الاختراق في مواجهة التطبيع

بقلم: 

أثارت مشاركة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاوي أمين عام جبهة النضال الشعبي في مؤتمر هرتسيليا الأمني السياسي ، في صيف هذا العام ، وسلسلة من اللقاءات الرئاسية أو نشاطات محمد المدني عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عبر لجنة التواصل مع الداخل ، أي مع قوى إسرائيلية ، أثارت حالة من الجدل العاصف ، حول شرعية المشاركة من عدمها ، وحول دوافعها الوطنية المسؤولة أم أنها تجاوز للخطوط الحمراء ، وبات الموقف نحوها قبولاً أو رفضاً ، بمثابة اللون الأبيض في مواجهة اللون الأسود ، وليس بإعتبار المشاركة من عدمها عملية إجتهادية تحتمل الصواب الايجابي أو تقع في إحتمال سوء التقدير السلبي ، وتحول الموضوع إلى عنوانه القاصر فقط متمثلاً بالسؤال وهو : من مع التطبيع ، ومن يقف ضد التطبيع ؟ .
وعليه يمكن الاجتهاد في القول أن مأزق الحركة السياسية الفلسطينية برمتها بدءاً من فتح وإنتهاء بحماس والجهاد ، مروراً بالمعسكر اليساري الشعبية والديمقراطية والشيوعيين ، فالكل يقع فريسة المواقف المسبقة غير الخلاقة ، والكل واقع في أتون مأزق غياب الابداع ، غير المتطور ، غياب محاولات الخروج من مستنقع الدونية والتراجع والتخلف عن مبادرات المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي وسياساته الهجومية المتفوقة على مجمل فصائل وأدوات وحواضن المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني .
الحركة الوطنية الفلسطينية في مأزق ، وفي مأزق كبير ، ليس بفعل إنكسار موازين القوى العربية الإسرائيلية لصالح تل أبيب فقط ، أو لغياب الروافع العربية والدولية للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني وحركته السياسية ولا أقول عمداً حركته الوطنية ، حتى لا يسعى البعض للإدعاء أن هناك معسكرين في مواجهة الاحتلال : 1- المعسكر الوطني و2- والمعسكر الإسلامي ، ولذلك ليس لهذه التصنيفات مكانة لائقة ، بقدر أنها تصنيفات ممزقة للعالم الافتراضي الفلسطيني الذي يستوجب أن يبقى موحداً متماسكاً تحت عناوين وشعارات وأدوات ثلاثة هي :
1- برنامج سياسي جامع يشكل الأرضية والقاسم المشترك لمختلف المكونات والفصائل والشخصيات السياسية الفلسطينية .
2- مؤسسة تمثيلية موحدة ، عنوانها منظمة التحرير ، جامعة لمختلف الفصائل والأحزاب والاتحادات الشعبية والنقابات المهنية وممثلي الجاليات الفلسطينية ، داخل الوطن وخارجه ، ولديها مؤسسات تنظيمية داخلية ذات مصداقية ومواصفات تعكس القوى والفصائل والجاليات والمنظمات الجماهيرية والشخصيات الوازنة ، من مجلس وطني إلى مجلس مركزي إلى لجنة تنفيذية ، وأداتها على الأرض وفي الميدان سلطة وطنية تدير الادارة الذاتية ، وتصريف أحوال الفلسطينيين في مناطق الاحتلال الثانية وخاصة في قطاع غزة ، ليس لها علاقة بالسياسة الخارجية الفلسطينية ، وليس لها علاقة بصياغة علاقات مع أي طرف كان ، لا مع الاحتلال ولا مع مؤسسات دولية ، بل هي تنفذ سياسات منظمة التحرير ومجلسها الوطني ومجلسها المركزي ولجنتها التنفيذية ، وتلتزم ببرنامجها السياسي الذي تحدد خطوطه وأرضيته وتطلعاته منظمة التحرير وليس أي مؤسسة أخرى .
3- أدوات كفاحية متفق عليها سواء كانت هذه الأدوات كفاح مسلح أو إنتفاضة شعبية أو مفاوضات أو غيرها من أشكال وأدوات العمل بما فيها كيفية التعامل مع المجتمع الإسرائيلي ، بحيث لا يخرج عن إستعمال هذه الأدوات أي طرف أو شخص أو فصيل فلسطيني ، وأي وسيلة كفاحية يتم إستعمالها بمعزل عن الاتفاق يتم شجبها ورفضها ، وإدانة من يقوم بها ، لأنه خارج البرنامج السياسي المشترك ، وأداته خارج الأدوات المتفق عليها في إطار ومؤسسات منظمة التحرير وعن قاعدة برنامجها السياسي المشترك .
