كيري وديبلوماسية الأصفار!

بقلم: 

غالباً ما يترك جون كيري وراءه سحابة من التصريحات المتناقضة والمحيرة، فمنذ توليه وزارة الخارجية أمطرنا بسلسلة من المواقف المتبدلة، سواء في ما يتعلق بحل الازمة السورية في جنيف أم بتسليح المعارضة، وهو ما خلق انطباعاً عاماً بأن ادارة باراك اوباما لا تملك استراتيجية واضحة حيال موجة التغيير التي تجتاح الدول العربية.

لست مستعجلاً للتعليق على الفشل المؤكد [نعم المؤكد] الذي ستنتهي اليه الجهود المكوكية التي يبذلها كيري لدفع عجلة التسوية السياسية الميتة في الشرق الاوسط، ورغم انه سيعلن اليوم موعد معاودة المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين، لن اتردد لحظة في القول، ان النهاية ستكون الفشل الكامل او صفراً مكعباً، ويكفي في هذا السياق ان نتذكر سجل وعود اوباما الزهرية عندما اختار في بداية ولايته الاولى، ان يكون تحقيق قيام الدولة الفلسطينية مدخلاً يدشّن عبره سياسة التغيير التي رفع شعارها لدخول البيت الابيض!
التناقض الاميركي المضحك والمحبط حيال القضية الفلسطينية لمسناه ايضاً وبكثير من الاستغراب والمرارة حيال الازمة السورية، وها نحن نقف بذهول امام وقائعه المعيبة حيال ثورة مصر التي انهت حكم "الاخوان المسلمين" بما يسقط على ما يبدو المراهنات الضمنية الاميركية والتركية على قيام شرق اوسط جديد يحكمه اسلام سياسي مغلق لا يتوانى عن مغازلة اسرائيل والتحالف مع ايران!
يقول كيري ان الوضع في مصر "بالغ التعقيد والصعوبة ويجب ان نأخذ الوقت اللازم حتى نقوّم ما حدث وندرس كل الظروف وفقاً لما ينص عليه القانون، ونجعل ذلك منسجماً مع اهدافنا السياسية". لا داعي للبحث عن اي قانون يتحدث كيري، وأجد ان من السخافة فعلاً حديثه عن التعقيد، وخصوصاً اننا امام 33 مليوناً من المصريين تظاهروا لإلقاء محمد مرسي خارج السلطة، اي ثلث الشعب المصري وهو ما يوازي مثلاً خروج 100 مليون اميركي يقولون لاوباما ارحل، وربما بات من الضروري ان يرحل قبل ان تصبح سياسة اميركا الخارجية اشبة بسياسة جمهوريات الموز!
لكن من السهل ان نضبط كيري متلبساً فجيعة سقوط "الاخوان" من خلال عبارته الصغيرة، عندما قال اننا ندرس "كيف يمكن جعل التغيير في مصر منسجماً مع اهدافنا السياسية" [!] فالواضح ان اميركا التي خسرت "مصر الاخونجية" لا تريد ان تخسر مصر العائدة الى مداخل الديموقراطية، ولهذا كان لا بد من ان يغازل كيري الحكومة الجديدة بقوله، ان الوضع قبل عزل مرسي كان غير عادي، كان مسألة حياة او موت مع احتمال حرب اهلية وعنف مهول "لكن لدينا عملية دستورية تتقدم بسرعة"... كل هذا ولم يكتشف كيري بعد اذا كان ما حصل ثورة شعبية ام انقلابا عسكريا!

المصدر: 
النهار