لا تظلموا الراصد الجوي

بقلم: 

في كل عام يعيش محبو فصل الشتاء والثلوج أجواء ترقب وانتظار أملاً منهم في هطول الخير الوفير ورؤية الزائر الأبيض، لكن العبء الكثير والمسؤولية الأكبر تلقى على عاتق الراصد الجوي الذي يمضي ساعاتٍ وساعاتٍ في متابعة الحالات الجوية المتعاقبة كي يضع المواطنين في صورة حالة الطقس أولاً بأول.

وفي الأيام الماضية عاشت فلسطين والدول  المجاورة أجواء ترقب وانتظار للزائر الأبيض، حيث كانت توقعات الراصدين الجويين الفلسطينيين سواء العاملين في الأرصاد الرسمية أو الهواة، ومواقع الطقس الخاصة، بأن تتساقط الثلوج على المرتفعات التي يزيد ارتفاعها عن 800 متر وتتدنى لارتفاعات أقل من ذلك هذا اليوم، وفعلاً فقد تساقطت الامطار بمعدلات جيدة على مختلف المناطق، وهطلت الثلوج على فترات وكانت متقطعة، مع تراكمات بسيطة في الجبال العالية.

ولا أنكر هنا بأن خيبة أمل أصابتني ومعي كثيرين جراء عدم نجاح توقعات الراصدين الجويين الفلسطينيين الذين لم يوضحوا بعد السبب في عدم دقة التوقعات وعدم وجود تراكمات ثلجية واضحة كما تحدثوا، ربما لأن المنخفض الجوي لم ينته بعد، لكنها أبدت لم تجعلني أهاجم او أسب أي راصد جوي، خفيةً أو علانية، عبر الفيسبوك أو في حديثٍ مع العائلة أو الأصدقاء.

وللأسف فإن كثيرين تناسوا الجهود التي يبذلها الراصد الجوي طوال فصل الشتاء، وشنوا هجوماً على مختلف الراصدين واتهموهم بالفشل وعدم الخبرة، وهنا لا بد أن أذكر بأن الراصد الفلسطيني لم يكن لوحدة من توقع بتساقط الثلوج على المرتفعات، فكذلك الأمر كانت توقعات الراصدين الإسرائيليين والأردنيين، وهم يمتلكون أحدث المعدات والأدوات للرصد الجوي في الشرق الأوسط، فلماذا لا نجد مثل هذا الهجوم على الراصد الإسرائيلي من قبل متابعيه؟

في العام الماضي توقع الراصدون الجويون في الولايات المتحدة أن يتأثر الساحل الشمالي الشرقي في بلادهم لعاصفة ثلجية تاريخية وغير مسبوقة، وهو ما كانت تظهره فعلاً الخرائط الجوية حينها، ولكن على أرض الواقع جاءت الثلوج عادية كأي منخفض آخر تتعرض له تلك المناطق،  فلماذا لم نر أي هجومٍ على الراصدين الأمريكيين من قبل متابعيهم،  وبالعكس تقبلوا الأمر بكل رحابة صدر..فما هو تفسير هذا الاختلاف في ردود المتابعين عندنا وفي الدول الأخرى على الراصدين الجويين حين تفشل توقعاتهم؟

أعتقد بأن هذا الأمر مرتبط بالثقافة التي يمتلكها المتابعون، ومدى إدراكهم بأن علم الرصد الجوي مبني على تنبؤات وتوقعات ترصدها محطات رصد عالمية، ولا يمكن لأي راصد جوي في العالم بأن يجزم بحتمية وقوع حالة جوية فقط بمجرد أن ترسمها الخرائط، لأن هذا الأمر بالنهاية بيد الله، وخير دليل لنا على ذلك نراه في الآيات الكريمة "  :أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ". صدق الله العظيم

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.