الحدود الإسرائيلية الآمنة

بقلم: 

تستند إسرائيل، في مفاوضاتها في الشأن الأمني، إلى مقولة "الحدود الآمنة" التي أتى على ذكرها القرار 242، وفسرته على أنها هي الطرف المقصود، دون غيره بحقه في مثل هذه الحدود. وتنطلق من هذه النقطة لتصل إلى القول بأن حدود هدنة 1949، والتي بموجبها استولت على حوالى 80% من مساحة فلسطين، لم تعد، بعد حرب حزيران، حدوداً آمنة وهي لذلك مضطرة لإجراء تعديلات على هذه الحدود، لضمان أمنها.

في مقدم الأراضي التي تعمل إسرائيل لضمها مدينة القدس الشرقية المحتلة. وتمهد لذلك عبر تطويق المدينة بالمستوطنات، وعزلها عن محيطها الفلسطيني، جغرافياً، وديمغرافياً، واقتصادياً، وإعادة ربط ريفها برام الله، في إطار إحداث انقلاب اقتصادي في حياة مناطق شمال غرب القدس. وكذلك عبر التهجير المنظم للسكان الفلسطينيين بسلسلة من القوانين، وعبر زرع المزيد من المهاجرين اليهود فيها.
المنطقة الأخرى المرشحة للضم هي منطقة الغور الفلسطيني. وهي المنخفض الأرضي المحاذي لنهر الأردن، تبلغ مساحتها حوالى مليون ونصف مليون دونم من أخصب الأراضي وأكثرها غنى، تشكل سلة الغذاء الفلسطينية، وتشكل منتجعاً يصلح لأن يكون منطقة سياحية نموذجية. يشكل الغور الفلسطيني 29% من مساحة الضفة وفيه 47% من مياهها الجوفية. تعمل سلطات الاحتلال على تهجير سكانه من الفلسطينيين وإحلال المهاجرين اليهود مكانهم.
المنطقة الثالثة المرشحة للضم هي مجموعة الكتل الاستيطانية الكبرى، التي من "حق" إسرائيل وحدها أن ترسم حدودها، وأن تقرر ضمها، وهي منطقة شاسعة تحتل أكثر المواقع أهمية من الناحية الإستراتيجية والخصبة والغنية بالمياه وذات شبكة من الطرق الالتفافية التي تمزق أوصال الضفة الفلسطينية وتفتتها وتقضي على وحدتها الجغرافية.
يلي ذلك، وبالترابط معه، الحديث عن مواقع عسكرية هي "ضرورية" من أجل حماية هذه المستوطنات من أي خطر خارجي. وهي "ضرورية" كذلك لأعمال الإنذار المبكر من أي خطر قادم من خارج البلاد. ونظرة إلى قمم الضفة الفلسطينية في جولة استطلاعية، تبين كم هي مزروعة بالمواقع العسكرية، بهوائياتها الضخمة التي تدل على أماكن وجودها.
بعدها يتحدث الإسرائيليون عن "الشاطئ الفلسطيني" من البحر الميت باعتباره، ولأسباب أمنية، مرشحا لأن يُضَمَّ لإسرائيل. تبقى منطقتان حيويتان تتحدث إسرائيل عن ضرورة أن تكونا تحت سيطرتها كاملاً. الأولى هي الأجواء الفلسطينية بحيث يكون لسلاح الجو الإسرائيلي السيطرة الكاملة، الثانية هي المياه الإقليمية لقطاع غزة التي يجب أن تبقى أيضاً تحت السيطرة الإسرائيلية.
تعتمد إسرائيل، في تمرير مشروعها للاستيلاء على المزيد من الأرض الفلسطينية على عدد من العوامل أهمها:
1ـ تفسيرها هي للقرار 242 والحديث عن حدود آمنة، متجاهلة في الوقت نفسه، تأكيده على رفض الشرعية الدولية لمبدأ الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة.
2ـ على القبول الفلسطيني بمبدأ تبادل الأرض.
3ـ على الموافقة الفلسطينية على استئناف المفاوضات في ظل تواصل الاستيطان.
4ـ على اختلال كبير في موازين القوى التفاوضية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
في كل الأحوال، أياً كانت ظروف العملية التفاوضية فإن الأرض كانت وستبقى محور الصراع، إن تحت دعاوى "الحدود الآمنة"، أو "يهودية الدولة". فإلى أي مدى سيذهب المفاوض الفلسطيني، الذي قبل بمبدأ التبادل في التخلي عن الأرض؟

المصدر: 
النهار