غور الأردن...محور استراتيجي في مفاوضات السلام

بقلم: 

صعد الجنرال الإسرائيلي بنظاراته الشمسية السوداء جرفا صخرياً وراح يتأمل غور الأردن في الأسفل. الوادي يمتد مثل ثعبان أخضر كسول عبر صحراء صفراء اللون تتناثر فيها بلدات فلسطينية ومستوطنات إسرائيلية ببرك أسماكها وأحواض نعناعها وواحات نخيلها.

أشار الجنرال بأصبعه إلى سياج بعيد، وعدد من أبراج الحراسة، وطريق مغبرة تسلكها ناقلة جند إسرائيلية - وبعدها توجد الأردن. بدا المكان ينعم بالسكينة والهدوء؛ ولكن الجنرال “جادي شامني” يقول: “لا تنخدع”، مضيفاً “إننا سنخسر الكثير إذا تركنا هذا المكان: الاستخبارات، الردع، الرد السريع- إننا سنخسر الكثير من القدرات، المعروف منها والمجهول”.

بيد أنه حتى يتمكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري من تأمين اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يتعين على الطرفين التوصل لتوافق في غور الأردن، أو وادي الأردن، المحتل من قبل إسرائيل، والذي يُعتبر مكانا استراتيجيا تطلب أشهرا من الدراسة من قبل الجنرال المتقاعد “جون آلان”، القائد الأميركي السابق في العراق وأفغانستان.

وكان كيري قد كلف “آلان” بإيجاد صيغة تستجيب للمطالب الأمنية الإسرائيلية الصارمة في منطقة غور الأردن وتمنح الفلسطينيين، في الوقت نفسه، دولة ذات سيادة ومنزوعة السلاح يديرون فيها شرطتهم وحدودهم بـأنفسهم. ويشدد الإسرائيليون على ضرورة بقاء قواتهم في حزام غور الأردن في أي كيان فلسطيني مقبل؛ غير أنه لما كان هذا المطلب جديداً -ولم يكن من المواضيع الجوهرية في المفاوضات الجدية الأخيرة في 2000 و2007- فإنه يمثل اختباراً حقيقياً بالنسبة لقدرات فريق أوباما الدبلوماسية.
فغور الأردن يمثل، في أذهان جيل من المخططين العسكريين الإسرائيليين والصقور في الحكومة الإسرائيلية اليوم، خط دفاع إسرائيلياً ضرورياً ضد التهديدات التي قد تطرحها مجموعات مقاتلة تنشط في العالم العربي الأوسع. أما بالنسبة للفلسطينيين الذين يحلمون بدولتهم المستقلة، فإن الوادي لا يمثل حاجزا، وإنما بابا – بالنسبة للتجارة والسفر مع الأردن والعالم بشكل عام، بدون الاضطرار إلى المرور عبر نقطة تفتيش إسرائيلية ممقوتة.

تفاصيل مقترحات آلان مازالت سرية، ولكن ملامحها العامة معروفة. فالمخطط، مثلما وصفه محللون عسكريون إسرائيليون ومسؤولون فلسطينيون، من المتوقع أن يقضي بالإبقاء على عدد محدود من الجنود الإسرائيليين -ربما 1500 جندي- في الوادي لفترة 10 أو 15 سنة، مدعومين بأحدث تكنولوجيا المراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية المقدمة من قبل الولايات المتحدة، على أن تحصل قوات الأمن الفلسطينية على الوقت والتدريب حتى تثبت أنها تستطيع حراسة الحدود وحماية ظهر إسرائيل. ومن بين الأفكار التي جرى تداولها من قبل فريق آلن أيضا الحفاظ على وجود إسرائيلي “غير مرئي” في المعابر الحدودية مع الأردن، بحيث يشرف عليها الفلسطينيون وتكون مراقَبة عن بعد من قبل الإسرائيليين. ويؤيد الفلسطينيون المقترح المتمثل في نشر قوات أممية لحفظ السلام أو قوات تابعة للحلف الأطلسي في المنطقة، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقول إن إسرائيل لن تفوض مهمة حفظ أمنها لأحد.

وفي الأثناء، يشتكي الفلسطينيون من أن كيري وآلان يسعيان جاهدين إلى تلبية المطالب الأمنية الإسرائيلية حيث يقول محمد شطايح، المفاوض الفلسطيني الذي استقال احتجاجا أواخر العام الماضي: “إننا نعلم أن إسرائيل تريد وجودا عسكريا دائما في غور الأردن، وهو ما لن نقبله أبدا”، مضيفا “ولكننا مستعدون لانسحاب تدريجي؛ وليستغرق ثلاثة أعوام أو أربعة أو خمسة، ليس أكثر، وبعد ذلك، ينبغي ألا يكون ثمة جندي إسرائيلي واحد، ولا مستوطن إسرائيلي واحد. وبهذا تنتهي القصة”.

ومن جانبه، يتهم رئيس السلطة الفلسطينية محمد عباس إسرائيل بالرغبة في الإبقاء على جنودها في الوادي أربعين عاما؛ وقال لأعضاء في حركته “فتح” مؤخرا إن “ادعاء (الإسرائيليين) أن حدودهم الشرقية من إيران وآخرين كلها أكاذيب”. وفي الأثناء، قاد المفاوض الفلسطيني صائب عريقات مجموعة من الصحافيين والدبلوماسيين في جولة في غور الأردن مؤخرا، وقال لهم إن إسرائيل تجني أكثر من 600 مليون دولار من العائدات من الزراعة في الوادي. وفي هذا الإطار، نقلت وكالة “أسوشيتيد برس” عن عريقات قوله: “إن الأمر لا يتعلق بالأمن، بل بسرقة الأرض وجني الأرباح”.

ومن جانبهم، يريد زعماء من الجناح اليميني في حكومة نتنياهو الائتلافية أن تقوم إسرائيل بضم كل غور الأردن -التي تشكل حوالي 25 في المئة من الضفة الغربية- وألا تسلمه للفلسطينيين أبدا. فالأسبوع الماضي، زار نائب وزير الدفاع الإسرائيلي داني دانون الوادي حيث قام بغرس أشجار وتعهد بأن تبقى المنطقة تحت السيطرة الإسرائيلية إلى الأبد.

ويذكر هنا أن نحو 6500 مستوطن إسرائيلي يعيشون في بضع عشرات من المستوطنات الإسرائيلية في الوادي؛ والكثير منهم مزارعون وصلت عائلاتهم إلى المنطقة بعد حرب 1967. كما يعيش نحو 10 آلاف فلسطيني في بلدات زراعية حيث يقوم الكثير منهم برعاية محاصيلهم أو يعملون عند إسرائيليين. هذا بينما يعيش نحو 50 ألف فلسطيني في مدينة أريحا القديمة، التي ستظل في أيدي الفلسطينيين في جميع الحالات وتحت أي سيناريو. وإذا كان من غير المعروف ما الذي سيحل بالمستوطنين الإسرائيليين ضمن أي اتفاق، فإن عباس يقول إن الدولة الفلسطينية المقبلة لن يكون فيها أي جنود إسرائيليين أو مستوطنين إسرائيليين.

ويقول عارف دراغمه، وهو مزارع فلسطيني وزعيم محلي في الوادي: “إن على كل من يحب السلام أن يرحل عن أراضينا!”.
 

المصدر: 
«واشنطن بوست »