الأسير محمد القيق وأم المعارك

تخوض دولة الاحتلال وفي كل مرة معركة، تستنفر فيها أجهزتها الأمنية وخبراءها من مصلحة السجون، يشترك في هذه المعركة أطباء في مستشفى الرملة العسكري أو مستشفى سوروكا أو العفولة، تشحن فيها إعلامها ومالها ومحاكمها العسكرية، وخبراءها القانونيين، وتلجأ لاستصدار قرارات من محكمة العدل العليا، كلّ ذلك في معركة من هذا الجيش المحشود أمام عدوّ لدود يتكون من أسير واحد قرر أن يواجه احتجازه واعتقاله بدون تهمة والمسمّى (الاعتقال الاداري) بسلاحه النافذ الخارق الماحق "سلاح الأمعاء الخاوية" وهو السلاح الوحيد المتوفر لدى أفراد الحركة الأسيرة؛ لتحقيق مطالبهم الإنسانية والقانونية.

نعم هذا ما اختاره الأسير محمد القيق الصحفي العامل في فضائية المجد، لقد خاض إضرابه عندما علم علم اليقين أنه لم يقترف جرماً ولم يقترف مخالفة قانونية تلزم نيابة الاحتلال العسكرية بتقديم لائحة اتهام بموجبها يتم تقديمه للمحاكمة.

إنّ القرار الذي يتخذه الأسير محمد القيق وأي أسير آخر بإعلان الإضراب عن الطعام، يتخذه وهو يعلم تماماً أنّه سيواجه دولة بكل أدواتها لاستنزافه وثنيه عن تحقيق مراده، ولكنه يعلم أيضاً أنّ روحه التي بين جنباته والتي هي عدته وعتاده قد تزهق في سبيل نيله حريته. إنّ من يجعل من روحه عُدة معركته يعلم أكثر من غيره أنّه يملك السلاح الأقوى في المعركة، ومن هنا فقد خاضت دولة الاحتلال عشرات المعارك مع أبناء الحركة الأسيرة، وفي كل مرّة يواجهها جيش من شخص واحد ما أن يفوز بقضيته ويغلق ملفها حتى ينهض أسير آخر يجدد المعركة بسلاح الجوع، ويعيد الاحتلال تحريك واستعمال نفس الأدوات التي أنهكها الأسير السابق بإضرابه الذي انتصر به وحقق أهدافه التي أضرب من أجلها.

لم يسبق لمعركة الأمعاء الخاوية المكونة من أسير واحد أن فشلت، فقد انتصر فيها كلّ من خاضها من خضر عدنان حتى محمد علّان، إلاّ أنها أي الدولة العبرية تقع في نفس الأخطاء وتعيد نفس السيناريوهات، ثم تبدأ بالنزول عن سلّم تعنتها.

إنّ الظروف  التي تواكب إضراب الأسير محمد القيق تختلف تماماً عمّن سبقها، فالشعب الفلسطيني يخوض غمار انتفاضة ثالثة، تعتمد بشكل رئيس على العمل الفردي، وبعض العمليات التي خاضها من قام بالدعس أو الطعن؛ كانت ردة فعل على ممارسة واحدة من ممارسات الاحتلال سواء في القدس والمسجد الأقصى أو عملية قتل لفتاة على حاجز أو غير ذلك، ومن هنا فقد عايش الشعب الفلسطيني فترة إضراب محمد القيق أكثر من 73 يوماً وكانت هذه القضية محَشِّدة للشارع الفلسطيني وموحدة لكل المشارب الفلسطينية، فالذين يخوضون فعاليات التضامن مع الأسير الصحفي محمد القيق يمثلون كل الفصائل الفلسطينية، وأصبح اسم الأسر القيق على كل لسان وعلى صفحات مئآت المواقع الألكترونية وعلى أجندة عشرات اللجان الحقوقية، وبالتالي فقد حقق القيق انتصاراً مميزاً لهذه اللحظة، ولكن لا قدّر الله لو حصل وأن أصابه المكروه وأسلم روحه لبارئها، عندها لا يعلم أحد كيف من الممكن أن تتطور الانتفاضة فقد يكون هو الوقود المحرك لانفجار لا تتمناه أطراف عدّة، فكل المراقبين يعتقدون أنّ انفجاراً ما قد يحدث نتيجة عملية كبيرة لدى أحد الطرفين، وقد يكون استشهاد الأسير محمد القيق الذي يخوض معركة بالنسبة إليه هي أم المعارك مدعاة لهذا الانفجار ومبرراً لجعل الفصائل الفلسطينية التي ما زالت غير منخرطة بمنظومتها الثورية تخوض غمار هذه الانتفاضة.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.