في طريقهم إلى النبيّ...استوقفهم الله واستضافهم إلى الأبد

البلد حزينه الشجر حزين الطير حزين الشوارع حزينة، الله يعينك يا بلد على حملك،

ومحمد يودع أمه: أماه أنيني مرتفع يسمعه القاصي والداني... أماه طلبتك مسرعًا كرمالي لبي طلبي .. يا ملك الموت أما تدري من بعدك هزت أجفاني... كيف لا أبكي وقد أغلق عني اليوم باب من أبواب الجنة .. أماه كم شقيتي لأسعد .. كم جعتي لأشبع.....والله لن يوفيكي حقك إلا الله وحده.                                             

وأستاذي يكتب لرحيلهم  وفي طريقهم إلى النبيّ...استوقفهم الله واستضافهم إلى الأبد.                        

والله لا أعلم ماذا أكتب، لكن يقولون بأن الكتابة رئة يتنفس منها الإنسان، محمد وأستاذي وقرية قراوة وصورة الأمس.

في كل مرة أذهب فيها إلى تلك القرية أسمع أصوات الناس تعلو، ضحكاتهم، حبهم، ولا شيء هناك يلتزم الصمت! تشعر بأن كل شيء يتحدث، قريةٌ اعتدنا على صخب شارعها، وتلاطم أمواجها إلا الأمس، فثرثرة الصمت، والحزن القاسي على أناسها المتكاتفين دوماً في السراء والضراء، وصدمة ترافقهم مجالسهم على مقاعد بيت العزاء.

قرية قراوة شمال غرب رام الله ومحنةٌ من الله رحل فيها ثلاثة معتمرين وأصيب أكثر من عشرة أشخاص.

ومحمد حائر على وسادته، وجدران الغرفة متخابطة لا تعلم ماذا يحدث سوى رسم صورة الأم بآخر ابتسامة ترافقها الدموع لحظة الوداع دون علمها بأن هدية عيد الأم تنتظرها حينما تعود، ولتبقى ذكرى محمد الذي سيقوم بالمحافظة عليها عندما يحين اللقاء.

محمود جديد تخليداً لروحه.
ومحمد الأخ الأصغر لمحمود.

محمد الأخ الأصغر من محمود بعامين، ودّع الاثنان والدهما بعد صلاة الفجر، وأوصى محمود زوجته ببيته وأعطى مالًا لإخوانه، وأوصى بدين قيمته 50 شيقلا، وخرجا من المنزل قاصدين الذهاب إلى الديار المقدسة، الذي لم تكن المرة الأولى التي يذهب فيها محمود إليها، ولكنه في هذه المرة اصطحب أخاه محمد المصاب بمرض السرطان، ليخفف عنه مرضه الذي اشتدّ عليه في الآونة الأخيرة، ولأن الموت ليس مرض، عاد محمد دون محمود ودون أن يصيبه أذى، ولأنها قرية تحب أن تخلد الراحلين سمّت مولود ذاك اليوم بمحمود الجديد.

لا أدرى... لم أستطع النظر إلى الشجر حينما ذهبت، ولا لطير، ولا التمعن في أزقتها لكن اكتفيت بالذهاب إلى صورة وحيدة لأستاذي "عقبة فالح" ربما هي الوحيدة التي فاءلتني قليلا مكتوب عليها:

حَرَاج عليك تعرف مين المُعَزِّي ومين المُعَزَّى!!
حَرَاج عليك تعرف العريس من دار مين بدون ما نحكيلك إحنا
حَرَاج عليك تعرف صاحب الجنازة من أي عائلة بدون ما نحكيلك احنا

هذه قراوة بني زيد التي يستيقظ شبانها من جميع العائلات؛ ليغسلوا شوارعها بماء الورد استعدادًا لاستقبال الشهداء.

في النهاية لا أستطع سوى الترحم على أرواحهم وأن تكون إستضافتهم من نعيم بنداء إلى الله ، وللقرية وأزقتها وأناسها أقول"أنتم شغف عظيم ، ومنكم نستخلص دروس الصبر وانتم نموذجا للحزن والابتلاء الذي يخيم على الشعب الفلسطيني ورغم كل اسى  يرافقنا بكل مكان،  نحاول البحث عن الفرح ولكن!

شر البلية ما يضحك فلسطين اليوم تنال على جائزة  أول دول العالم في السعادة.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.