد الإسرائيلي بشن الحرب ضد إيران، وما أراح المنطقة من حالة قلق كانت تستبد بعواصمها كافة. ولا يقل عن هذا أهمية، حلّ موضوع السلاح الكيميائي السوري، في صفقة أميركية – روسية جنبّت دمشق والمنطقة حرباً مدمرة، كادت أن تحدث انقلاباً في موازين القوى، في الحالة السورية الداخلية وفي الوضع الإقليمي بشكل عام. هذا فضلاً عن انعقاد جنيف 2 في دورة أولى وثانية، وهي خطوات لا تقاس بنتائجهاالمباشرة بقدر ما تقاس باعتبارها شقّت مساراً سياسياً للأزمة السورية (كما قال الأستاذ جهاد الزين في 2014/2/26) قد يصبح يوماً ما المسار البديل لحالة الاحتراب التي تشهدها سوريا.

أما على الصعيد العربي، فالملاحظ أننا نقف أمام منعطف جديد، يغادرنا عنده الإخوان المسلمون، بعد ما ثبت فشل تجاربهم في الحكم.

مثل هذه التطورات، إن هي قرئت خارج إطار التقيد بالرعاية الأميركية المنفردة للملف الفلسطيني، أمكن إحداث اختراق في الحقل الديبلوماسي بحيث تنتقل القضية الفلسطينية إلى مستوى آخر من المعالجة، توفر لها الأمم المتحدة رعاية بديلة، أساسها مبادئ الشرعية الدولية وقراراتها، وأخصّها مبدأ عدم جواز الاستيلاء على أرض الغير بالقوة (الانسحاب الإسرائيلي حتى حدود حزيران 67) وقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة عاصمتها القدس الشرقية (تنفيذاً لقرار الجمعية العمومية في 2012/11/29) والخروج من متاهات لعبة الأمن والحدود التي بدأها نتنياهو ونجهل متى تكون نهايتها.

المصدر: 
النهار