توافق الضرورة

بقلم: 

تؤكد الشواهد أن المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية، سوف تنتهي في نيسان بالإعلان عن "اتفاق إطار" يشكل أساساً لمفاوضات جديدة، مرشحة لأن تمتد لأكثر من 15 عاماً.

كيري، وليتهرب من إعلان فشل مبادرته التفاوضية، يدعو إلى الموافقة على اتفاق إطار، تقول المعلومات إنه سيعيد أوضاع السلطة الفلسطينية إلى خطوط ما قبل أيلول 2000 بما يبقى بيد إسرائيل القدس (6% من الضفة) والغور (28% من الضفة) والمناطق الفلسطينية الواقعة غرب "الجدار" (18% من الضفة). لتبدأ بعدها مفاوضات، دون سقف زمني، ودون وقف الاستيطان، أو إطلاق سراح الأسرى.
اتبع كيري خطة لتقديم مشروع "الإطار":
- تباحث بشأنه مع إسرائيل، وأخذ ملاحظاتها في الاعتبار.
- بدأ بتسريب المعلومات عن الإطار وهدفه، بحيث يشكل منفذاً لأزمة تفاوضية يعيشها الطرفان.
- بدأ يسرب المعلومات عن خطته الأمنية بشأن الغور، ومستقبل العلاقات الأمنية بين الدولة الفلسطينية و إسرائيل. إسرائيل تتحدث عن "تحفظ" ازاء الخطة، بينما يتحدث الفلسطينيون عن رفض للعديد من بنودها.
هناك فرق بين الرفض والاعتراض، وبين التحفظات والملاحظات. الأول موقف قاطع. الثاني موقف تفاوضي يفتح الباب للأخذ والرد و تبادل الآراء، ويرى في الخطة أساساً لمفاوضات يمكن أن تصل إلى توافقات. في السياق نفسه بدأ عريقات، رئيس الوفد الفلسطيني، يتحدث لغة إيجابية عن المفاوضات ومسارها، بينما كان قدم استقالته منذ أسابيع عدة، احتجاجاً.
اللعبة الدائرة الآن هي لعبة عض أصابع: من سيتولى إعلان فشل المفاوضات؟
ليس لإسرائيل مصلحة بأن تكون هي من يفشل المفاوضات. فهي شكلت غطاء لمشروعها الاستيطاني. قادت إلى ولادة خطة كيري التي تضمن لها البقاء في الغور، وفي أنحاء الضفة الفلسطينية؛ كما أن هذه المفاوضات تبعدها عن متطلبات الحل الدائم، كما أبعدتها عن استحقاقات الشرعية الدولية، وأعادت تقديمها إلى الرأي العام دولة سلام، وأن المعضلة كانت في غياب الشريك الفلسطيني.
ليس للجانب الفلسطيني مصلحة في خطة كيري الأمنية، لأنها تنتهك سيادة الدولة الفلسطينية العتيدة. وليس له مصلحة في اتفاق الإطار، لأنه يشرع للاستيطان وللاحتلال لمدة لا تقل عن 15 عاماً جديدة، قد تمتد إلى ما أبعد من ذلك، و يحول قضايا الوضع الدائم قضايا انتقالية، معيارها الوحيد أمن إسرائيل، وبالتالي ليس هذا هو المشروع الوطني الذي وعدت القيادة الفلسطينية شعبها به.
في الوقت نفسه، تحرص السلطة الفلسطينية أن لا تتحمل وحدها مسؤولية إفشال المفاوضات، حتى لا تسوء علاقتها بالجانب الأميركي وبأوروبا، وحتى لا تتصاعد ردود الفعل في الشارع الفلسطيني على هذا الفشل على غرار ما حصل في أعقاب فشل مفاوضات "كمب ديفيد".
السؤال المطروح: هل تلجأ السلطة الفلسطينية إلى الرضوخ للضغط الأميركي، تحت مبرر "توافق الضرورة"؟
مجرد البحث بهذا التكتيك معناه إفساح الفرصة لتأخذ اللعبة الأميركية مداها، ويصبح اتفاق الإطار، ملزماً للفلسطينيين كما هو حال اتفاق أوسلو وخريطة الطريق اللذين مازالا يكبلان الحالة الفلسطينية. الأمر يحتاج، إلى مراجعة وطنية فلسطينية، وعدم تفرد طرف وحده بالقرار الوطني. مراجعة تضع خطة للخروج من إسار التبعية لمبادرات كيري التي توضح نتائجها الحالية أنها تحولت إلى عبء ثقيل على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

المصدر: 
النهار