الولايات المتحدة إذ تضلل إسرائيل

 جمال حاج علي
أعلن الزعيم الصهيوني "دافيد بن غوريون" عن قيام دولة إسرائيل في أواسط مايو أيار من عام 1948م، وكان ذلك على أنقاض الشعب الفلسطيني وعذاباته الذي خسر أرضه، وتم تشريد مئات الآلاف من أبنائه في منافي الأرض.
لم يكن قيام دولة إسرائيل سهلاً ومتاحاً لو لم تتلقى الدعم العسكري والسياسي من الدول الاستعمارية، التي وفرت المناخ اللازم لقيامها وهيأت الظروف لذلك، فما أن أُعلن عن قيام دولة إسرائيل حتى توالت الاعترافات من الدول الغربية بقيامها ونشأتها، وتسارعت لفتح القناصل والممثليات داخل هذه الدولة الوليدة.
لقد حملت الولايات المتحدة الأمريكية الإرث الإمبراطوري الاستعماري الذي خلّفته بريطانيا في المنطقة، فبعد أن هيأت بريطانيا لليهود الظروف بعد وعد بلفور عام 1917م؛ ومكنتهم من السيطرة وبناء مكونات دولة تحت سمع وبصر انتدابها، انسحبت لتترك بعد ذلك المجال للولايات المتحدة لرعاية هذه الدولة الوليدة الناشئة.
لقد كانت أمريكا من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل وفتحت فيها سفارتها إمعاناً في تأكيد دورها الجديد آنذاك في الشرق الأوسط. لقد بدأ ظهور دور أمريكا في دعم إسرائيل بشكل واضح وجليّ أثناء وبعد حرب حزيران عام 1967م، حيث تفاهمت الدولتان على تفاصيل الحرب مسبقاً، وحدود الدعم السياسي والعسكري الذي ستقدمه أمريكا أثناء الحرب عسكرياً وبعد الحرب سياسياً، وكان هذا منطلقاً جديداً لدور أمريكا غير النزيه والمنحاز بالكامل لصالح دولة الاحتلال.
خلال عشرات السنين تمّ تقديم مشاريع قرارات لمجلس الأمن تدعو لإدانة إسرائيل على ممارساتها الاحتلالية أو تدعوها للتراجع عن خطوات قامت بها تخالف القوانين والأعراف الدولية؛ لقد كانت تصطدم كلّها بالفيتو الأمريكي الداعم لإسرائيل.دون أن تعطي حلفاءها من العرب أي اهتمام وأي قيمة سيّما وهم الحريصين على العلاقة معها وودها،كما أن الولايات المتحدة لم تُعر أي اهتمام لوجود شعب آخر على هذه الأرض وهو الشعب الفلسطيني. لقد كانت أمريكا تستفز الأمة العربية بتصريحاتها الداعمة للاحتلال في كلّ مرّة تحتدم فيها المواجهة، مبررة بحق الدفاع عن النفس لدولة الاحتلال. عندها لم تكن ترى بعينيها الآلاف من الضحايا والشهداء من الفلسطينيين الذين تسقط بيوتهم على رؤوسهم جرّاء القصف في غزة والضفة، وفي الجهة المقابلة تدين سقوط قتيل أو جريح في الجانب الآخر وتعطي اسرائيل الحق بالرد وما يسمى الدفاع عن النفس حسب مفهومها.
لقد دعمت أمريكا إسرائيل بأحدث أنواع الأسلحة العسكرية من طائرات وصواريخ ودبابات وقنابل؛ كانت سبباً في قتل الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية،ودعمتها في كلّ أنواع المفاوضات التي خاضتها مع الفلسطينيين وفي المفاوضات السورية والأردنية ، وهيأت لها مناخات هذه المفاوضات وقامت طوال الوقت بالضغط على الطرف الآخر. لقد كانت النتيجة الفشل وعدم الوصول للسلام بسبب قبول أمريكا برواية واحدة أوصلت إسرائيل والفلسطينيين لطريق مسدود.
يتضح لنا أنّ الحزبين المتنافسين على الحكم في أمريكا، وهم الحزب الديمقراطي والجمهوري يقدمان كل أشكال الدعم لإسرائيل؛ فقط من أجل تمويل حملاتهم الدعائية من المال اليهودي وكسب صوت الناخب اليهودي في الولايات المتحدة، وكأنهم يدعمون ضمناً استمرار الصراع لإيجاد مبررات ذلك الدعم.
لم تقل أمريكا لإسرائيل أنّ على هذه الأرض شعبها الأصيل صاحب الحق التاريخي، ولم تقل لها أن إرجاع الحقوق العربية قد يكون منجاة لها من صراع سيطول ويطول، بل لم يُجْدِ إسرائيل صمت أمريكا الداعم لها عندما خاضت مواجهة صعبة وشاقة عام2014م في قطاع غزة حيث سقط منها القتلى والجرحى والأسرى. وأثبتت فيها المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني القدرة المتميزة على المواجهة والثبات ورجعت فيها إسرائيل خطوة للوراء سواء على المستوى النفسي أو العسكري، إنّ إسرائيل وفي كل مرّة تصطدم بصمود الشعب الفلسطيني وبأسه ومقاومته، فهو موجود على أرضه ثابت وراسخ فيها، وفي كلّ يوم تتزايد أعداده وتنمو وإن كانت أمريكا لا ترى ذلك فهي تضلل إسرائيل لأنها تُمدها بالغيّ والغطرسة وهي التي تجعلها تطيل أمد الصراع وبذلك تفقد الاستقرار والأمن.
إنّ استمرار الولايات المتحدة بتجاهل الحق الوطني الفلسطيني والحقوق العربية، وتجاهلها لوجود الشعب الفلسطيني الثابت على أرضه المدافع والمقاوم للاحتلال، وذلك من خلال دعمها الغير محدود لإسرائيل والذي لم يُنْجِها من المواجهة ولن يحقق لها الأمن في قابل الأيام هو ليس غشاوة على عينيها! فلم يعد دعم اسرائيل بعد انتهاء الحرب الباردة والسيطرة على الانتاج النفطي العربي وتكدس البترول المنتَج في الولايات المتحدة، لم يعد دعمها أمراً استراتيجياً، إنّ أمريكا تملي لغطرسة إسرائيل لمصالح حزبية ضيقة، وهي تضللها بذلك وتبقيها في صراع لن تكون هي الرابحة في نهايته، فالشعب الفلسطيني المنتفض والثابت على أرضه، وخلفه الأمة العربية والإسلامية التي لن يبقَ حالها على ما هي عليه، لن يقبل لا الأن ولا مستقبلاً بوجود احتلال على أرضه، فالمنطقة فوق رمال متحركة، وما عدا ذلك فإنّ أمريكا تضلل إسرائيل.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.