الاجتهادات بدت واسعة أكثر مما يجب وتحولت نتائجها إلى عمليات تخريب على مسيرة العمل الكفاحي الفلسطيني ، سواء كانت بعض مظاهر التفاوض ، أو بعض العمليات التي تستهدف المدنيين الإسرائيليين وتقع تحت شبهة الارهاب ومتقاربة معه ، وخاصة خلال مشهد سياسي يجتاح العالم ويتوحد ضد الأرهاب ضد المدنيين ، مما يوحي وكأن موجات الرفض الفلسطيني للإحتلال وعملياتها الكفاحية الفردية تتساوى مع عمليات الارهاب التي تجتاح العالم ، مما يستوجب وقفة صارمة معلنة ضد أي عمل فلسطيني يستهدف المدنيين الإسرائيليين ، لأن ذلك يشجع الاحتلال ومؤسساته ومشروعه الاستعماري برمته على التمادي في إيذاء الشعب الفلسطيني بدون أن يجد الادانة والرفض الدولي ، فالادانة والرفض الدولي سلاح سياسي مهم عليه أن يتجاوب مع النضال الفلسطيني ويشكل غطاء له ورافعة لنضاله ، مثلما يحقق هدفاً جوهرياً وذلك عبر رفع الغطاء الاخلاقي عن سياسات وأدوات ووسائل المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، وصولاً نحو تعريته وعزله .
الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني الديمقراطي بإمكاناته المتواضعة وعدالة قضيته ، بحاجة ماسة للروافع الدولية ، في الاسناد والتعاطف والتأييد والتضامن العالمي الانساني ، مثلما هو بحاجة لرفع الغطاء عن المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، وتعريته وإدانته وعزله كما حصل لدولة جنوب إفريقيا العنصرية .
ليس التطبيع مع العدو مساو لفعل إختراق المجتمع الإسرائيلي وكسب إنحيازات من بين صفوفه لعدالة المطالب الفلسطينية ومشروعية النضال الفلسطيني ، فالتطبيع مكرس لخدمة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي بينما إختراق صفوفه وكسب إنحيازات من الرأي العام الإسرائيلي سياسة كفاحية عالية المستوى وشجاعة في الاقدام ورقي في العمل السياسي لتحقيق إضافات نوعية وكسب كمية من بين صفوف الإسرائيليين ونقلها وجهدها وعملها لصالح صفوف الفلسطينيين ، وهذا هو الفعل الثاني في الأولوية وفي الأهمية للنضال الفلسطيني بعد الفعل الأول والأهمية الأولى المتمثل بأهمية توحيد الفعل الفلسطيني على أساس قاعدته المثلثة وهي البرنامج والمنظمة والأدوات ، وهو ما تفتقده الأن الحركة السياسية الفلسطينية حيث التمزق والانقسام ، وحيث التخبط بالسياسات والاجراءات ، وحيث تغيب الأولويات عن الفعل ، ولذلك المطلوب أولاً وحدة الفعل والبرنامج والأدوات والمؤسسة الفلسطينية ، ومن ثم الانتقال إلى الأولوية الثانية والعنوان الثاني من حيث الأهمية قبل أي شيء أخر خارج فلسطين ، وهو الاهتمام بالعامل الإسرائيلي ، لأنه العامل الأكثر تأثيراً على حياة الفلسطينيين ومستقبلهم ، فهو العدو وهو الجار وبعضاً منهم الصديق ، ولذلك المطلوب وضع سياسة برنامجية موحدة بين مختلف المكونات والفصائل والشخصيات ، عنوانها كيفية التعامل مع المجتمع الإسرائيلي لا أن تكون هذه السياسة وكأنها خطيئة لاوطنية ، عندها وعندها فقط يمكن الحكم على أي فعل فلسطيني نحو الإسرائيليين على أنه تطبيعاً مكرساً لخدمة العدو ومشروعه الاستعماري أم أنه إختراقاً لمصلحة النضال الفلسطيني ومشروعه الوطني الديمقراطي الهادف نحو تحقيق العناوين الثلاثة : 1- المساواة في مناطق 48 ، 2- الاستقلال لمناطق 67 ، 3- العودة للاجئين .