حان وقت الحزم.. ولم يحن وقت الرحيل!

ميت

لن أوثق تفاصيل فصل روايتي الجديد عن زميلي عبدالرحمن الذي توفاه الله قبل فترة قريبة بعد معاناة أربعة عقود ونصف مع مرض نزف  الدم – الهيموفيليا - ، ولن أدخل في تفاصيل المكالمة الحزينة والمؤثرة التي وصلتني من أخ و زميل  دراسة وقد اتصل بي من الغربة قبل أيام طالبا المساعدة بالتواصل وايجاد حل مع المسؤولين للاسراع باخراج اخته من قطاع غزة لاحدى المستشفيات داخل الخط الاخضر لتلقي علاج  مرض عضال انتشر في جسدها. فقد كتبنا الكثير عن حالات شبيهة وناشدنا واستجدينا كثير من المسؤولين.

يعلم القاصي والداني مقدار ما ينتشر يوميا عبر الصحف المحلية و يبث في وسائل الاعلام المختلفة وتنتقل كالنار في الهشيم هذه المناشدات بطلب الاغاثة ، كما تدركون الكم الهائل مما يصل للمؤسسات الحكومية والاهلية والخاصة باستمرار من مئات ان لم يكن الالاف من رسائل  وطلبات المساعدة.

إنها قصص و روايات حقيقية من  واقع الالم والمعاناة  الطبيعية وغير الطبيعية لابناء وبنات الشعب الفلسطيني ممن يحتاجون مساعدة  طبية او ممن يطلبون توفير العلاج والدواء لهم او لذويهم او ممن يطلبون المساعدات الاجتماعية أو يسعون لتوفير خدمات عامة. وللاسف هذا النقص والذل في الطلب يؤثر بل يزيد سلبا بتأثيره على حياة المواطنين الجسدية والنفسية في محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة.

تتكرر وتتراكم منذ سنوات وبوتيرة متزايدة  هذه القضايا ، وإن يعمل البعض  بجهد وإخلاص على ايجاد حلول لنسبة قليلة من تلك القضايا وبطريقة فردية ولكل حالة على حدا ولفترة محدودة، وفي النهاية لا يوجد استراتيجيات او استدامة في توفير الحلول لغالبية  هذه القضايا.

لن يعرف معنى وأهمية اساسيات وقيمة الحياة ورفاهية العيش بدون مشاكل صحية او اجتماعية إلا شخص يحمل في قلبه وأحاسيسه وتصرفاته إدراك لمعنى الانسانية والأمل.  مخلوق ذو  قلب  رحيم سيحمل معاني الرحمة وتخفيف الالم عن نفسه أولا وعن غيره بنفس القدر ويسعى للمحافظة والاستثمار في راحة مخلوق أخر ضعيف أمامه او وصلته شكوى وحاجة شخص أبتلي في صحته ووضعه الاجتماعي.

يعرف أصحاب القلوب الرحيمة أن الواجب والعمل ألانساني غيرمرتبط بوظيفة أو نتاج روتين عمل يكسب من خلاله الموظف أو من يقوم بهذا العمل التطوعي والانساني بعض الدريهمات، وهذا العطاء الانساني يجب ان لا يكون  مرتبط  بقرار من صاحب منصب سياسي او اداري او مرتبط بمسمى متطوع أو أن يحصل المقدم للخدمة على قوت يومه من هذا العمل الانساني.

يجب أن لا يتم  تجاهل  أو استغلال معاناة المحتاجين من أفراد ومؤسسات لمصالح  مادية أو مارب شخصية أو لإيجاد غيمة هلامية تطوعية أو إنسانية بخلق مؤسسة خاصة أو هيئة تطوعية  أوحتى من خلال مؤسسة حكومية.

حتى وقت قصير كان يؤمن كثير من الناشطين أن مأسسة العمل الأنساني والتطوعي تزيد  فعالية وكفاءة الانتاجية الايجابية للافراد من أجل مساعدة المحتاجين من خلال العمل المجتمعي العام أو المعتمد على دبلوماسية التعاون والتشبيك والمطالبة بالحقوق وتبيان المعاناة.

أشهد،أقر وأعترف أن ما نحياه في فلسطين في تفاصيل ونتائج العمل الانساني والتطوعي أصبح يختلف في واقع الممارسة عن مثاليات  وطموح الكثيرين.

فبالرغم من  وجود كثير من المخلصين لانسانيتهم  والمحاولين لمساعدة الاخرين  بصفتهم الفردية او من خلال مؤسسات لا ربحية تطوعية يعملون او يتطوعون بها ، الا ان المعاناة تستمر ويرمى عبء المسؤولية على الافراد والمؤسسات التطوعية  وتبقى المؤسسة الرسمية مقصرة.

يجب أن لا يصمت المواطن والمؤسسات الاهلية على  توفير هذه الاحتياجات، لإن المسؤولية الرسمية والحق في الصحة وشبكة الضمان الاجتماعي هي من مسؤولية الوزارات الخدماتية في السلطة الوطنية الفلسطينية والمسؤولة عن  المواطن الفلسطيني ولا يمكن ان تتخلى المؤسسة الرسمية عن هذه المسؤولية الاخلاقية او تستبدلها  بالمسؤولية المجتمعية للشركات واصحاب رؤوس الاموال او تحمل وزر التقصير للمؤسسات الخاصة والاهلية وان كان على الجميع مسؤولية مجتمعية.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.