"حماس" و الحدث المصري

بقلم: 

قد يكون من المبكر قراءة انعكاسات الأحداث في مصر على الأوضاع في قطاع غزة، خاصة إن القطاع يرتبط بالقاهرة برابطين قويين:

- الأول هو الرابط الجغرافي، ما أدخل القطاع انطلاقاً من موقعه، وموقع جواره الإسرائيلي، في دائرة الأمن القومي المصري. لذلك لا غرابة أن يكون ملف القطاع [وكذلك كل الملف الفلسطيني] بيد جهاز المخابرات العامة (وزارة الأمن القومي) والجيش المصري (وزارة الدفاع).
- الثاني وهو وصول "الإخوان" إلى السلطة في مصر، ما اعتبرته حركة "حماس" فوزاً لها، وهي التي تشكل الفرع الفلسطيني لـ"الإخوان"، وتعتبر فوز الحركة الإخوانية في مصر، خطوة لاحقة على الفوز الإخواني الفلسطيني في 14/6/2007، حين انفردت "حماس" بالسلطة في القطاع.
انهيار الركن الثاني من العلاقة بين القاهرة والقطاع يفترض إعادة تموضع سياسية لدى كل من الطرفين، انطلاقاً من رؤية كل طرف لمصلحته السياسية والقومية العليا. ولعل اندلاع الأحداث في سيناء، فور الإعلان عن تنحية مرسي، يشكل في حد ذاته إشارة كبيرة إلى الكيفية التي ستنظر فيها القاهرة إلى قطاع غزة، خاصة في ظل حدثين كبيرين طالا هيبة الجيش المصري وكرامته، لم تبتعد خلالهما أصابع اتهام الاستخبارات المصرية عن "حماس" وعن قوى سلفية جهادية أخرى تعيش في كنف "حماس" في القطاع. حدث مقتل 16 عسكرياً في رمضان الماضي في منطقة الأسوارة، والذي مازالت لغزاً لم يتم كشف تفاصيله، وحدث خطف الجنود الستة، وإعادتهم والطريقة التي رتبت لإعادتهم، عبر تنحية الجيش جانباً وتقديم مرسي باعتباره بطل تخليص الجنود، ما ألقى على الحادث ظلالاً من الشك، وأعاد أصابع الاتهام لتصوب مرة أخرى نحو القطاع باعتباره المكان الذي خطف إليه الجنود، في تواطؤ "إسلاموي" أطرافه "حماس"، والقوى السلفية في القطاع وفي سيناء، وكذلك الإخوان المسلمون المتربعون على رأس السلطة، لذلك لم يكن مفاجئاً إغلاق مصر معبر رفح حتى إشعار آخر، ربطاً باندلاع الأحداث في سيناء.
التطورات قد تضع "حماس" أمام خيارين:
- الخيار الأول أن تستشعر حالة ضعف بعد تنحية مرسي ووضع "الإخوان" في قفص الحزب المطارد من قبل السلطة الجديدة في القاهرة، ما يدعوها للبحث عن حل فلسطيني يدرأ عنها ردود الفعل المصرية، ويوفر لها غطاء سياسياً، لا تستطيع أن تقدمه لها سوى السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة محمود عباس. فتلجأ إلى إحياء اتفاق إنهاء الانقسام، واستعادة المصالحة، وتعيد لسلطة عباس في القطاع بعض مظاهرها، كنشر الحرس الرئاسي على معبر رفح، وتسليم "مفاتيح" الأنفاق لها، بحيث يصبح عباس مسؤولاً عن القطاع أمام القيادة المصرية الجديدة، بكل ما يتطلبه ذلك من خطوات توحيدية للمؤسسة داخل القطاع و بين القطاع والضفة. وبذلك تكون "حماس" قد "خسرت" سلطتها المحاصرة في القطاع، وربحت غطاء سياسياً يتيح لها تحت سقف منظمة التحرير الانطلاق مجدداً في أفق سياسي فلسطيني وإقليمي جديد.
- الخيار الثاني أن تغلّب حساباتها الإخوانية على حساباتها الفلسطينية، وأن تنصاع لنداءات المرشد من موقعها الإخواني، وأن تنخرط في المواجهة مع الحالة المصرية، بأشكال مختلفة مستفيدة من الفرص التي تتيحها لها الطبيعة الجغرافية في سيناء. وفي المقابل، تعطل أية خطوات للتقارب مع عباس من منطلق أنها باتت ضعيفة، وأنها لا يمكن، في ظل هذا الضعف أن تدخل في اتفاقات "توحيدية" لا ترى أن ظروفها باتت مناسبة.

 
المصدر: 
النهار