كيري … دبلوماسية عالية المخاطر

بقلم: 

كان كيري يمثل الخيار الثاني لأوباما ليشغل منصب وزير الخارجية بعد سوزان رايس. إنه الشخص نفسه المِرح القادم من ولاية بوسطن الذي لم يحالفه الحظ عندما خاض السباق الرئاسي منذ عشر سنوات. وقد أخذ على عاتقه قائمة بدت بشكل واضح غير مبشرة بالنجاح: المفاوضات النووية مع إيران، محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والحرب الأهلية في سوريا.

ولكن في خلال عشرة أشهر، بدأ «كيري» دوامة من الدبلوماسية. فقد ساعد على إبرام اتفاق مؤقت مع إيران لوضع سقف لتخصيب اليورانيوم، وأطلق جولة جديدة من محادثات السلام الإسرائيلية- الفلسطينية بهدف التوصل إلى اتفاق خلال العام القادم. كما حصل أيضاً على موعد لإجراء مفاوضات تهدف إلى إنهاء الحرب في سوريا، رغم أنه من غير المؤكد أي الأطراف سوف تشارك في هذه المفاوضات.

وقد صرح «كيري» أثناء زيارته للقدس يوم الجمعة الماضي في اختتام جولة قام بها في منطقة الشرق الأوسط «أن الرافضين مخطئون في ادعائهم أن السلام في هذه المنطقة مستحيل. الأمر دائماً يبدو مستحيلاً حتى يتحقق على أرض الواقع».

وفي الواقع، فإن الرافضين يقولون أكثر من ذلك. وهذا يرجع لسبب واحد، كما يقولون، هو أن طائرة كيري قامت بسلسلة من عمليات الإقلاع المثيرة، لكنها لم تتمكن من القيام بهبوط واحد آمن. فالاتفاق الإيراني أمامه طريق طويل ليتحول إلى اتفاق دائم، كما أن المباحثات الإسرائيلية-الفلسطينية ما هي إلا مجرد مباحثات والمؤتمر المقرر عقده حول سوريا، ليس أكثر من زمان ومكان للانعقاد (جنيف، 22 يناير 2014).

ولكن يجب الوثوق بكيري. فقد تحمل مخاطر كبيرة – في تناقض ملحوظ مع سالفته الموقرة والكارهة للمخاطر هيلاري كلينتون. فقد كانت تميل إلى إسناد المهام غير الواعدة للمبعوثين الخاصين مثل الراحل ريتشارد هولبروك، نائبها في أفغانستان. ولكن «كيري» قام بتلك المهام بنفسه، بصورة شخصية وبوضوح. فإذا مُنيت أي من هذه المهام بالفشل – وقد تفشل جميعها - فإنه سيتحمل السقوط بمفرده.

وأحد أسباب التناقض بسيط، وهو أن «كيري»، الذي يكمل عامه السبعين هذا العام، يعلم أن هذه هي في الغالب آخر مهمة رئيسية يقوم بها في السياسة الأميركية - فرصته الأخيرة لترك علامة كبيرة. وخلافاً لكلينتون، فهو لا يفكر في خوض الانتخابات الرئاسية، مما يعني أنه يستطيع استيعاب إخفاق أو اثنين.

إلى جانب ذلك، فمن الدروس المستفادة أثناء تولي كلينتون منصب وزير الخارجية، هو أن الحذر قد يكون من الفضائل المبالغ فيها. وعلى سبيل المثال، فقد كان أعظم إنجازات هيلاري كلينتون هو إعادة إطلاق العلاقات الأميركية-الروسية - وهذا لم يدم.

يقول أحد المسؤولين بوزارة الخارجية: «هناك فرص الآن، ويشعر كيري أنها فرص حيوية يمكن الاستفادة منها. ولديه شعور أن لدينا الكثير من الوقت».

وبالعودة إلى الرافضين، نجد أن ليس كل شخص يعتقد أن يقوم بعمله بشكل صحيح. يعتقد النائب «الجمهوري» عن ولاية أريزونا جون ماكين وغيره من «المحافظين» أن الاتفاق النووي مع إيران قدم تنازلات كثيرة للملالي، وهز ثقة الحلفاء. وهم يخشون أن محادثات كيري بخصوص سوريا من المرجح ألا تنجح في إبعاد بشار الأسد عن السلطة.

ومن ناحية أخرى، فإن بعض الدبلوماسيين يشعرون بالقلق من أن «كيري» يمضي وقتاً طويلاً حول المحادثات الإسرائيلية- الفلسطينية، التي من غير المرجح أيضاً أن تؤتي بثمارها، وهو، نتيجة لذلك، لا يركز على الأنشطة الأخرى التي تبدو واعدة أكثر. (حتى المبعوث الخاص للمفاوضات في الشرق الأوسط، مارتن إنديك، قد حذر من هذا الخطر، بحسب ما ذكر أحد المسؤولين).

الأمر يبدو غريباً أن يقوم وزير خارجية بتكريس معظم وقته لجزء من العالم مرفوض من قبل سوزان رايس مستشارة أوباما للأمن القومي، لأنه يستهلك من الرئيس وقتاً أكثر مما ينبغي.

وفي الواقع، أن هذا هو أحد الأسباب التي جعلت «كيري» يعطي الكثير من الوقت ليجرب التوصل إلى حلول في القضايا التي تتعلق بإيران وإسرائيل وسوريا: فهذه جميعها قضايا يرحب البيت الأبيض بأن يلقي بها في جعبة شخص آخر. لكن هذا الأمر جعل بعض الدبلوماسيين يتساءلون ما إذا كان بالإمكان الاعتماد على أوباما و«رايس» لتأييد كيري عندما يتوصل لاتفاق.

والنتيجة التي خلص إليها النقاد هي أن «كيري» يضع الكثير من مخزونه في الدبلوماسية من أجل الدبلوماسية - بمعنى أنه لديه ثقة كبيرة في قدرته على الإقناع، ولديه شغف كبير في إمكانية التوصل لاتفاق.

ومما لا يثير الدهشة أن «كيري» يرفض الانتقادات. فهو يقول، على سبيل المثال، فيما يتعلق بإيران أن أي اتفاق يجب أن يختبر من قبل كل من الكونجرس وحكومة إسرائيل إذا ما كان سيتم تنفيذه.

وعلى أي حال، فإن هذا القلق سابق لأوانه: حيث إن كيري لم يتوصل لاتفاق بعد، وحتى الاتفاق النووي مع إيران ما هو إلا خطوة انتقالية فقط. من الصعب أن ترى الخطر أثناء خوض دبلوماسية تتسم بالمخاطر الكبيرة، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمشكلات لا تثير الكثير من التوقعات. التوصل إلى اتفاق طويل الأمد مع إيران قد يكون بعيد المنال إلى حد كبير. ومن غير المرجح أن تبرم إسرائيل اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وقد ينجح بشار الأسد كذلك في التمسك بالسلطة في سوريا.

ولكن، إذا استطاع جون كيري إحراز النجاح في إحدى تلك الحالات الثلاث المستعصية، فسوف يكون قد تمكن من ضرب 333 – وبمعايير كرة البيسبول، تعتبر هذه نتيجة جيدة بما يكفي لتكوين فريق النجوم.

المصدر: 
«إم. سي. تي. انترناشونال»